فلما كانت الليلة ٧٧٢
قالت بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعدًا قال: لما أوقدت النار في الحطب أنا ومَن معي من المماليك، وصارت الغيلان في وسطها، وقفنا من بعيد لننظر ما يكون منهم، ثم قَدِمنا إليهم بعد أن خمدت النار فرأيناهم صاروا كومَ رماد، فحمدنا الله تعالى الذي خلصنا منهم وخرجنا من تلك الجزيرة، وطلبنا ساحل البحر، ثم افترقنا من بعضنا؛ فأما أنا واثنان من المماليك فمشينا حتى وصلنا إلى غابة كبيرة كثيرة الأشجار فاشتغلنا بالأكل، وإذا بشخصٍ طويلِ القامة طويلِ اللحية طويلِ الأذنين، بعينين كأنهما مشعلان، وقدَّامه غنمٌ كثير يرعاها، وعنده جماعة أُخَر في كيفيته، فلما رآنا استبشر وفرح ورحَّبَ بنا وقال: أهلًا وسهلًا، تعالوا عندي حتى أذبح لكم شاةً من هذه الأغنام وأشويها وأُطعِمكم. فقلنا له: وأين موضعك؟ فقال: قريب من هذا الجبل، فاذهبوا إلى هذه الجهة حتى تروا مغارةً فادخلوا فيها، فإنَّ فيها ضيوفًا كثيرًا مثلكم، فروحوا واقعدوا معهم حتى نجهز لكم الضيافة. فاعتقدنا أن كلامه حق، فسرنا إلى تلك الجهة، ودخلنا تلك المغارة فرأينا الضيوف الذين فيها كلهم عميانًا، فحين دخلنا عليهم قال واحد منهم: أنا مريض. وقال الآخَر: أنا ضعيف. فقلنا لهم: أي شيء هذا القول الذي تقولونه؟ وما سبب ضعفكم ومرضكم؟ فقالوا: مَن أنتم؟ فقلنا لهم: نحن ضيوف. قالوا لنا: ما الذي أوقعكم في يد هذا الملعون؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا غول يأكل بني آدم، وقد أعمانا ويريد أن يأكلنا. فقلنا لهم: كيف أعماكم هذا الغول؟ فقالوا: إنه في هذا الوقت يعميكم مثلنا. فقلنا لهم: وكيف يعمينا؟ فقالوا لنا: إنه يأتيكم بأقداح من اللبن ويقول لكم: أنتم تعبتم من السفر، فخذوا هذا اللبن واشربوا منه. فحين تشربون منه تصيرون مثلنا.
فقلت في نفسي: ما بقي لنا خلاص إلا بحيلة. فحفرتُ حفرة في الأرض وجلستُ عليها، ثم بعد ساعة دخل الملعون الغول علينا ومعه أقداح من اللبن، فناوَلَني قدحًا وناوَلَ مَن معي كل واحد قدحًا، وقال لنا: أنتم جئتم من البر عَطَاشَى، فخذوا هذا اللبن واشربوا منه حتى أشوي لكم اللحم. فأما أنا فأخذتُ القدح وقرَّبتُه من فمي ودلقته في الحفرة وصحتُ: آه، قد راحت عيني وعميت. وأمسكت عيني بيدي، وصرت أبكي وأصيح وهو يضحك ويقول: لا تَخَفْ. وأما الاثنان رفيقاي فإنهما شربَا اللبن فعميا، فقام الملعون من وقته وساعته وغلق باب المغارة وقَرُب مني وجسَّ أضلاعي فوجدني هزيلًا، وما عليَّ شيء من اللحم، فجسَّ غيري فرآه سمينًا ففرح، ثم ذبح ثلاثة أغنام وسلخها وجاء بأسياخ من الحديد، ووضع فيها لحم الأغنام ووضعها على النار وشواه وقدَّمه إلى رفيقيَّ، فأكلا وأكل معهما، ثم جاء بزق ملآن خمرًا وشربه ورقد على وجهه وشخر. فقلت في نفسي: إنه غرق في النوم وكيف أقتله؟ ثم تذكرتُ الأسياخ، فأخذتُ منها سيخين ووضعتهما في النار، وصبرت عليهما حتى صارا مثل الجمر، ثم قمتُ وشددتُ وسطي ونهضتُ على أقدامي، وأخذت السيخين الحديد بيدي وتقربت من الملعون وأدخلتهما في عينَيْه واتَّكأتُ عليهما بقوتي، فنهض من حلاوة الروح قائمًا على قدمَيْه وأراد أن يمسكني بعد أن عمي، فهربتُ منه داخل المغارة وهو يسعى خلفي، فقلت للعميان الذين عنده: كيف العمل مع هذا الملعون؟ فقال واحد منهم: يا ساعد، انهض واصعد إلى الطاقة. وأخذت السيف وأتيت عند ذلك الرجل، فقال: خذه واضربه في وسطه فإنه يموت في الحال. فقمت وجريت خلفه وقد تعب من الجري، فجاء إلى العميان ليقتلهم، فجئت إليه وضربته بالسيف في وسطه، فصار نصفين، فصاح عليَّ وقال لي: يا رجل، حيث أردتَ قتلي فاضربني ضربة ثانية. فهممتُ أن أضربه ضربةً ثانية، فقال الذي دلَّني على السيف: لا تضربه ضربة ثانية؛ فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.