فلما كانت الليلة ٧٥٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة جلناز لما رجعت من عند أمها إلى مملكتها، قد ضاق صدرها، واشتد أمرها. هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر الملك بدر باسم، فإنه لما سحرته الملكة جوهرة وأرسلته مع جاريتها إلى الجزيرة المعطشة، وقالت لها: دعيه فيها يموت عطشانًا، لم تضعه الجارية إلا في جزيرة خضراء مثمرة ذات أشجار وأنهار، فصار يأكل من الثمار ويشرب من الأنهار، ولم يزل كذلك مدة أيام وليالٍ، وهو في صورة طائر لا يعرف أين يتوجه، ولا كيف يطير. فبينما هو ذات يوم من الأيام في تلك الجزيرة إذ أتى هناك صياد من الصيادين ليصطاد شيئًا يتقوَّت به، فرأى الملك بدر باسم وهو في صورة طائر أبيض الريش، أحمر المنقار والرجلين، يسبي الناظر ويدهش الخاطر، فنظر إليه الصياد فأعجبه وقال في نفسه: إن هذا الطائر مليح، وما رأيت طيرًا مثله في حُسْنه ولا في شكله. ثم إنه رمى الشبكة عليه واصطاده، ودخل به المدينة وقال في نفسه: إني أبيعه وآخذ ثمنه. فقابله واحد من أهل المدينة وقال له: بكم هذا الطائر يا صياد؟ فقال له الصياد: إذا اشتريته فماذا تعمل به؟ قال: أذبحه وآكله. فقال له الصياد: مَن يطيب قلبه أن يذبح هذا الطائر ويأكله؟ إني أريد أن أهديه إلى الملك فيعطيني أكثر من المقادر الذي تعطينيه أنت في ثمنه، ولا يذبحه بل يتفرج عليه وعلى حُسْنه وجماله؛ لأني في طول عمري وأنا صياد ما رأيت مثل في صيد البحر ولا في صيد البر، وأنت إنْ رغبت فيه فما نهاية ما تعطيني في ثمنه؟ درهمًا! وأنا والله العظيم لا أبيعه.
ثم إن الصياد ذهب به إلى دار الملك، فلما رآه الملك أعجبه حسنه وجماله وحمرة منقاره ورجليه، فأرسل إليه خادمًا ليشتريه منه، فأتى الخادم إلى الصياد، وقال له: أتبيع هذا الطائر؟ قال: لا، بل هو للملك هدية مني إليه. فأخذه الخادم وتوجه به إلى الملك، وأخبره بما قاله؛ فأخذه الملك، وأعطى الصياد عشرة دنانير، فأخذها وقبَّلَ الأرض وانصرف، وأتى الخادم بالطائر إلى قصر الملك، ووضعه في قفص مليح وعلَّقه وحطَّ عنده ما يأكل وما يشرب، فلما نزل الملك قال للخادم: أين الطائر؟ أَحْضِرْه حتى أنظره، والله إنه مليح. فأتى به الخادم ووضعه بين يدي الملك، وقد رأى الأكل عنده لم يأكل منه شيئًا، فقال الملك: والله لا أدري ما يأكل حتى أطعمه. ثم أمر بإحضار الطعام فأحضرت الموائد بين يديه، فأكل الملك من ذلك، فلما نظر الطير إلى اللحم والطعام والحلويات والفواكه أكل من جميع ما في السماط الذي قدام الملك، فبُهِت له الملك، وتعجَّبَ من أكله، وكذلك الحاضرون. ثم قال الملك لمَن حوله من الخدام والمماليك: عمري ما رأيت طيرًا يأكل مثل هذا الطير. ثم أمر الملك أن تحضر زوجته لتتفرج عليه، فمضى الخادم ليحضرها، فلما رآها قال لها: يا سيدتي، إن الملك يطلبك لأجل أن تتفرجي على هذا الطير الذي اشتراه، فإننا لما حضرنا بالطعام طار من القفص، وسقط على المائدة، وأكل من جميع ما فيها، فقومي يا سيدتي تفرجي عليه، فإنه مليح النظر، وهو أعجوبة من أعاجيب الزمان. فلما سمعت كلام الخادم أتت بسرعة، فلما نظرت إلى الطير وتحقَّقَتْه غطَّتْ وجهها، وولَّتْ راجعةً، فقام الملك وراءها وقال لها: لأي شيء غطَّيْتِ وجهك، وما عندك غير الجواري والخدام التي في خدمتك وزوجك؟ فقالت له: أيها الملك، إن هذا الطير ليس بطائر، وإنما هو رجل مثلك. فلما سمع الملك كلام زوجته قال لها: تكذبين، ما أكثر ما تمزحين! كيف يكون غير طائر؟ فقالت له: والله ما مزحت معك، وما قلتُ لك إلا حقًّا، إن هذا الطير هو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان صاحب بلاد العجم، وأمه جلناز البحرية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.