فلما كانت الليلة ٧٦٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك قال لوالده الملك عاصم: جهِّزْ لي مركبًا لأسافر فيها إلى بلاد الصين حتى أفتِّش على مقصودي، فإنْ عشتُ رجعتُ إليك سالمًا. فنظر الملك إلى ابنه فلم يَرَ له حيلة غير أنه يعمل له الذي يرضيه، فأعطاه إذنًا بالسفر، وجهَّزَ له أربعين مركبًا وعشرين ألفَ مملوك غير الأتباع، وأعطاه أموالًا وخزائن وكل شيء يحتاج إليه من آلات الحرب، وقال له: سافِرْ يا ولدي في خير وعافية وسلامة، وقد استودعتُك عند مَن لا تخيب عنده الودائع. فعند ذلك ودَّعَه أبوه وأمه، وشُحِنت المراكب بالماء والزاد والسلاح والعساكر، ثم سافروا. ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى مدينة الصين، فلما سمع أهل الصين أنه وصل إليهم أربعون مركبًا مشحونة بالرجال والعُدَد والسلاح والذخائر، اعتقدوا أنهم أعداء جاءوا إلى قتالهم وحصارهم، فقفلوا أبواب المدينة وجهَّزوا المنجنيقات، فلما سمع الملك سيف الملوك ذلك أرسَلَ إليهم مملوكين من مماليكه الخواص، وقال لهم: امضوا إلى ملك الصين، وقولوا له: إن هذا سيف الملوك ابن الملك عاصم، جاء إلى مدينتك ضيفًا ليتفرج في بلادك مدة من الزمان، ولا يقاتل ولا يخاصم، فإنْ قبلتَه نزل عندك، وإنْ لم تقبله رجع ولا يشوِّش عليك ولا على أهل مدينتك.
فلما وصل المماليك إلى المدينة قالوا لأهلها: نحن رُسُل الملك سيف الملوك. ففتحوا لهم الباب، وذهبوا بهم وأحضروهم عند ملكهم، وكان اسمه قعفوشاه، وكان بينه وبين الملك عاصم قبل تاريخه معرفة، فلما سمع أن الملك القادم عليه هو سيف الملوك ابن الملك عاصم، خلع على الرُّسُل وأمَرَ بفتح الأبواب وجهَّزَ الضيافات، وخرج بنفسه مع خواص دولته وجاء إلى سيف الملوك وتعانَقَا، وقال له: أهلًا وسهلًا ومرحبًا بمَن قدم علينا، وأنا مملوكك ومملوك أبيك ومدينتي بين يديك، وكل ما تطلبه يحضر إليك. وقدَّمَ له الضيافات والزاد في مواضع الإقامات، وركب الملك سيف الملوك وساعد وزيره ومعهما خواص دولتهما وبقية العساكر، وساروا في ساحل البحر إلى أن دخلوا المدينة، وضُرِبت الكاسات ودُقَّت البشائر، وأقاموا فيها مدة أربعين يومًا في ضيافات حسنة.
ثم بعد ذلك قال له: يا ابن أخي، كيف حالك؟ هل أعجبتك بلادي؟ فقال له سيف الملوك: أدام الله تعالى تشريفها بك أيها الملك. فقال الملك قعفوشاه: ما جاء بك إلا حاجة طرأَتْ لك، وأي شيء تريده من بلادي فأنا أقضيه لك. فقال له سيف الملوك: إن حديثي عجيب، وهو أني عشقتُ صورةَ بديعةِ الجمال. فبكى ملك الصين رحمةً له وشفقةً عليه، وقال له: وما تريد الآن يا سيف الملوك؟ فقال له: أريد منك أن تحضر لي جميع السوَّاحين والمسافرين، ومَن له عادة بالأسفار حتى أسألهم عن صاحبة هذه الصورة، لعل أحدًا منهم يخبرني بها. فأرسل الملك قعفوشاه النواب والحجاب والأعوان، وأمرهم أن يُحضِروا جميعَ مَن في البلاد من السواحين والمسافرين، فأحضروهم وكانوا جماعة كثيرة، فاجتمعوا عند الملك قعفوشاه، ثم سأل الملك سيف الملوك عن مدينة بابل، وعن بستان إرم، فلم يردَّ عليه أحدٌ منهم جوابًا. فتحيَّرَ الملك سيف الملوك في أمره، ثم بعد ذلك قال واحد من الرؤساء البحرية: أيها الملك، إنْ أردتَ أن تعلم هذه المدينة وذلك البستان، فعليك بالجزائر التي في بلاد الهند. فعند ذلك أمر سيف الملوك أن يحضروا المركب، ففعلوا ونقلوا فيها الماءَ والزادَ وجميعَ ما يحتاجون إليه، وركب سيف الملوك وساعد وزيره بعد أن ودَّعوا الملك قعفوشاه، وسافروا في البحر مدة أربعة أشهر في ريح طيبة سالمين مطمئنين، فاتفق أن خرج عليهم ريح في يوم من الأيام، وجاءهم الموج من كل مكان، ونزلت عليهم الأمطار وتغيَّرَ البحر من شدة الريح، ثم ضربت المراكب بعضها بعضًا من شدة الريح، فانكسرت جميعها وكذلك الزوارق الصغيرة، وغرقوا جميعهم وبقي سيف الملوك مع جماعة من مماليكه في زروق صغير.
ثم سكت الريح وسكن بقدرة الله تعالى، وطلعت الشمس ففتح سيف الملوك عينه، فلم يَرَ شيئًا من المراكب، ولم يَرَ غير السماء والماء، وهو ومَن معه في الزورق الصغير، فقال لمَن معه من مماليكه: أين المراكب والزوارق الصغيرة؟ وأين أخي ساعد؟ فقالوا له: يا ملك الزمان، لم يَبْقَ مراكب ولا زوارق، ولا مَن فيها، فإنهم غرقوا كلهم وصاروا طعمًا للسمك. فصرخ سيف الملوك، وقال كلمة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصار يلطم على وجهه، وأراد أن يرمي نفسه في البحر، فمنعه المماليك وقالوا له: يا ملك، أي شيء يفيدك من هذا؟ فأنت الذي فعلتَ بنفسك هذه الفعال، ولو سمعت كلام أبيك ما كان جرى عليك من هذا شيء، ولكن كل هذا مكتوب من القِدَم بإرادةِ بارئ النسم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.