فلما كانت الليلة ٧٤٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن صالحًا وأقاربه كتفوا الملك السمندل، ثم إن جوهرة لما انتبهت علمت أن أباها قد أُسِر، وأن أعوانه قد قُتِلوا، فخرجت من القصر هاربةً إلى بعض الجزائر، ثم إنها قصدت شجرة عالية واختفت فوقها، ولما اقتتلت هاتان الطائفتان فرَّ بعض غلمان الملك السمندل هاربين، فرآهم بدر باسم فسألهم عن حالهم، فأخبروه بما وقع. فلما سمع أن الملك السمندل قُبِض عليه، ولَّى هاربًا وخاف على نفسه، وقال في قلبه: إن هذه الفتنة كانت من أجلي، وما المطلوب إلا أنا. فولَّى هاربًا، وللنجاة طالبًا، وصار لا يدري أين يتوجه، فساقته المقادير إلى تلك الجزيرة التي فيها جوهرة بنت الملك السمندل، فأتى عند الشجرة وانطرح مثل القتيل، وأراد الراحة بانطراحه ولا يعلم أن كل مطلوب لم يسترح، ولا يعلم أحد ما خفي له في الغيب من التقادير، فلما رفع بصره نحو الشجرة، وقعت عينه في عين جوهرة، فنظر إليها فرآها كأنها القمر إذا أشرق، فقال: سبحان خالق هذه الصورة البديعة، وهو خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير، سبحان الله العظيم الخالق البارئ المصور، والله إن صدقني حذري تكون هذه جوهرة بنت الملك السمندل، وأظنها لما سمعت بوقوع الحرب بينهما هربت، وأتت إلى هذه الجزيرة، واختفت فوق هذه الشجرة، وإن لم تكن هذه الملكة جوهرة فهذه أحسن منها. ثم إنه صار متفكرًا في أمرها وقال في نفسه: أقوم أمسكها وأسألها عن حالها، فإن كانت هي فإني أخطبها من نفسها، وهذا هو بغيتي. فانتصب قائمًا على قدميه، وقال لجوهرة: يا غاية المطلوب، مَن أنت؟ ومَن أتى بك إلى هذا المكان؟ فنظرت جوهرة إلى بدر باسم، فرأته كأنه البدر إذا ظهر من تحت الغمام الأسود، وهو رشيق القوام مليح الابتسام، فقالت له: يا مليح الشمائل، أنا الملكة جوهرة بنت الملك السمندل، وقد هربت في هذا المكان؛ لأن صالحًا وجنده تقاتلوا مع أبي وقتلوا جنده وأسروه هو وبعض جنده، فهربت أنا خوفًا على نفسي. ثم إن الملكة جوهرة قالت للملك بدر باسم: وأنا ما أتيت إلى هذا المكان إلا هاربة خوفًا من القتل، ولم أدرِ ما فعل الزمان بأبي.
فلما سمع الملك بدر باسم كلامها، تعجب غاية العجب من هذا الاتفاق الغريب، وقال: لا شك أني نلت غرضي بأسر أبيها. ثم إنه نظر إليها وقال لها: انزلي يا سيدتي، فإني قتيل هواكِ وأسرتني عيناكِ، وعلى شأني وشأنك كانت هذه الفتنة وهذه الحروب، واعلمي أني أنا الملك بدر باسم ملك العجم، وأن صالحًا هو خالي، وهو الذي أتى إلى أبيك وخطبك منه، وأنا قد تركت ملكي لأجلك، واجتماعنا في هذا الوقت من عجائب الاتفاق، فقومي وانزلي عندي حتى أروح أنا وأنت إلى قصر أبيك وأسأل خالي صالحًا في إطلاقه، وأتزوَّج بك في الحلال. فلما سمعت جوهرة كلام بدر باسم، قالت في نفسها: على شأن هذا العلق اللئيم، كانت هذه القضية وأَسْر أبي، وقتل حجَّابه وحشمه، وتشتت أنا عن قصري، وخرجت مسبية إلى تلك الجزيرة؟ فإن لم أعمل معه حيلة أتحصَّن بها منه تمكَّنَ مني ونال غرضه؛ لأنه عاشق والعاشق مهما كان فِعْله لا يُلام عليه فيه. ثم إنها خادعته بالكلام ولين الخطاب، وهو لا يدري ما أضمرته له من المكائد، وقالت له: يا سيدي ونور عيني، هل أنت الملك بدر باسم ابن الملكة جلناز؟ فقال لها: نعم يا سيدتي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.