فلما كانت الليلة ٧٥١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زوجة الملك لما قالت للملك: إن هذا ليس بطائر، وإنما هو رجل مثلك، وهو الملك بدر باسم ابن الملك شهرمان وأمه جلناز البحرية، قال لها: وكيف صار إلى هذا الشكل؟ قالت له: إنه قد سحرته الملكة جوهرة بنت الملك السمندل. ثم حدَّثَتْه بما جرى له من أوله إلى آخره، وأنه قد خطب جوهرة من أبيها، فلم يَرْضَ أبوها بذلك، وأن خاله صالحًا اقتتل هو والملك السمندل، وانتصر صالح عليه وأسره. فلما سمع الملك كلام زوجته تعجَّبَ غاية العجب، وكانت هذه الملكة زوجته أسحر أهل زمانها. فقال لها الملك: بحياتي عليك أن تحليه من سحره، ولا تخليه معذبًا قطع الله تعالى يد جوهرة، ما أقبحها! وما أقل دينها وأكثر خداعها ومكرها! قالت له زوجته: قل له: يا بدر باسم ادخل هذه الخزانة. فأمره الملك أن يدخل الخزانة. فلما سمع كلام الملك دخل الخزانة، فقامت زوجة الملك وسترت وجهها، وأخذت في يدها طاسة ماء، ودخلت الخزانة وتكلَّمَتْ على الماء بكلامٍ لا يُفهَم، وقالت له: بحق هذه الأسماء العظام والآيات الكرام، وبحق الله تعالى خالق السموات والأرض، ومحيي الأموات، وقاسم الأرزاق والآجال، أن تخرج من هذه الصورة التي أنت فيها، وترجع إلى الصورة التي خلقك الله عليها. فلم يتم كلامها حتى انتفض نفضة، ورجع إلى صورته، فرآه الملك شابًّا مليحًا ما على وجه الأرض أحسن منه.
ثم إن الملك بدر باسم لما نظر إلى هذه الحالة قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، سبحان خالق الخلائق، ومُقدِّر أرزاقهم وآجالهم. ثم إنه قبَّلَ يدي الملك ودعا له بالبقاء، وقبَّلَ الملك رأس بدر باسم وقال له: يا بدر باسم، حدِّثني بحديثك من أوله إلى آخِره. فحدَّثَه الملك بحديثه ولم يكتم منه شيئًا، فتعجب الملك من ذلك، ثم قال له: يا بدر باسم، قد خلَّصَك الله من السحر، فما الذي اقتضاه رأيك؟ وما تريد أن تصنع؟ قال له: يا ملك الزمان، أريد من إحسانك أن تجهِّز لي مركبًا وجماعة من خدامك، وجميع ما أحتاج إليه، فإن لي زمانًا طويلًا وأنا غائب، وأخاف أن تروح المملكة مني، وما أظن أن والدتي بالحياة من أجل فراقي، والغالب على ظني أنها ماتت من حزنها عليَّ؛ لأنها لا تدري ما جرى لي، ولا تعرف هل أنا حي أم ميت، وأنا أسألك أيها الملك أن تتم إحسانك عليَّ بما طلبتُه منك. فلما نظر الملك إلى حُسْنه وجماله وفصاحته، أجابه وقال له: سمعًا وطاعة. ثم إنه جهَّزَ له مركبًا ونقل فيه ما يحتاج إليه، وسيَّرَ معه جماعة من خدامه، فنزل في المركب بعد أن ودَّعَ الملك، وساروا في البحر وساعدهم الريح. ولم يزالوا سائرين مدة عشرة أيام متوالية، ولما كان اليوم الحادي عشر هاج البحر هيجانًا شديدًا، وصار المركب يرتفع وينخفض، ولم تقدر البحرية أن يمسكوه، ولم يزالوا على هذه الحالة والأمواج تلعب بهم حتى قربوا إلى صخرة من صخر البحر، فوقعت تلك الصخرة على المركب، فانكسر وغرق جميع مَن كان فيه إلا الملك بدر باسم، فإنه ركب على لوحٍ من الألواح بعد أن أشرف على الهلاك. ولم يزل ذلك اللوح يجري به في البحر، ولا يدري إلى أين هو ذاهب، وليس له حيلة في منع اللوح، بل سار اللوح به مع الماء والريح.
ولم يزل كذلك مدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع طلع به اللوح على ساحل البحر، فوجد هناك مدينة بيضاء مثل الحمامة الشديدة البياض، وهي مبنية في الجزيرة التي على ساحل البحر، لكنها عالية الأركان، مليحة البنيان، رفيعة الحيطان، والبحر يضرب في سورها. فلما عايَنَ الملك بدر باسم تلك الجزيرة التي فيها هذه المدينة، فرح فرحًا شديدًا، وكان قد أشرف على الهلاك من الجوع والعطش، فنزل من فوق اللوح وأراد أن يصعد إلى المدينة، فأتت إليه بغال وحمير وخيول عدد الرمل، فصاروا يضربونه ويمنعونه أن يطلع من البحر إلى المدينة. ثم إنه عام خلف تلك المدينة، وطلع إلى البر، فلم يجد هناك أحدًا، فتعجَّبَ وقال: يا تُرَى، لمَن هذه المدينة؟ وهي ليس لها ملك، ولا فيها أحد، ومن أين هذه البغال والحمير والخيول التي منعَتْني من الطلوع؟ وصار متفكِّرًا في أمره وهو ماشٍ، وما يدري أين يذهب. ثم بعد ذلك رأى شيخًا بقالًا، فلما رآه الملك بدر باسم سلَّمَ عليه فردَّ عليه السلام، ونظر إليه الشيخ فرآه جميلًا، فقال له: يا غلام، من أين أقبلتَ؟ ومَن أوصلك إلى هذه المدينة؟ فحدَّثه بحديثه من أوله إلى آخِره، فتعجَّبَ منه وقال له: يا ولدي، أَمَا رأيتَ أحدًا في طريقك؟ فقال له: يا والدي، إنما أتعجب من هذه المدينة حيث كانت خالية من الناس. فقال له الشيخ: يا ولدي، اطلع إلى الدكان لئلا تهلك. فطلع بدر باسم، وقعد في الدكان، فقام الشيخ وجاء له بشيء من الطعام، وقال له: يا ولدي، ادخل في داخل الدكان، فسبحان مَن سلَّمك من هذه الشيطانة. فخاف الملك بدر باسم خوفًا شديدًا، ثم أكل من طعام الشيخ حتى اكتفى، وغسل يده، ونظر إلى الشيخ وقال له: يا سيدي، ما سبب هذا الكلام؟ فقد خوَّفْتَني من هذه المدينة، ومن أهلها. فقال له الشيخ: يا ولدي، اعلم أن هذه المدينة مدينة السَّحَرَة، وبها ملكة ساحرة كأنها شيطانة، وهي كاهنة سحَّارة مكَّارة غدَّارة، والتي تنظرها من الخيل والبغال والحمير، هؤلاء كلهم مثلك ومثلي من بني آدم، لكنهم غرباء؛ لأن كلَّ مَن يدخل هذه المدينة وهو شاب مثلك، تأخذه هذه الكافرة الساحرة، وتقعد معه أربعين يومًا، وبعد الأربعين يومًا تسحره فيصير بغلًا أو فرسًا أو حمارًا من هذه الحيوانات التي نظرتها على جانب البحر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.