فلما كانت الليلة ٧٧٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون أخبرت بديعة الجمال بأصل محبة سيف الملوك لها وعشقه إياها، وأن سببها القباء الذي فيه صورتها، وحين عايَنَ الصورةَ خرج من ملكه هائمًا، وغاب عن أهله من أجلها، وقالت لها: إنه قاسى من الأهوال ما قاساه من أجلك. فقالت بديعة الجمال وقد احمرَّ وجهها وخجلت من دولة خاتون: إن هذا شيء لا يكون أبدًا، فإن الإنس لا يتفقون مع الجان. فواصلت دولة خاتون تصف لها سيف الملوك، وحسن صورته وسيرته وفروسيته، ولم تَزَلْ تُثْنِي عليه وتذكر لها صفاته حتى قالت: يا أختي، لأجل الله تعالى ولأجلي، تحدَّثي معه ولو كلمة واحدة. فقالت بديعة الجمال: إن هذا الكلام الذي تقولينه لا أسمعه، ولا أطيعك فيه. وكأنها لم تسمع منه شيئًا، ولم يقع في قلبها شيء من محبة سيف الملوك وحُسْن صورته وسيرته وفروسيته.
ثم إن دولة خاتون صارت تتضرع لها، وتقبِّل رجلَيْها، وتقول: يا بديعة الجمال، بحق اللبن الذي رضعناه أنا وأنتِ، وبحق النقش الذي على خاتم سليمان عليه السلام، أن تسمعي كلامي هذا، فإني تكلَّفْتُ له في القصر المشيد بأني أُرِيه وجهك، فبالله عليك أن تُرِيه صورتك مرةً واحدة لأجل خاطري، وأنتِ الأخرى تنظرينه. وصارت تبكي لها وتتضرع إليها وتقبِّل يدَيْها ورجلَيْها حتى رضيت وقالت: لأجلك أُرِيه وجهي مرة واحدة. فعند ذلك طاب قلب دولة خاتون وقبَّلَتْ يديها ورجلَيْها وخرجت، وجاءت إلى القصر الأكبر الذي في البستان وأمرت الجواري أن يفرشْنَه وينصبْنَ فيه تختًا من الذهب، ويجعلْنَ أواني الشراب مصفوفة. ثم إن دولة خاتون قامت ودخلت على سيف الملوك وساعد وزيره وهما جالسان في مكانهما، وبشَّرَتْ سيف الملوك ببلوغ إربه وحصول مراده وقالت له: توجَّهْ إلى البستان أنت وأخوك وادخلا القصر، واختفيا عن أعين الناس بحيث لا ينظركما أحد ممَّنْ في القصر، حتى أجيء أنا وبديعة الجمال. فقام سيف الملوك وساعد وتوجَّهَا إلى المكان الذي دلَّتْهما عليه دولة خاتون، فلما دخلاه رأيا تختًا من الذهب منصوبًا وعليه الوسائد، وهناك الطعام والشراب فجلسا ساعة من الزمان، ثم إن سيف الملوك تذكَّرَ معشوقته فضاق صدره، وهاج عليه الشوق والغرام، فقام ومشى حتى خرج من دهليز القصر، فتبعه أخوه ساعد، فقال له: يا أخي، اقعد أنت مكانك ولا تتبعني حتى أجيء إليك. فقعد ساعد ونزل سيف الملوك ودخل البستان وهو سكران من خمر الغرام، حيران من فرط العشق والهيام، وقد هَزَّه الشوق، وغلب عليه الوَجْد، فأنشد هذه الأبيات:
ثم بكى وأنشد أيضًا هذين البيتين:
ثم بكى بكاءً شديدًا وأنشَدَ أيضًا هذه الأبيات:
ثم بكى وأنشد أيضًا هذين البيتين:
ثم إن ساعدًا استبطأه فخرج من القصر يفتِّش عليه في البستان، فرآه ماشيًا في البستان متحيرًا وهو ينشد هذين البيتين:
ثم اجتمع سيف الملوك وساعد أخوه وصارا يتفرجان في البستان، ويأكلان من الفواكه. هذا ما كان من أمر ساعد وسيف الملوك، وأما ما كان من أمر دولة خاتون، فإنها لما أتَتْ هي وبديعة الجمال إلى القصر دخلتا فيه بعد أن أتحفه الخدام بأنواع الزينة، وفعلوا فيه جميع ما أمرتهم به دولة خاتون، وقد أعَدُّوا لبديعة الجمال تختًا من الذهب لتجلس عليه، فلما رأت بديعة الجمال ذلك التخت جلسَتْ عليه، وكان بجانبها طاقة تشرف على البستان، وقد أتت الخدام بأنواع الطعام الفاخر، فأكلت بديعة الجمال هي ودولة خاتون، وصارت دولة خاتون تلقِّمها حتى اكتفت، ثم دعت بأنواع الحلويات فأحضرها الخدام وأكلتا منها بحسب الكفاية وغسلتا أيديهما. ثم إنها هيَّأت الشرابَ وآلات المدام، وصفت الأباريق والكاسات، وصارت دولة خاتون تملأ وتسقي بديعة الجمال، ثم تملأ الكأس وتشرب هي. ثم إن بديعة الجمال نظرت من الطاقة التي بجانبها إلى ذلك البستان، ورأت ما فيه من الأثمار والأغصان، فلاحَتْ منها التفاتةٌ إلى جهة سيف الملوك، فرأته وهو دائر في البستان وخلفه الوزير ساعد، وسمعت سيف الملوك ينشد الأشعار وهو يذرف الدموع الغزار، فلما نظرته أعقبَتْها تلك النظرةُ ألفَ حسرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.