فلما كانت الليلة ٧٦٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك عاصمًا لما أجلَسَ ولدَه سيف الملوك على التخت، ودعا له كامل الناس بالنصر والإقبال، نثَرَ الذهبَ والفضة على رءوس الناس أجمعين، وخلَعَ الخُلَع ووهب وأعطى، ثم بعد لحظة قام الوزير فارس وقبَّلَ الأرض وقال: يا أمراء، يا أرباب الدولة، هل تعرفون أني وزيرٌ ووزارتي قديمة قبل أن يتولَّى الملك عاصم بن صفوان، وهو الآن قد خلع نفسه من المُلْك وولَّى ولده عوضًا عنه؟ قالوا: نعم، نعرف وزارتك أبًّا عن جد. فقال: والآن أخلع نفسي وأولِّي ولدي ساعدًا هذا، فإنه عاقل فَطِن خبير، فأي شيء تقولون بأجمعكم؟ فقالوا: لا يصلح وزيرًا للملك سيف الملوك إلا ولدك ساعد، فإنهما يصلحان لبعضهما. فعند ذلك قام الوزير فارس وقلع عمامة الوزارة ووضعها فوق رأس ولده ساعد، وحطَّ دَوَاة الوزراء قدَّامه أيضًا، وقالت الحجاب والأمراء: إنه يستحق الوزارة. فعند ذلك قام الملك عاصم والوزير فارس وفتحا الخزائن، وخلعا الخُلَع السنية على الملوك والأمراء والوزراء وأكابر الدولة والناس أجمعين، وأعطيا النفقة والأنعام، وكتبا لهم المناشير الجديدة والمراسيم بعلامة سيف الملوك وعلامة الوزير ساعد ابن الوزير فارس، وأقام الناس في المدينة جمعةً، وبعدها كلٌّ منهم سافَرَ إلى بلاده ومكانه.
ثم إن الملك عاصمًا أخذ ولده سيف الملوك وساعدًا ولد الوزير، ثم دخلوا المدينة وطلعوا القصر، وأحضروا الخازندار وأمروه بإحضار الخاتم والسيف والبقجة، وقال الملك عاصم: يا ولديَّ، تعالَيَا كل واحد منكما يختار من هذه الهدية شيئًا ويأخذه. فأول مَن مدَّ يده سيف الملوك فأخذ البقجة والخاتم، ومدَّ ساعدٌ يدَه فأخذ السيف والمُهْر، وقبَّلَا يدي الملك، وذهبا إلى منزلَيْهما. فلما أخذ سيف الملوك البقجةَ لم يفتحها ولم ينظر ما فيها، بل رماها فوق التخت الذي ينام عليه بالليل هو وساعد وزيره، وكان من عادتهما أن يناما مع بعضهما. ثم إنهما فرشا لهما فراشَ النوم، ورقد الاثنان مع بعضهما على فراشهما والشموع تضيء عليهما، واستمرا إلى نصف الليل، ثم انتبه سيف الملوك من نومه، فرأى البقجة عند رأسه، فقال في نفسه: يا تُرَى أي شيء في هذه البقجة التي أهداها لنا الملك من التحف؟ فأخذها وأخذ الشمعة ونزل من فوق التخت وترك ساعدًا نائمًا، ودخل الخزانة وفتح البقجة فرأى فيها قباء من شغل الجان، ففتح القباء وفرده فوجد على البطانة التي من داخل في جهة ظهر القباء صورة بنت منقوشة بالذهب، ولكنَّ جمالها شيء عجيب، فلما رأى هذه الصورة طار عقله من رأسه، وصار مجنونًا بعشق تلك الصورة، ووقع في الأرض مَغشيًّا عليه، وصار يبكي وينتحب ويلطم على وجهه وصدره ويقبِّلها، ثم أنشد هذين البيتين:
ولم يزل سيف الملوك ينتحب ويبكي ويلطم على وجهه وصدره حتى انتبه الوزير ساعد، وتأمَّل الفرش فلم يَرَ سيف الملوك، فرأى شمعة، فقال في نفسه: أين راح سيف الملوك؟ ثم أخذ الشمعة وقام يدور في القصر جميعه حتى وصل إلى الخزانة التي فيها سيف الملوك، فرآه وهو يبكي بكاءً شديدًا وينتحب، فقال له: يا أخي، لأي سببٍ هذا البكاء؟ أي شيء جرى لك؟ فحدِّثْني وأخبِرْني بسبب ذلك. وسيف الملوك لم يكلِّمه ولم يرفع رأسه، بل يبكي وينتحب ويدق يده على صدره. فلما رآه ساعد على هذه الحالة قال: أنا وزيرك وأخوك وتربيت أنا وإياك، وإنْ لم تبيِّن لي أمورك وتُطلِعني على سرك، فعلى مَن تخرج سرك وتُطلِعه عليه؟ ولم يزل ساعدٌ يتضرَّع ويقبِّل الأرض ساعةً زمانية، وسيف الملوك لم يلتفت إليه، ولم يكلِّمه كلمة واحدة، بل يبكي. فلما راع ساعدًا حالُه وأعياه أمره، خرج من عنده وأخذ سيفًا ودخل الخزانة التي فيها سيف الملوك، وحطَّ ذبابه على صدر نفسه وقال لسيف الملوك: انتبه يا أخي، إنْ لم تقل لي أي شيء جرى، قتلتُ روحي ولا أراك في هذه الحال. فعند ذلك رفع سيف الملوك رأسه إلى وزيره ساعد، وقال له: يا أخي، أنا استحييت أن أقول لك وأخبرك بالذي جرى لي. فقال له ساعد: سألتك بالله رب الأرباب، ومُعتق الرقاب، ومُسبِّب الأسباب، الواحد التواب، الكريم الوهَّاب، أن تقول لي ما الذي جرى لك ولا تستحي مني؛ فأنا عبدك ووزيرك، ومشيرك في الأمور كلها. فقال سيف الملوك: تعالَ انظرْ إلى هذه الصورة. فلما رأى ساعد تلك الصورة تأمَّلَ فيها ساعة زمانية، ورأى مكتوبًا على رأس الصورة باللؤلؤ المنظوم: هذه الصورةُ صورةُ بديعةِ الجمال بنت شماخ بن شاروخ ملك من ملوك الجان المؤمنين، الذين هم نازلون في مدينة بابل، وساكنون في بستان إرم بن عاد الأكبر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.