فلما كانت الليلة ٧٦٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك ومماليكه لما قطعوا الأخشاب من الجزيرة وفتلوا الحبال، ربطوا الفلك الذي عملوه، فلما فرغوا من عمله رموه في البحر، ووسقوه من الفواكه التي في الجزيرة من تلك الأشجار، وتجهَّزوا في آخِر يومهم، ولم يُعلِموا أحدًا بما فعلوا، ثم ركبوا في ذلك الفلك، وساروا في البحر مدة أربعة أشهر، ولم يعلموا أين يذهب بهم، وفرغ منهم الزاد، وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش، وإذا بالبحر قد أرغى وأزبد، وطلع له أمواج عالية، فأقبل عليهم تمساح هائل، ومد يده وخطف مملوكًا من المماليك وبلعه، فلما رأى سيف الملوك ذلك التمساح فعل بالمملوك ذلك الفعل، بكى بكاءً شديدًا، وصار في الفلك هو والمملوك الباقي وحدهما، وبعدَا عن مكان التمساح وهما خائفان، ولم يزالا كذلك حتى ظهر لهما يومًا من الأيام جبلٌ عظيم هائل عالٍ شاهق في الهواء، ففرحا به، وظهر لهما بعد ذلك جزيرة، فجدَّا في السير إليها وهما مستبشران بدخولهما الجزيرة. فبينما هما على تلك الحال، وإذا بالبحر قد هاج وعلت أمواجه وتغيَّرت حالاته، فرفع تمساح رأسه ومد يده، فأخذ المملوك الذي بقي من مماليك سيف الملوك وبلعه، فصار سيف الملوك وحده حتى وصل إلى الجزيرة، وصار يعالج إلى أن صعد فوق الجبل، ونظر فرأى غابة، فدخل الغابة ومشى بين الأشجار، وصار يأكل من الفواكه، فرأى الأشجار قد طلع فوقها ما يزيد عن عشرين قردًا كبارًا، كل واحد منهم أكبر من البغل، فلما رأى سيف الملوك هذه القرود حصل له خوف شديد، ثم نزلت القرود واحتاطوا به من كل جانب، وبعد ذلك ساروا أمامه، وأشاروا إليه أن يتبعهم، ومشوا فمشى سيف الملوك خلفهم، وما زالوا سائرين وهو تابعهم حتى أقبلوا على قلعة عالية البنيان مشيدة الأركان، فدخلوا تلك القلعة ودخل سيف الملوك وراءهم، فرأى فيها من سائر التحف والجواهر والمعادن ما يكلُّ عنه وصفه اللسان، ورأى في تلك القلعة شابًّا لا نباتَ بعارضَيْه، لكنه طويل زائد الطول. فلما رأى سيف الملوك ذلك الشاب استأنس به، ولم يكن في تلك القلعة غير ذلك الشاب من البشر.
ثم إن الشاب لما رأى سيف الملوك أعجبه غاية الإعجاب، فقال له: ما اسمك؟ ومن أي البلاد أنت؟ وكيف وصلتَ إلى هنا؟ فأخبرني بحديثك، ولا تكتم منه شيئًا. فقال له سيف الملوك: أنا والله ما وصلت إلى هنا بخاطري، ولا كان هذا المكان مقصودي، وأنا لا أقدر أن أسير من مكان إلى مكان حتى أنال مطلوبي. فقال له الشاب: وما مطلوبك؟ فقال له سيف الملوك: أنا من بلاد مصر واسمي سيف الملوك، وأبي اسمه الملك عاصم بن صفوان … ثم إنه حكى له ما جرى له من أول الأمر إلى آخِره؛ فقام ذلك الشاب في خدمة سيف الملوك وقال: يا ملك الزمان، أنا كنت في مصر وسمعت بأنك سافرت إلى بلاد الصين، وأين هذه البلاد من بلاد الصين؟ إن هذا لَشيء عجيب وأمر غريب. فقال له سيف الملوك: كلامك صحيح، ولكن سافرت بعد ذلك من بلاد الصين إلى بلاد الهند، فخرج علينا ريح وهاج البحر وكسرت جميع المراكب التي كانت معي. وذكر له جميع ما جرى له إلى أن قال: وقد وصلت إليك في هذا المكان. فقال له الشاب: يا ابن الملك، يكفي ما جرى لك من هذه الغربة وشدائدها، والحمد لله الذي أوصلك إلى هذا المكان، فاقعد عندي لآنس بك إلى أن أموت وتكون أنت ملكًا على هذا الإقليم، فإن فيه هذه الجزيرة التي لا يُعرَف لها حد، وإن هذه القرود أصحاب صنائع وكل شيء طلبته تجده ها هنا. فقال سيف الملوك: يا أخي، ما أقدر أن أقعد في مكان حتى تُقضَى حاجتي، ولو أطوف جميع الدنيا وأسأل عن غرضي، لعل الله يبلغني مرادي أو يكون سعيي إلى مكان فيه أجلي فأموت.
ثم إن الشاب التفَتَ إلى قرد وأشار إليه، فغاب القرد ساعة ثم أتى ومعه قرود مشدودة الوسط بالفوط الحرير، وقدموا السماط ووضعوا فيه نحو مائة صحفة من الذهب والفضة، وفيها من سائر الأطعمة، وصارت القرود واقفة على عادة الأتباع بين يدي الملوك. ثم أشار للحجاب بالقعود، فقعدوا ووقف الذي عادته الخدمة، ثم أكلوا حتى اكتفوا، ثم رفعوا السماط وأتوا بطشوت وأباريق من الذهب فغسلوا أيديهم، ثم جاءوا بأواني الشراب نحو أربعين آنية، كل آنية فيها نوع من الشراب، فشربوا وتلذذوا وأطربوا وطاب لهم وقتهم، وجميع القرود يرقصون ويلعبون وقت اشتغال الآكلين بالأكل. فلما رأى سيف الملوك ذلك تعجَّبَ منهم، ونسي ما جرى له من الشدائد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.