فلما كانت الليلة ٧٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعدًا قال: لما ضربت الغول بالسيف قال لي: يا رجل، حيث ضربتَني وأردتَ قتلي، فاضربني ضربة ثانية. فهممتُ أن أضربه، فقال لي الذي دلَّني على السيف: لا تضربه ضربة ثانية، فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا. فامتثلتُ أمرَ ذلك الرجل ولم أضربه، فمات الملعون، فقال لي الرجل: قُمِ افتَحِ المغارة ودَعْنا نخرج منها، لعل الله يساعدنا ونستريح من هذا الموضع. فقلت له: ما بقي علينا ضرر، بل نستريح ونذبح من هذه الأغنام ونشرب من هذا النبيذ؛ لأن البر طويل. فأقمنا في هذا المكان مدة شهرين ونحن نأكل من هذه الأغنام ومن هذه الفواكه، فاتفق أننا جلسنا على شاطئ البحر يومًا من الأيام، فرأينا مركبًا كبيرة تلوح في البحر على بُعْد، فأشرنا إلى أهلها وصحنا عليهم، فخافوا من ذلك الغول، وكانوا يعرفون أن هذه الجزيرة فيها غول يأكل الآدميين فطلبوا الهروب، فأشرنا إليهم بفاضل عمائمنا وقربنا منهم وصرنا نصيح عليهم، فقال واحد من الركاب وكان حديد البصر: يا معاشر الركَّاب، إني أرى هذه الأشباح آدميين مثلنا وليس عليهم زيُّ الغيلان. ثم إنهم ساروا جهتنا قليلًا إلى أن قربوا منا، فلما تحققوا أننا آدميون، سلَّموا علينا فردَدْنا عليهم السلام وبشَّرناهم بقتل الغول الملعون فشكرونا.
ثم إننا تزوَّدنا من الجزيرة بشيء من الفواكه فيها، ثم نزلنا المركب وسارت بنا في ريح طيبة مدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك سارت علينا ريح وازداد ظلام الجو، فما كان غير ساعة واحدة حتى جذب الريحُ المركبَ إلى جبلٍ فانكسرت وتمزَّقت ألواحها، فقدَّرَ الله العظيم أني تعلَّقْتُ بلوح منها وركبتُه، فسار بي يومين وقد أتَتْ ريح طيبة، فصرت فوق اللوح أجدف برجلي ساعةً زمانية حتى أوصَلَني الله تعالى إلى البر بالسلامة، فطلعتُ إلى هذه المدينة وقد صرتُ غريبًا فريدًا وحيدًا لا أدري ما أصنع، وقد أضرَّ بي الجوع وحصل لي الجهد الأكبر، فأتيتُ إلى سوق المدينة وقد تواريتُ وقلعتُ هذا القباء، وقلت في نفسي: أبيعه وآكل بثمنه حتى يقضي الله ما هو قاضٍ. ثم إني يا أخي أخذت القباء في يدي والناس ينظرونه ويتزايدون في ثمنه، حتى أتيتَ أنت ونظرتَني وأمرتَ بي إلى القصر، فأخذني الغلمان وسجنوني، ثم إنك تذكَّرْتَني بعد هذه المدة فأحضرتَني عندك، وقد أخبرتُك بما جرى لي، والحمد لله على الاجتماع.
فلما سمع سيف الملوك وتاج الملوك أبو دولة خاتون حديثَ الوزير ساعد، تعجَّبَا من ذلك عجبًا شديدًا، وقد أعَدَّ تاج الملوك أبو دولة قانون مكانًا مليحًا لسيف الملوك وأخيه ساعد، وصارت دولة خاتون تأتي لسيف الملوك وتشكره وتتحدَّث معه على إحسانه، فقال الوزير ساعد: أيتها الملكة، المراد منك المساعدة على بلوغ غرضه. فقالت: نعم أسعى في مراده حتى يبلغ مراده إنْ شاء الله تعالى. ثم التفتَتْ إلى سيف الملوك، وقالت له: طِبْ نفسًا وقرَّ عينًا.
هذا ما كان من أمر سيف الملوك ووزيره ساعد، وأما ما كان من أمر الملكة بديعة الجمال، فإنها وصلت إليها الأخبار برجوع أختها دولة خاتون إلى أبيها ومملكتها، فقالت: لا بد من زيارتها والسلام عليها في زينة بهية وحلى وحلل، فتوجَّهَتْ إليها، فلما قربت من مكانها قابلَتْها الملكة دولة خاتون، وسلَّمَتْ عليها وعانقَتْها وقبَّلتها بين عينَيْها، وهنَّتها الملكة بديعة الجمال بالسلامة، ثم جلستا تتحدثان، فقالت بديعة الجمال لدولة خاتون: أي شيء جرى لك في الغربة؟ فقالت دولة خاتون: يا أختي، لا تسأليني عما جرى لي من الأمور، يا ما تقاسي الخلائق من الشدائد. فقالت لها بديعة الجمال: وكيف ذلك؟ قالت: يا أختي، إني كنت في القصر المشيد، وقد احتوى عليَّ فيه ابن الملك الأزرق … ثم حدَّثَتْها ببقية الحديث من أوله إلى آخره، وحديث سيف الملوك وما جرى له في القصر، وما قاسى من الشدائد والأهوال حتى وصل إلى القصر المشيد، وكيف قتل ابن الملك الأزرق، وكيف قلع الأبواب وجعلها فلكًا وعمل لها مجاديف، وكيف دخل إلى ها هنا؛ فتعجَّبَتْ بديعة الجمال، ثم قالت: والله يا أختي، إن هذا من أغرب العجائب، وأريد أن أخبرك بأصل حكايته لكن يمنعني الحياء من ذلك. فقالت لها بديعة الجمال: ما سبب الحياء، وأنت أختي ورفيقتي، وبيني وبينك شيء كثير، وأنا أعرف أنك ما تطلبين لي إلا الخير، فمن أي شيء تستحيين مني؟ فأخبريني بما عندك ولا تستحي مني، ولا تُخْفِي مني شيئًا من ذلك. فقالت لها دولة خاتون: إنه نظر صورتك في القباء الذي أرسَلَه أبوك إلى سليمان بن داود عليهما السلام، فلم يفتحه ولم ينظر ما فيه، بل أرسَلَه إلى الملك عاصم بن صفوان ملك مصر في جملة الهدايا والتحف التي أرسَلَها إليه، والملك عاصم أعطاه لولده سيف الملوك قبل أن يفتحه، فلما أخذه سيف الملوك فتحه وأراد أن يلبسه فرأى فيه صورتك، فعشقها وخرج في طلبك، وقاسى هذه الشدائد كلها من أجلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.