فلما كانت الليلة ٧٧٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما سمعت الكلام من الجارية اغتاظت غيظًا شديدًا وقالت: من أين للإنس مع الجن اتفاق؟ فقال سيف الملوك: أنا أتفق معك وأكون غلامك وأموت على حبك وأحفظ عهدك ولا أنظر غيرك، وسوف تنظرين صدقي وعدم كذبي وحسن مروءتي معك إنْ شاء الله تعالى. ثم إن العجوز تفكَّرت ساعة زمانية ورأسها مطرق، ثم رفعت رأسها وقالت: أيها الشاب المليح، هل تحفظ العهد والميثاق؟ فقال لها: نعم وحقِّ مَن رفع السماء وبسط الأرض على الماء، إني أحفظ العهد. فعند ذلك قالت العجوز: أنا أقضي لك حاجتك إنْ شاء الله تعالى، ولكن رحْ في الساعة إلى البستان، وتفرَّجْ فيه وكُلْ من الفواكه التي لا نظيرَ لها ولا في الدنيا مثلها، حتى أبعث إلى ولدي شهيال فيحضر، وأتحدث معه في شأن ذلك، ولا يكون إلا خيرًا إن شاء الله تعالى؛ لأنه لا يخالفني ولا يخرج عن أمري، وأزوِّجك بنته بديعة الجمال؛ فطِبْ نفسًا فإنها تكون زوجةً لك يا سيف الملوك. فلما سمع سيف الملوك منها ذلك الكلام شكرها وقبَّلَ يدَيْها ورجلَيْها وخرج من عندها متوجهًا إلى البستان. وأما العجوز فإنها التفتت إلى تلك الجارية وقالت لها: اطلعي فتِّشي على ولدي شهيال، وانظريه في أي الأقطار والأماكن وأحضريه عندي. فراحت الجارية وفتَّشَتْ على الملك شهيال فاجتمعت به، وأحضرته عند أمه.
هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر سيف الملوك، فإنه صار يتفرج في البستان، وإذا بخمسة من الجان، وهم من قوم الملك الأزرق قد نظروه، فقالوا: من أين هذا؟ ومَن جاء به إلى هذا المكان، ولعله الذي قتل ابن الملك الأزرق؟ ثم إنهم قالوا لبعضهم: إنَّا نحتال عليه بحيلة ونسأله ونستخبر منه. ثم صاروا يتمشون قليلًا قليلًا إلى أن وصلوا إلى سيف الملوك في طرف البستان، وقعدوا عنده وقالوا له: أيها الشاب المليح، ما قصَّرْتَ في قتل ابن الملك الأزرق وخلاص دولة خاتون منه، فإنه كلب غدَّار قد مكر بها، ولولا أن الله قيَّضَك لها ما خَلَصتْ أبدًا، وكيف قتلتَه؟ فنظر إليهم سيف الملوك، وقال لهم: قد قتلتُه بهذا الخاتم الذي في إصبعي. فثبت عندهم أنه هو الذي قتَلَه، فقبض اثنان على يدَيْه، واثنان على رجلَيْه، والآخَر قبض على فمه حتى لا يصيح فيسمعه قوم الملك شهيال فينقذوه من أيديهم. ثم إنهم حملوه وطاروا به، ولم يزالوا طائرين حتى نزلوا عند ملكهم، وأوقفوه بين يديه وقالوا: يا ملك الزمان، قد جئناك بقاتل ولدك. فقال: وأين هو؟ قالوا: هذا. فقال له الملك الأزرق: هل قتلتَ ولدي وحشاشة كبدي ونور بصري بغير حقٍّ وبغير ذنب فعله معك؟ فقال له سيف الملوك: نعم، أنا قتلتُه، ولكن لظلمه وعدوانه؛ لأنه كان يأخذ أولاد الملوك ويذهب بهم إلى البئر المُعطلة والقصر المشيد ويفرِّق بينهم وبين أهليهم، ويفسق فيهم، وقتلتُه بهذا الخاتم الذي في إصبعي، وعجَّلَ الله بروحه إلى النار وبئس القرار. فثبت عند الملك الأزرق أن هذا هو قاتل ولده بلا شك، فعند ذلك دعا بوزيره وقال له: هذا قاتل ولدي ولا محالة من غير شك، فماذا تشير عليَّ في أمره؟ فهل أقتله أقبح قِتْلة، أو أعذِّبه أصعب عذاب، أو كيف أعمل؟ فقال الوزير الأكبر: اقطعْ منه عضوًا. وقال آخَر: اضربه كل يوم ضربًا شديدًا. وقال آخَر: اقطعوا وسطه. وقال آخَر: اقطعوا أصابعه جميعًا وأحرِقوها بالنار. وقال آخَر: اصلبوه. وصار كل واحد منهم يتكلم بحسب رأيه.
