فلما كانت الليلة ٧٤٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جوهرة بنت الملك السمندل قالت للملك بدر باسم: هل أنت يا سيدي الملك بدر باسم ابن الملكة جلناز؟ قال لها: نعم يا سيدتي. فقالت: قطع الله أبي وأزال ملكه عنه، ولا جبر له قلبًا، ولا ردَّ له غربة إن كان يريد أحسن منك وأحسن من هذه الشمائل الظريفة، والله إنه قليل العقل والتدبير. ثم قالت له: يا ملك الزمان، لا تؤاخذ أبي بما فعل، وإن كنت أحببتني شبرًا، فأنا أحببتك ذراعًا، وقد وقعتُ في شَرَك هواكَ، وصرتُ من جملة قتلاك، وقد انتقلت المحبة التي كانت عندك وصارت عندي، وما بقي عندك منها إلا معشار ما عندي. ثم إنها نزلت من فوق الشجرة وقربت منه وأتت إليه واعتنقته وضمته إلى صدرها وصارت تُقبِّله، فلما رأى الملك بدر باسم فعلها ازدادت محبته لها، واشتدَّ غرامه بها، وظنَّ أنها عشقته، ووثق بها وصار يضمها ويُقبِّلها، ثم إنه قال لها: يا ملكة، والله لم يصف لي خالي صالح ربع معشار ما أنت عليه من الجمال، ولا ربع قيراط من أربعة وعشرين قيراطًا. ثم إن جوهرة ضمته إلى صدرها وتكلمت بكلام لا يُفهَم، وتفلت في وجهه، وقالت له: اخرج من هذه الصورة البشرية إلى صورة طائر أحسن الطيور، أبيض الريش، أحمر المنقار والرجلين. فما تمَّ كلامها حتى انقلب الملك بدر باسم إلى صورة طائر أحسن ما يكون من الطيور، وانتفض ووقف على رجليه، وصار ينظر إلى جوهرة، وكان عندها جارية من جواريها تُسمَّى مرسينة، فنظرت إليها وقالت: والله لولا أخاف من كون أبي أسيرًا عند خاله لقتلته، فلا جزاه الله خيرًا، فما أشأم قدومه علينا، فهذه الفتنة كلها من تحت رأسه، ولكن يا جارية خذيه واذهبي به إلى الجزيرة المعطشة، واتركيه هناك حتى يموت عطشانًا. فأخذته الجارية وأوصلته إلى الجزيرة وأرادت الرجوع من عنده، ثم قالت في نفسها: والله إن صاحب هذا الحُسْن والجمال لا يستحق أن يموت عطشانًا. ثم إنها أخرجته من الجزيرة المعطشة، وأتت به إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، فوضعته فيها ورجعت إلى سيدتها، وقالت لها: قد وضعته في الجزيرة المعطشة.
هذا ما كان من أمر بدر باسم، وأما ما كان من أمر صالح خال الملك بدر باسم، فإنه لما احتوى على الملك السمندل وقتل أعوانه وخدمه وصار تحت أسره، قد طلب جوهرة بنت الملك فلم يجدها، فرجع إلى قصره عند أمه وقال: يا أمي، أين ابن أختي الملك بدر باسم؟ فقالت: يا ولدي، والله ما لي به علم ولا أعرف أين ذهب، فإنه لما بلغه أنك تقاتلت مع الملك السمندل، وجَرَتْ بينكم الحروب والقتال، فزع وهرب. فلما سمع صالح كلام أمه حزن على ابن أخته وقال: يا أمي، والله إننا قد فرطنا في الملك بدر باسم، وأخاف أن يهلك أو يقع به أحد من جنود الملك السمندل، أو تقع به ابنة الملك جوهرة، فيحصل لنا من أمه خجل، ولا يحصل لنا منها خير؛ لأني قد أخذته بغير إذنها. ثم إنه بعث خلفه الأعوان والجواسيس إلى جهة البحر وغيره، فلم يقفوا له على خبر، فرجعوا أعلموا الملك صالحًا بذلك فزاد همه وغمه، وقد ضاق صدره على الملك بدر باسم.
هذا ما كان من أمر الملك بدر باسم وخاله صالح، وأما ما كان من أمر أمه جلناز البحرية، فإنها لما نزل ابنها بدر باسم مع خاله صالح انتظرته فلم يرجع إليها، وأبطأ خبره عنها، فقعدت أيامًا عديدة في انتظاره، ثم إنها قامت ونزلت في البحر وأتت أمها، فلما نظرتها أمها قامت إليها وقبَّلتها واعتنقتها، وكذلك بنات عمها، ثم إنها سألت أمها عن الملك بدر باسم، فقالت لها: يا بنتي، قد أتى هو وخاله، ثم إن خاله قد أخذ يواقيت وجواهر وتوجه بها هو وإياه إلى الملك السمندل وخطب ابنته، فلم يُجِبْه وشدَّدَ على أخيك في الكلام، فأرسلتُ إلى أخيك نحو ألف فارس، ووقعت الحرب بينهم وبين الملك السمندل، فنصر الله أخاك عليه، وقتل أعوانه وجنوده، وأسر الملك السمندل، فبلغ ذلك الخبر ولدك، فكأنه خاف على نفسه فهرب من عندنا بغير اختيارنا، ولم يَعُدْ إلينا بعد ذلك ولم نسمع له خبرًا. ثم أن جلناز سألتها عن أخيها صالح، فأخبرتها أنه جالس على كرسي المملكة في محل الملك السمندل، وقد أرسل إلى جميع الجهات بالتفتيش على ولدك، وعلى المملكة جوهرة. فلما سمعت جلناز كلام أمها، حزنت على ولدها حزنًا شديدًا، واشتدَّ غضبها على أخيها صالح لكونه أخذ ولدها، ونزل به البحر من غير إذنها. ثم إنها قالت: يا أمي، إني خائفة على الملك الذي لنا؛ لأني أتيتكم، وما أعلمتُ أحدًا من أهل المملكة، وأخشى إن أبطأتُ عليهم أن يفسد المُلْك علينا، وتخرج المملكة من أيدينا، والرأي السديد أني أرجع وأسوس المملكة إلى أن يدبر الله لنا أمرَ ولدي، ولا تنسوا ولدي ولا تتهاونوا في أمره، فإنه إن حصل له ضرر هلكتُ لا محالة؛ لأني لا أرى الدنيا إلا به، ولا ألتذُّ إلا بحياته. فقالت: حبًّا وكرامة يا بنتي، لا تسألي على ما عندنا من فراقه وغيبته. ثم إن أمها أرسلت مَن يفتش عليه، ورجعت أمه حزينة القلب باكية العين إلى المملكة، وقد ضاقت بها الدنيا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.