فلما كانت الليلة ٧٢٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بنت الملك لما أرسل إليها أبوها الفاكهة سألت وقالت: هل جاء أوان هذه الفاكهة؟ فقالوا لها: نعم. قالت: يا ليتنا نتجهَّز للفرجة في البستان. فقال لها جواريها: نِعْمَ الرأي يا سيدتي، والله لقد اشتقنا إلى ذلك البستان. قالت: كيف العمل؟ وفي كل سنة ما يفرجنا في البستان ويبين لنا اختلاف هذه الأغصان إلا الداية، وأنا قد ضربتها ومنعتها عني، وقد ندمت على ما كان مني في حقها؛ لأنها على كل حال دايتي ولها عليَّ حق التربية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلما سمعت الجواري ذلك الكلام من بنت الملك، نهضن جميعًا وقبَّلن الأرض بين يديها وقلن لها: بالله عليك يا سيدتي أن تصفحي عنها وتأمري بإحضارها. قالت: والله إني عزمت على ذلك الأمر، فمَن فيكم يروح لها؟ فإني قد جهزت لها خلعة سنية. فتقدم إليها جاريتان، إحداهما تسمى بلبل والأخرى تسمى سواد العين، وهما أكبر جواري بنت الملك وخواصها عندها، وهما ذاتا حسن وجمال، فقالتا: نحن نروح إليها أيتها الملكة. قالت: افعلا ما بدا لكما. فذهبتا إلى بيت الداية وطرقا عليها الباب ودخلا عليها، فلما عرفتهما تلقتهما بأحضانها ورحبت بهما، فلما استقر بهما الجلوس قالتا لها: يا داية، إن الملكة قد حصل منها العفو والرضى عنك. قالت الداية: لا كان ذلك أبدًا ولو سقيت كئوس الردى، فهل نسيت تعزيري قدام مَن يحبني ومَن يبغضني حين صُبِغت أثوابي بالدم وكدت أن أموت من شدة الضرب، وبعد ذلك سحبوني من رجلي مثل الكلب الميت حتى رموني خارج الباب؟ فوالله لا أرجع إليها أبدًا ولا أملأ عيني من رؤيتها. فقال لها الجاريتان: لا تردي سعينا إليك خائبًا، فأين إكرامك إيانا؟ فابصري مَن حضر عندك ودخل عليك، فهل تريدين أحدًا أكبر منا منزلةً عند بنت الملك؟ قالت: أعوذ بالله، أنا أعرف أن مقداري أقل منكما، لولا أن ابنة الملك عظمت قدري عند جواريها وخدمها، فكنت إذا غضبت على أكبر مَن فيهن تموت في جلدها. فقالت الجاريتان: إن الحال باقٍ على عهده لم يتغير أبدًا بل هو أكثر مما تعهدين، فإن بنت الملك وضعت نفسها لك وطلبت الصلح من غير واسطة. فقالت: والله لولا حضوركما عندي ما كنت أرجع إليها ولو أمرَتْ بقتلي، فشكرتاها على ذلك.
ثم قامت من وقتها ولبست ثيابها وطلعت معهما وسرن جميعًا حتى دخلت على بنت الملك، فلما دخلت عليها قامت على قدميها، فقالت لها الداية: الله يا بنت الملك، هل الخطأ مني أو منك؟ فقالت بنت الملك: الخطأ مني والعفو والرضى منك، والله يا دايتي إن قدرك عالٍ عندي ولكِ عليَّ حق التربية، ولكن أنت تعلمين أن الله سبحانه وتعالى قسم للخلق أربعة أشياء: الخلق والعمر والرزق والأجل، وليس في قدرة الإنسان أن يرد القضاء، وإني ما ملكت نفسي ولا قدرت على رجوعها، وأنا يا دايتي ندمت على ما فعلت. فعند ذلك زال ما عند العجوز من الغيظ فنهضت وقبلت الأرض بين يديها، فدعت الملكة بخلعة سنية وأفرغتها عليها، ففرحت بتلك الخلعة فرحًا شديدًا والخدم والجواري واقفات بين يديها، فلما انتهى ذلك المجلس قالت لها: يا دايتي، كيف حال الفواكه وثمر غيطاننا؟ قالت: ولله يا سيدتي، نظرت غالب الفواكه في البلد، ولكن في هذا اليوم أفتش على هذه القضية وأرد لك الجواب. ثم نزلت من عندها وهي مكرمة في غاية الإكرام وسارت حتى أتت ابن الملك، فتلقاها بفرح وعانقها واستبشر بقدومها وانشرح خاطره؛ لأنه كان كثير الانتظار لرؤيتها، ثم إن العجوز حكت له على ما وقع لها مع بنت الملك، وأن بنت الملك مرادها أن تنزل إلى البستان في اليوم الفلاني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.