فلما كانت الليلة ٧٧٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما أحضرت الطعام والشراب، وجاء سيف الملوك فلاقَتْه بالسلام، ثم قعدا يأكلان ويشربان ساعة، فقالت بديعة الجمال: يا ابن الملك، إذا دخلتَ بستان إرم ترى خيمةً كبيرة منصوبة، وهي من أطلس أحمر وبطانتها من حرير أخضر، فادخلِ الخيمةَ وقوِّ قلبك؛ فإنك ترى عجوزًا جالسة على تخت من الذهب الأحمر مرصَّع بالدُّرِّ والجوهر، فإذا دخلتَ فسلِّمْ عليها بأدبٍ واحتشامٍ، وانظرْ إلى جهة التخت تجد تحتَه نعالًا منسوجةً بقضبان الذهب مزركشة بالمعادن، فخذْ تلك النعال وقبِّلها وضَعْها على رأسك، ثم حطها تحت إبطك اليمنى وقف قدام العجوز وأنت ساكت مطرق الرأس، فإذا سألَتْك وقالت لك: من أين جئتَ؟ وكيف وصلتَ إلى ها هنا؟ ومَن عرَّفَك هذا المكان؟ ومن شأن أي شيء أخذتَ هذه النعال؟ فاسكتْ أنت حتى تدخل جاريتي هذه وتتحدَّث معها وتستعطفها عليك وتسترضي خاطرها بالكلام، لعل الله تعالى يعطف قلبها عليك وتُجِيبك إلى ما تريد. ثم إنها نادت تلك الجارية، وكانت اسمها مرجانة، وقالت لها: بحق محبتي أن تقضي هذه الحاجة في هذا اليوم، ولا تتهاوني في قضائها، وإنْ قضيتِها في هذا اليوم فأنتِ حرة لوجه الله تعالى، ولك الإكرام، ولا يكون عندي أعز منك، ولا أُظهِر سري إلا عليك. فقالت لها: يا سيدتي ونور عيني، قولي لي ما حاجتك حتى أقضيها لك على رأسي وعيني. فقالت لها: أن تحملي هذا الإنسي على أكتافك وتوصليه إلى بستان إرم عند جدتي أم أبي، وتوصليه إلى خيمتها وتحتفظي عليه، وإذا دخلتِ الخيمةَ أنتِ وإياه ورأيتِه أخذ النعال وخدمها وقالت له: من أين أنت؟ ومن أي طريق أتيت؟ ومَن أوصلك إلى هذا المكان؟ ومن شأن أي شيء أخذت هذه النعال؟ وأي شيء حاجتك حتى أقضيها لك؟ فعند ذلك ادخلي بسرعة وسلِّمي عليها وقولي لها: يا سيدتي، أنا الذي جئتُ به هنا، وهو ابن ملك مصر، وهو الذي راح إلى القصر المشيد وقتل ابن الملك الأزرق وخلَّصَ الملكة دولة خاتون، وأوصَلَها إلى أبيها سالمةً، وقد أوصلتُه إليك لأجل أن يخبرك ويبشِّرك بسلامتها فتنعمي عليه. ثم بعد ذلك قولي لها: يا سيدتي، إنه كامل العرض والمروءة والشجاعة، وهو صاحب مصر ومَلِكها، وقد حوى سائر الخصال الحميدة.
فإذا قالت لك: أي شيء حاجته؟ فقولي لها: إن سيدتي تسلِّم عليكِ وتقول لك: إلى متى وهي قاعدة في البيت عازبة بلا زواج؟ فقد طالت عليها المدة، فما مرادكم بعدم زواجها؟ ولأي شيء ما تزوِّجينها في حياتك وحياة أمها مثل البنات؟ فإذا قالت لك: كيف نعمل في زواجها؟ فإنْ كانت هي تعرف أحدًا ووقع في خاطرها أحدٌ تخبرنا عنه ونحن نعمل لها على مرادها على غاية ما يمكن. فعند ذلك قولي لها: يا سيدتي، إن بنتك تقول لك: أنتم كنتم تريدون تزويجي بسليمان عليه السلام، وصوَّرتم له صورتي في القباء، فلم يكن له نصيب فيَّ وقَدْ أرسَلَ القباء إلى ملك مصر، فأعطاه لولده، فرأى صورتي منقوشة فيه، فعشقني وترك مُلْكَ أبيه وأمه وأعرَضَ عن الدنيا وما فيها، وخرج هائمًا في الدنيا على وجهه، وقاسى أكبر الشدائد والأهوال من أجلي.
ثم إن الجارية حملت سيف الملوك، وقالت له: غمِّضْ عينيك. ففعل، فطارت به إلى الجو، ثم بعد ساعة قالت له: يا ابن الملك، افتح عينَيْك. ففتح عينيه فنظر البستان، وهو بستان إرم، فقالت له الجارية مرجانة: ادخل يا سيف الملوك هذه الخيمة. فذكر اللهَ سيفُ الملوك ودخل ومدَّ عينَيْه بالنظر في البستان، فرأى العجوز قاعدة على التخت، وفي خدمتها الجواري، فقَرُب منها بأدب واحتشام، وأخذ النعال وقبَّلَها وفعل ما وصفَتْه له بديعة الجمال، فقالت له العجوز: مَن أنت؟ ومِن أين أقبلْتَ؟ ومن أي البلاد أنت؟ ومَن جاء بك إلى هذا المكان؟ ولأي شيء أخذتَ هذه النعال وقبَّلْتَها؟ ومتى قلتَ لي على حاجة ولم أَقْضِها لك؟ فعند ذلك دخلت الجارية مرجانة، وسلَّمَتْ عليها بأدب واحتشام، ثم تحدثت بحديث بديعة الجمال الذي قالته لها. فلما سمعت العجوز هذا الكلام صرخت عليها واغتاظت منها، وقالت: من أين يحصل بين الإنس والجن اتفاق؟ وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.