وكان عند الملك الأزرق أمير كبير له خبرة بالأمور ومعرفة بأحوال الدهور، فقال له: يا ملك الزمان، إني أقول لك كلامًا ما، والرأي لك في سماعِ ما أشير به عليك. وكان هو مشير مملكته ورئيس دولته، وكان الملك يسمع كلامه، ويعمل برأيه ولا يخالفه في شيء، فقام على قدمَيْه وقبَّلَ الأرض بين يدَيْه، وقال له: يا ملك الزمان، إذا أشرتُ عليك برأي في شأنِ هذا الأمر، فهل تتبعه وتعطيني الأمان؟ فقال له الملك: بيِّنْ رأيك وعليك الأمان. فقال: يا ملك، إنْ أنت قتلتَ هذا ولم تقبل نصحي ولم تتعقل كلامي، فإن قتله في هذا الوقت غير صواب؛ لأنه تحت يدك وفي حِمَاك وأسيرك، ومتى طلبتَه وجدتَه وتفعل به ما تريد، فاصبر يا ملك الزمان، فإن هذا قد دخل بستان إرم وتزوَّجَ بديعة الجمال بنت الملك شهيال، وصار منهم واحدًا، وجماعتك قبضوا عليه وأتوا به إليك، وما أخفى حاله منهم ولا منك، فإن قَتَلْتَه فإن الملك شهيال يطلب ثأرَه منك ويُعادِيك ويأتيك بالعسكر من أجل بنته، ولا مقدرةَ لك على عسكره، وليس لك به طاقة. فسمع منه ذلك، وأمر بسجنه.
هذا ما جرى لسيف الملوك، وأما ما كان من أمر السيدة بديعة الجمال، فإنها لما اجتمعَتْ بوالدها شهيال أرسلَتِ الجاريةَ تفتِّش على سيف الملوك، فلم تجده، فرجعت إلى سيدتها وقالت: ما وجدتُه في البستان. فأرسلَتْ إلى عَمَلة البستان، وسألَتْهم عن سيف الملوك، فقالوا: نحن رأيناه قاعدًا تحت شجرة، وإذا بخمسة أشخاص من جماعة الملك الأزرق نزلوا عنده وتحدَّثوا معه، ثم إنهم حملوه وسدُّوا فمه وطاروا به وراحوا. فلما سمعت العجوز ذلك الكلام، لم يهن عليها واغتاظَتْ غيظًا شديدًا، وقامت على أقدامها وقالت لابنها الملك شهيال: كيف تكون ملكًا وتجيء جماعة الملك الأزرق إلى بستاننا، ويأخذون ضيفنا ويروحون به سالمين وأنت بالحياة، وكذلك أمه؟ وصارت تحرِّضه وتقول: لا ينبغي أن يتعدَّى علينا أحد في حياتك. فقال لها: يا أمي، إن هذا الإنسي قتل ابن الملك الأزرق وهو جني، فرماه الله في يده فكيف أذهب وأعاديه من أجل الإنسي؟ فقالت له أمه: اذهبْ إليه واطلبْ منه ضيفنا، فإن كان بالحياة وسلَّمَه إليك فخذه وتعالَ، وإنْ كان قتله فامسكِ الملكَ الأزرق بالحياة هو وأولاده وحريمه، وكل مَن يلوذ به من أتباعه، وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب دياره، وإنْ لم تفعل ما أمرتُك به لا أجعلك في حلٍّ من لبني، والتربية التي ربيتُها لك تكون حرامًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.