فلما كانت الليلة ٧٥٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة لما قامت من النوم دخلت الحمام الذي في القصر، والملك بدر باسم صحبتها، واغتسلا، فلما خرجا من الحمام أفرغت عليه أجمل القماش، وأمرت بإحضار آلات الشراب، فأحضرتها الجواري فشربا. ثم إن الملكة قامت وأخذت بيد الملك بدر باسم وجلسا على الكرسي، وأمرت بإحضار الطعام فأكلا وغسلا أيديهم، ثم قدمت الجواري لهما أواني الشراب والفواكه والأزهار والنقل، ولم يزالا يأكلان ويشربان والجواري تغني باختلاف الألحان إلى المساء، ولم يزالا في أكل وشرب وطرب مدة أربعين يومًا. ثم قالت له: يا بدر باسم، هل هذا المكان أطيب أم دكان عمك البقال؟ قال لها: والله يا ملكة إن هذا طيب، وذلك أن عمي رجل صعلوك يبيع الباقلا. فضحكت من كلامه، ثم إنهما رقدا في أطيب حال إلى الصباح. فانتبه الملك بدر باسم من نومه، فلم يجد الملكة لاب بجانبه، فقال: يا ترى، أين راحت؟ وصار مستوحشًا من غيبتها ومتحيرًا في أمره، وقد غابت عنه مدة طويلة ولم ترجع، فقال في نفسه: أين ذهبت؟ ثم إنه لبس ثيابه وصار يفتش عليها فلم يجدها، فقال في نفسه: لعلها ذهبت إلى البستان. فمضى إلى البستان فرأى فيه نهرًا جاريًا، وبجانبه طيرة بيضاء، وعلى شاطئ ذلك النهر شجرة، وفوقها طيور مختلفة الألوان، فصار ينظر إلى الطيور والطيور لا تراه، وإذا بطائر أسود نزل على تلك الطيرة البيضاء فصار يزقها زق الحمام، ثم إن الطير الأسود وثب على تلك الطيرة ثلاث مرات، ثم بعد ساعة انقلبت تلك الطيرة في صورة بشر فتأملها وإذا هي الملكة لاب، فعلم أن الطير الأسود إنسان مسحور وهي تعشقه، وتسحر نفسها طيرة ليجامعها، فأخذته الغيرة واغتاظ على الملكة لاب من أجل الطير الأسود.
ثم إنه رجع إلى مكانه ونام على فراشه، وبعد ساعة رجعت إليه، وصارت الملكة لاب تقبِّله وتمزح معه، وهو شديد الغيظ عليها، فلم يكلِّمها كلمة واحدة، فعلمت ما به وتحقَّقت أنه رآها حين صارت طيرة، وكيف واقَعَها ذلك الطير، فلم تُظهِر له شيئًا، بل كتمت ما بها. فلما قضى حاجتها قال لها: يا ملكة، أريد أن تأذني لي في الرواح إلى دكان عمي، فإني قد تشوَّقت إليه ولي أربعون يومًا ما رأيته. فقالت له: رُحْ إليه ولا تبطئ عليَّ؛ فإني ما أقدر أن أفارقك، ولا أصبر عنك ساعة واحدة. فقال لها: سمعًا وطاعة. ثم إنه ركب ومضى إلى دكان الشيخ البقال، فرحَّبَ به وقام إليه وعانَقَه، وقال له: كيف أنت مع هذه الكافرة؟ فقال له: كنتُ طيبًا في خير وعافية، إلا أنها كانت في هذه الليلة نائمة في جانبي، فاستيقظت فلم أرها، فلبست ثيابي ودرت أفتش عليها إلى أن أتيت إلى البستان … وأخبره بما رآه من النهر والطيور التي كانت فوق الشجرة، فلما سمع الشيخ كلامه قال له: احذر منها واعلم أن الطيور التي كانت على الشجرة كلهم شباب غرباء عشقتهم وسحرتهم طيورًا، وذلك الطير الأسود الذي رأيته كان من جملة مماليكها، وكانت تحبه محبة عظيمة، فمدَّ عينه إلى بعض الجواري فسحرته في صورة طير أسود. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.