فلما كانت الليلة ٧٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز أوصت ابن الملك وقالت له: إن بنت الملك تنزل في البستان، وقبل نزولها بيومين أُعْلِمك، فإذا نزلتْ تكون أنت فيه مختفيًا في بعض الأماكن، فإذا رأيتَها فاخرج لها، فإنها إذا رأَتْكَ تحبك، فإن المحبة تستر كل شيء. واعلم يا ولدي أنها لو نظرتك لافتتنتْ بحبك؛ لأنك جميل الصورة، فقرَّ عينًا وطِبْ نفسًا يا ولدي، فلا بد أن أجمع بينك وبينها. فقبَّلَ يدها وشكرها، ودفع إليها ثلاث شقات من الحرير الإسكندراني، وثلاث شقات من الأطلس ألوانهن مختلفة، ومع كل شقة تفصيلة من أجل القمصان، وخرقة من أجل السراويل، ومنديل من أجل العصابة، وثوب بعلبكي من أجل البطانة، حتى كمل لها ثلاث بدلات، كل بدلة أحسن من أختها، ودفع لها صرة فيها ستمائة دينار وقال لها: هذه من أجل الخياطة. فأخذت الجميع وقالت له: يا ولدي، أتحب أن تعرف طريق بيتي، وأنا أيضًا أعرف مكانك؟ قال: نعم. فأرسل معها مملوكًا ليعرف مكانها ويعرِّفها بيته، فلما توجَّهت العجوز، قام ابن الملك وأمر غلمانه أن يغلقوا الدكان وتوجَّه إلى الوزير وأعلمه بما جرى مع العجوز من أوله إلى آخره.
فلما سمع الوزير كلام ابن الملك قال له: يا ولدي، فإذا خرجت حياة النفوس، ولم يحصل لك منها إقبال، فما تفعل؟ قال: ما يصير في يدي حيلة غير أني أخرج من القول إلى الفعل، وأخاطر بنفسي معها وأخطفها من بين خدمها وأردفها الحصان، وأطلب بها عرض البر الأقفر، فإن سلمت حصل المراد، وإن عطبت فإني أستريح من هذه الحياة الذميمة. قال له الوزير: يا ولدي، أبهذا العقل تعيش؟ كيف يكون سفرنا وبيننا وبين بلدنا مسافة بعيدة؟ وكيف تفعل هذه الفعال مع ملك من ملوك الزمان تحت يده مائة ألف عنان؟ وربما لا نأمن من أن يأمر بعض عساكره فتقطع علينا الطرق، وهذا ما هو مصلحة ولا يفعله عاقل. قال ابن الملك: فكيف يكون العمل أيها الوزير الحسن التدبير، فإني ميت لا محالة. قال له الوزير: اصبر إلى غد حتى نرى هذا البستان، ونعلم حاله وما يجري لنا مع الخولي الذي فيه.
فلما أصبح الصباح، نهض الوزير هو وابن الملك وأخذ في جيبه ألف دينار وتمشيا حتى وصلا إلى البستان، فرأياه عالي الحيطان، قوي الأركان، كثير الأشجار، غزير الأنهار، مليح الأثمار، قد فاحت أزهاره وترنمت أطياره كأنه روضة من رياض الجنان، ومن داخل الباب رجل شيخ كبير جالس على مصطبة. فلما رآهما وعاين هيبتهما، قام على قدميه بعد أن سلما عليه. فرد عليهما السلام وقال لهما: يا أسيادي، لعل لكما حاجة أتشرف بقضائها. قال له الوزير: اعلم يا شيخ، أننا قوم غرباء وقد حمي علينا الحر، ومنزلنا بعيد في آخِر المدينة، وقصدنا من إحسانك أن تأخذ منَّا هذين الدينارين وتشتري لنا شيئًا نأكله، وتفتح لنا باب هذا البستان وتقعدنا في مكانٍ مظل، فيه ماء بارد لنتبرَّد به حتى تحضر لنا بالأكل فنأكل نحن وأنت، ونكون قد استرحنا ونروح إلى حال سبيلنا، ثم إن الوزير حط يده في جيبه فأخرج دينارين وحطهما في يد الخولي، وكان هذا الخولي عمره سبعون سنة وما نظر في يده شيئًا من ذلك، فلما نظر الخولي الدينارين في يده، طار عقله وقام من وقته وفتح الباب وأدخلهما وأجلسهما تحت شجرة مثمرة كثيرة الظل وقال لهما: اجلسا في هذا المكان ولا تدخلا البستان أبدًا؛ لأن فيه باب السر الموصل إلى قصر الملكة حياة النفوس. قالا له: ما ننتقل عن مكاننا أبدًا.
ثم توجه الشيخ البستاني ليشتري لهما ما أمراه به، فغاب ساعة وأتى إليهما ومعه حمَّال على رأسه خروف مشوي وخبز، فأكلوا وشربوا جميعًا وتحدثوا ساعة، ثم تطلع الوزير والتفت يمينًا وشمالًا إلى جوانب البستان، فنظر في داخله قصرًا عالي البنيان إلا أنه عتيق، قد تقشرت حيطانه من البياض وتهدمت أركانه. فقال الوزير: يا شيخ، هل هذا البستان ملكك أم أنت مستأجره؟ قال: يا مولاي، هو ليس ملكي ولا أنا مستأجره، وإنما أنا حارس فيه. قال له الوزير: فكم أجرتك؟ قال: يا سيدي، في كل شهر دينار، قال الوزير: إنهم ظلموك وخصوصًا إن كنت صاحب عيال. قال الشيخ: والله يا سيدي، إن لي من العيال ثمانية أولاد وأنا. قال الوزير: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله لقد حملتني همك يا مسكين، لكن ما تقول فيمَن يفعل معك خيرًا لأجل هذه العيال التي معك؟ قال الشيخ: يا مولاي، مهما فعلته من الخير يكون لك ذخيرة عند الله تعالى. قال الوزير: اعلم يا شيخ أن هذا البستان مكان مليح وفيه هذا القصر، ولكنه عتيق خرب وأنا أريد أن أُصلِحه وأبيِّضه وأدهنه دهانًا مليحًا، حتى يصير هذا المكان أحسن ما يكون في هذا البستان، فإذا حضر صاحب البستان ووجده قد تعمر وصار مليحًا، فإنه لا بد أن يسألك عن عمارته، فإن سألك فقل له: أنا يا مولاي عمَّرته لما رأيته خرابًا لا ينتفع به أحد، ولا يقدر أن يقعد فيه؛ لأنه خرب داثر، فعمرته وصرفت عليه، فإذا قال لك: من أين لك المال الذي صرفته عليه؟ فقل له: من مالي لأجل بياض وجهي عندك ورجاء إنعامك. فلا بد أنه ينعم عليك في نظير ما صرفته في المكان، وفي غدٍ أحضر البنَّائين والمبيضين والدهانين لأجل أن يصلحوا شأن هذا المكان وأعطيك ما وعدتك به. ثم أخرج من جيبه كيسًا فيه خمسمائة دينار وقال له: خذ هذه الدنانير وأنفقها على عيالك ودعهم يدعون إليَّ وإلى ولدي هذا. فقال له ابن الملك: ما سبب ذلك؟ قال له الوزير: ستظهر لك نتيجته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.