فلما كانت الليلة ٧٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنت قالت لسيف الملوك: ثم إن ابن ملك الجان بعد أن أخبرني عانقني وقبَّلني وقال لي: اقعدي هنا ولا تخافي من شيء. ثم تركني وغاب ساعة وبعد ذلك أتى ومعه هذا السماط والفرش والبسط، ولكن يجيئني في كل يوم ثلاثاء على هذه الحالة، وعند مجيئه يأكل ويشرب معي ويعانقني ويقبِّلني، وأنا بنت بكر على الحالة التي خلقني الله تعالى عليها ولم يفعل بي شيئًا. وأبي اسمه تاج الملوك ولم يعلم لي بخبر، ولم يقع لي على أثر، وهذا حديثي فحدِّثني أنت بحديثك. فقال لها سيف الملوك: إن حديثي طويل وأخاف إن حدَّثْتُك يطول الوقت علينا فيجيء العفريت. فقالت له: إنه لم يسافر من عندي إلا قبل دخولك بساعة، ولن يأتي إلا في يوم الثلاثاء، فاقعدْ واطمئنَّ وطيِّب خاطرك، وحدِّثني بما جرى لك من الأول إلى الآخر. فقال سيف الملوك: سمعًا وطاعة.
ثم ابتدأ بحديثه حتى أكمله من الأول إلى الآخر، فلما وصل إلى حكاية بديعة الجمال تغرغرت عيناها بالدموع الغزار وقالت: ما هو ظني فيك يا بديعة الجمال، آه من الزمان يا بديعة الجمال، أما تذكرينني ولا تقولين أختي دولة خاتون أين راحت! ثم إنها زادت في البكاء وصارت تتأسف حيث لم تذكرها بديعة الجمال، فقال لها سيف الملوك: يا دولة خاتون، إنك إنسية وهي جنية، فمن أين تكون هذه أختك؟ فقالت له: إنها أختي من الرضاع، وسبب ذلك أن أمي نزلت تتفرج في البستان فجاءها الطلق فولدتني في البستان، وكانت أم بديعة الجمال في البستان هي وأعوانها، فجاءها الطلق فنزلت في طرف البستان وولدت بديعة الجمال، وأرسلت بعض جواريها إلى أمي تطلب منها طعامًا وحوائج للولادة، فبعثت إليها أمي ما طلبته وعزمت عليها، فقامت وأخذت بديعة الجمال معها، وأتت إلى أمي فأرضعت أمي بديعة الجمال، ثم أقامت أمها وهي معها عندنا في البستان مدة شهرين، وبعد ذلك سافرت إلى بلادها وأعطت أمي حاجة وقالت لها: إذا احتجتِ إليَّ أجيئك في وسط البستان. وكانت تأتي بديعة الجمال مع أمها في كل عام ويقيمان عندنا مدة من الزمان، ثم يرجعان إلى بلادهما، فلو كنت أنا عند أمي يا سيف الملوك ونظرتك عندنا في بلادنا، ونحن مجتمع شملنا مثل العادة، كنت أتحيل عليها بحيلة حتى أوصلك إلى مرادك، ولكن أنا في هذا المكان ولا يعرفون خبري، فلو عرفوا خبري وعلموا أني هنا كانوا قادرين على خلاصي من هذا المكان، ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، وأي شيء أعمل؟
فقال سيف الملوك: قومي وتعالي معي نهرب ونسير إلى حيث يريد الله تعالى. فقالت له: لا نقدر على ذلك، والله لو هربنا مسيرة سنة لجاء بنا هذا الملعون في ساعة ويهلكنا. فقال سيف الملوك: أنا أختفي في موضع وإذا جاز عليَّ أضربه بالسيف فأقتله. فقالت له: ما تقدر أن تقتله إلا إنْ قتلتَ روحه. فقال لها سيف الملوك: وروحه في أي مكان؟ فقالت: أنا سألته عنها مرات عديدة فلم يقر لي بمكانها، فاتفق أني ألححتُ عليه يومًا من الأيام فاغتاظ مني، وقال لي: كم تسألينني عن روحي! ما سبب سؤالك عن روحي؟ فقلت له: يا حاتم، أنا ما بقي لي أحد غيرك إلا الله، وأنا ما دمت بالحياة لم أزل معانقة لروحك، وإنْ كنتُ أنا ما أحفظ روحك وأحطها في وسط عيني، فكيف تكون حياتي بعدك؟ وإذا عرفتُ روحك حفظتُها مثل عيني اليمين. فعند ذلك قال لي: إني حين وُلِدت أخبر المنجمون أن هلاك روحي يكون على يد واحد من أولاد الملوك الإنسية، فأخذت روحي ووضعتها في حوصلة عصفور، وحبست العصفور في حقٍّ، ووضعت الحق في علبة، ووضعت العلبة في داخل سبع علب، ووضعت العلب في قلب سبع صناديق، ووضعت الصناديق في طابق من رخام في جانب هذا البحر المحيط؛ لأن هذا الجانب بعيد عن بلاد الإنس، وما يقدر أحد من الإنس أن يصل إليه، وها أنا قلت لك، ولا تقولي لأحد على هذا فإنه سر بيني وبينك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.