فلما كانت الليلة ٧٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ البقَّال لما حكى للملك بدر باسم، وأخبره بحال الملكة السحارة، قال له: إن كل أهل هذه المدينة قد سحرتهم، وإنك لما أردت الطلوع إلى البحر خافوا عليك أن تسحرك مثلهم، فقالوا لك بالإشارة: لا تطلع لئلا تراك الساحرة. شفقة عليك، فربما تعمل فيك مثلما عملت فيهم، وقال له: إنها قد ملكت هذه المدينة من أهلها بالسحر، واسمها الملكة لاب، وتفسيره بالعربي تقويم الشمس. فلما سمع الملك بدر باسم ذلك الكلام من الشيخ خاف خوفًا شديدًا، وصار يرتعد مثل القصبة الريحية، وقال له: أنا ما صدقت أني خلصت من البلاء الذي كنتُ فيه من السحر، حتى ترميني المقادير في مكان أقبح منه؟ فصار متفكرًا في حاله وما جرى له. فلما نظر إليه الشيخ رآه قد اشتد خوفه، فقال له: يا ولدي، قم واجلس على عتبة الدكان، وانظر إلى تلك الخلائق وإلى لباسهم وألوانهم، وما هم فيه من السحر، ولا تَخَفْ فإن الملكة وكلَّ مَن في المدينة يحبني ويراعيني، ولا يرجفون لي قلبًا، ولا يتعبون لي خاطرًا. فلما سمع الملك بدر باسم كلام الشيخ خرج وقعد على باب الدكان يتفرج، فجازت عليه الناس، فنظر إلى عالم لا يُحصَى عدده، فلما نظره الناس تقدموا إلى الشيخ وقالوا له: يا شيخ، هل هذا أسيرك وصيدك في هذه الأيام؟ فقال لهم: هذا ابن أخي، وسمعت أن أباه قد مات، فأرسلت خلفه وأحضرته لأطفئ نار شوقي به. فقالوا له: إن هذا شاب مليح الشباب، ولكن نحن نخاف عليه من الملكة لاب لئلا ترجع عليك بالغدر، وتأخذه منك؛ لأنها تحب الشباب الملاح. فقال لهم الشيخ: إن الملكة لا تعصي أمري، وهي تراعيني وتحبني، وإذا علمت أنه ابن أخي لا تتعرَّض له ولا تسوءني فيه ولا تشوش خاطري به. فأقام الملك بدر باسم عند الشيخ مدة أشهر في أكل وشرب، وحبه الشيخ محبة عظيمة.
ثم إن بدر باسم كان جالسًا على دكان الشيخ ذات يوم على جري عادته، وإذا بألف خادم وبأيديهم السيوف مجردة وعليهم أنواع الملابس، وفي وسطهم المناطق المرصعة بالجواهر، وهم راكبون الخيول العربية متقلدون السيوف الهندية، وقد جاءوا على دكان الشيخ وسلموا عليه ثم مضوا، وجاء بعدهم ألف جارية كأنهن الأقمار، وعليهن أنواع الملابس من الحرير الأطلس مطرزة بطرازات الذهب مرصعة بأنواع الجواهر، وكلهن متقلدات الرماح، وفي وسطهن جارية راكبة على فرس عربية عليها سرج من الذهب مرصع بأنواع الجواهر واليواقيت، ولم يزلن سائرات حتى وصلن إلى دكان الشيخ وسلمن عليه، ثم توجهن، وإذا بالملكة لاب قد أقبلت في موكب عظيم، وما زالت مقبلة إلى أن وصلت إلى دكان الشيخ، فرأت الملك بدر باسم وهو جالس على الدكان كأنه بدر في تمامه، فلما رأته الملكة لاب حارت في حُسْنه وجماله، واندهشت وصارت ولهانة به، ثم أقبلت على الدكان ونزلت وجلست عند الملك بدر باسم وقالت للشيخ: من أين لك هذا المليح؟ فقال: هذا ابن أخي جاءني عن قريب. فقالت: دعه يكون الليلة عندي لأتحدث أنا وإياه. قال لها: أتأخذينه مني ولا تسحرينه؟ قالت: نعم. قال: احلفي لي. فحلفت أنها لا تؤذيه ولا تسحره، ثم أمرت أن يقدموا له فرسًا مليحًا مسرجًا ملجمًا بلجامٍ من ذهب، وكل ما عليه ذهب مرصع بالجواهر، ووهبت للشيخ ألف دينار وقالت له: استعِنْ به. ثم إن الملكة لاب أخذت الملك بدر باسم، وراحت به وهو كأنه البدر في ليلة أربعة عشر، وسار معها، وصار الناس كلما نظروا إليه وإلى حُسْنه وجماله يتوجعون عليه، ويقولون: والله إن هذا الشاب لا يستحق أن تسحره هذه الملعونة. والملك بدر باسم يسمع كلام الناس، ولكنه ساكت وقد سلَّمَ أمره إلى الله تعالى، ولم يزالوا سائرين إلى القصر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.