فلما كانت الليلة ٧٦٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام، لما أخبَرَ الوزير فارسًا بما حصل للملك من الحزن والبكاء، وما حصل بينه وبين وزيره فارس من أوله إلى آخِره، قال بعد ذلك للوزير فارس: هل هذا الذي قلتُه لكَ يا وزير صحيح؟ فقال الوزير فارس: يا نبي الله، إن الذي قلتَه حقٌّ وصدق، ولكنْ يا نبي الله، لمَّا كنتُ أتحدَّث أنا والملك في هذه القضية، لم يكن عندنا أحدٌ قطُّ ولم يشعر بخبرنا أحدٌ من الناس، فمَن أخبَرَك بهذه الأمور كلها؟ قال له: أخبرني ربي الذي يعلم خائنةَ الأعين وما تُخفِي الصدور. فحينئذٍ قال الوزير فارس: يا نبي الله، ما هذا إلا ربٌّ كريم عظيم على كل شيء قدير. ثم أسلَمَ الوزير فارس هو ومَن معه، ثم قال نبي الله سليمان للوزير: إنَّ معك كذا وكذا من التُّحَف والهدايا. قال الوزير: نعم. فقال له سليمان: قد قبلتُ منك الجميع، ولكني وهبتُها لكَ فاسترِحْ أنت ومَن معك في المكان الذي نزلتم فيه حتى يزول عنكم تعبُ السفر، وفي غدٍ إنْ شاء الله تعالى نقضي حاجتَك على أتم ما يكون بمشيئة الله تعالى، رب الأرض والسماء وخالق الخلق أجمعين.
ثم إن الوزير فارسًا ذهب إلى موضعه، وتوجَّهَ إلى السيد سليمان ثاني يوم، فقال له نبي الله سليمان: إذا وصلتَ إلى الملك عاصم بن صفوان، واجتمعتَ أنت وهو فاطلعَا فوق الشجرة الفلانية واقعدا ساكتَيْن، فإذا كان بين الصلاتين، وقد برد حرُّ القائلة، فَانْزِلا إلى أسفل الشجرة وانظرا هناك تجدا ثعبانين يخرجان، رأس أحدهما كرأس القرد، ورأس الآخَر كرأس العفريت، فإذا رأيتماهما فارمياهما بالنشاب واقتلاهما، ثم ارميا من جهةِ رأسَيْهما قدرَ شبرٍ واحد، ومن جهةِ ذيلَيْهما كذلك، فتبقى لحومهما، فاطبخاهما، وأتْقِنَا طبخهما وأطعماهما زوجتَيْكما، وناما معهما تلك الليلة، فإنهما يحملان بإذن الله تعالى بأولادٍ ذكور. ثم إن سليمان عليه السلام أحضَرَ خاتمًا وسيفًا وبقجة فيها قباءان مكلَّلان بالجواهر، وقال: يا وزير فارس، إذا كبر ولداكما وبلغا مبلغَ الرجال فأعطيا كلَّ واحد منهما قباءً من هذين القباءين. ثم قال للوزير: باسم الله، قضى الله تعالى حاجتك، وما بقي لك إلا أن تسافر على بركة الله تعالى، فإن الملك ليلًا ونهارًا ينتظر قدومك وعينه دائمًا تلاحظ الطريق.
ثم إن الوزير فارسًا تقدَّمَ لنبي الله سليمان بن داود عليهما السلام وودَّعَه، وخرج من عنده بعد أن قبَّلَ يدَيْه، وسافَرَ بقيةَ يومه وهو فرحان بقضاء حاجته، وجدَّ في السفر ليلًا ونهارًا، ولم يزل مسافرًا حتى وصل إلى قرب مصر، فأرسَلَ بعض خدَّامه ليُعلِم الملكَ عاصمًا بذلك، فلما سمع الملك عاصم بقدومه وقضاء حاجته، فرِحَ فرحًا شديدًا هو وخواصه وأرباب مملكته وجميع جنوده، وخصوصًا بسلامة الوزير فارس. فلما تلاقى الملك هو والوزير، ترجَّلَ الوزير وقبَّلَ الأرضَ بين يدَيْه وبشَّرَ الملك بقضاء حاجته على أتمِّ الوجوه، وعرض عليه الإيمانَ والإسلام، فأسلَمَ الملك عاصم وقال للوزير فارس: رُحْ بيتك واستَرِحْ هذه الليلة، واستَرِحْ أيضًا جمعةً من الزمان، وادخُلِ الحمَّامَ وبعد ذلك تعالَ عندي حتى أُخبِرَك بشيء نتدبَّر فيه. فقبَّلَ الوزير الأرضَ وانصرف هو وحاشيته وغلمانه وخَدَمه إلى داره واستراح ثمانيةَ أيام، ثم بعد ذلك توجَّهَ إلى الملك وحدَّثَه بجميع ما كان بينه وبين سليمان بن داود عليهما السلام، ثم إنه قال للملك: قُمْ وحدك وتعالَ معي. فقام هو والوزير وأخذا قوسَيْن ونشابين، وطلعا فوق الشجرة وقعدا ساكتين إلى أن مضى وقت القائلة، ولم يزالا إلى قرب العصر، ثم نزلا ونظرا فرأَيَا ثعبانَيْن خرجَا من أسفل تلك الشجرة، فنظرهما الملك وأحَبَّهما؛ لأنهما أعجباه حين رآهما بالأطواق الذهب، وقال: يا وزير، إن هذين الثعبانين مطوَّقان بالذهب، والله إن هذا شيء عجيب، خلِّنا نمسكهما ونجعلهما في قفص ونتفرَّج عليهما. فقال الوزير: هذان خلقهما الله لمنفعتهما، فارْمِ أنت واحدًا بنشابة، وأرمي أنا واحدًا بنشابة. فرمى الاثنان عليهما بالنشاب، فقتلاهما وقطعا من جهةِ رأسَيْهما شبرًا، ومن جهةِ ذنبَيْهما شبرًا ورمياها، ثم ذهبا بالباقي إلى بيت الملك، وطلبا الطباخ، وأعطياه ذلك اللحم وقالا له: اطبخْ هذا اللحم طبخًا مليحًا بالتقلية والأبازير، وأغرِقْه في زبديتين وهاتهما وتعالَ هنا في الوقت الفلاني والساعة الفلانية ولا تُبطِئ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.