فلما كانت الليلة ٧٧٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت لابنها شهيال: اذهب إلى الملك الأزرق وانظر سيف لملوك، فإنْ كان باقيًا بالحياة فهاتِه وتعالَ، وإنْ كان قتله فامسِكْه هو وأولاده وحريمه، وكل مَن يلوذ به وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي، وأخرب ملكه، وإنْ لم تذهب إليه وتفعل ما أمرتك به، فلا أجعلك في حلٍّ من لبني، وتكون تربيتك حرامًا. فعند ذلك قام الملك شهيال وأمر عسكره بالخروج، وتوجَّهَ إليه كرامةً لأمه ورعايةً لخاطرها وخواطر أحبابها ولأجل شيء كان مقدَّرًا في الأزل. ثم إن شهيال سافَرَ بعسكره ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى الملك الأزرق وتلاقى العسكران، فانكسَرَ الملك الأزرق هو وعسكره ومسكوا أولاده كبارًا وصغارًا، وأربابَ دولته وأكابرها، وربطوهم وأحضروهم بين يدي الملك شهيال، فقال له: يا أزرق، أين سيف الملوك الإنسي الذي هو ضيفي؟ فقال له الملك الأزرق: يا شهيال، أنت جني وأنا جني، وهل لأجل إنسي قتَلَ ولدي تفعل هذه الفعال؟ وهو قاتِلُ ولدي وحشاشة كبدي وراحة روحي، وكيف عملتَ هذه الأعمال كلها وأهرقتَ دمَ كذا وكذا ألف جني؟ فقال له: خلِّ عنك هذا الكلام، فإنْ كان هو بالحياة فأحضِرْه وأنا أعتقك وأعتق كلَّ مَن قبضتُ عليه من أولادك، وإنْ كنتَ قتلتَه، فأنا أذبحك أنت وأولادك. فقال له الملك الأزرق: يا ملك، هل هذا أعزُّ عليك من ولدي؟ فقال له الملك شهيال: إن ولدك ظالم لكونه يخطف أولاد الناس وبنات الملوك ويضعهم في القصر المشيد والبئر المعطلة ويفسق فيهم. فقال له الملك الأزرق: إنه عندي، ولكنْ أصلِحْ بيننا وبينه. فأصلح بينهم وخلع عليهم وكتَبَ بين الملك الأزرق وبين سيف الملوك حجةً من جهة قتل ولده، وتسلَّمَه الملك شهيال وضيَّفَهم ضيافةً مليحة، وأقام الملك الأزرق عنده هو وعسكره ثلاثة أيام، ثم أخذ سيف الملوك وأتى به إلى أمه، ففرحَتْ به فرحًا شديدًا، وتعجَّبَ شهيال من حسن سيف الملوك وكماله وجماله، وحكى له سيف الملوك حكايته من أولها إلى آخِرها وما وقع له مع بديعة الجمال.
ثم إن الملك شهيال قال: يا أمي، حيث رضيت بذلك فسمعًا وطاعةً لكل أمرٍ فيه رضاؤك، فخذيه وروحي به إلى سرنديب، واعملي هناك فرحًا عظيمًا، فإنه شاب مليح وقاسى الأهوال من أجلها. ثم إنها سافرت هي وجواريها إلى أن وصلْنَ إلى سرنديب، ودخلْنَ البستان الذي لأم دولة خاتون، ونظرَتْه بديعة الجمال بعد أن مضين إلى الخيمة واجتمعْنَ، وحدَّثَتْهن العجوز بما جرى له من الملك الأزرق، وكيف كان أشرف على الموت في سجن الملك الأزرق، وليس في الإعادة إفادة. ثم إن الملك سيف الملوك قال له: يا ملك العفو، أنا أطلب منك حاجة وأخاف أن تردَّني عنها خائبًا. فقال له تاج الملوك: والله لو طلبتَ روحي ما منعتُها عنك لما فعلتَ من الجميل. فقال سيف الملوك: أريد أن تزوِّج دولة خاتون بأخي ساعد، حتى نصير كلنا غلمانك. فقال تاج الملوك: سمعًا وطاعة. ثم إنه جمع أكابر دولته ثانيًا، وعقَدَ عَقْدَ بنته دولة خاتون على ساعد، ولما خلصوا من كتب الكتاب نثروا الذهب والفضة، وأمر أن يزيِّنوا المدينة، ثم أقاموا الفرح ودخل سيف الملوك على بديعة الجمال، ودخل ساعد على دولة خاتون في ليلة واحدة. ولم يزل سيف الملوك يختلي ببديعة الجمال أربعين يومًا، فقالت له في بعض الأيام: يا ابن الملك، هل بقي في قلبك حسرة على شيء؟ فقال سيف الملوك: حاش لله، قد قضيتُ حاجتي وما بقي في قلبي حسرة أبدًا، ولكن قصدي الاجتماع بأبي وأمي بأرض مصر، وأنظر هل استمروا طيبين أم لا؟ فأمرَتْ جماعة من خَدَمِها أن يوصِّلوه هو وساعدًا إلى أرض مصر، فوصَّلوهم إلى أهلهم بأرض مصر، واجتمع سيف الملوك بأبيه وأمه، وكذلك ساعد، وقعدا عندهم جمعة، ثم إن كلًّا منهما ودَّعَ أباه وأمه وسارا إلى مدينة سرنديب، وصارا كلما اشتاقا إلى أهلهما يروحان ويرجعان. وعاش سيف الملوك هو وبديعة الجمال في أطيب عيش وأهنأه، وكذلك ساعد مع دولة خاتون، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرِّق الجماعات، فسبحان الحي الذي لا يموت، وخلق الخلق وقضى عليهم بالموت، وهو أول بلا ابتداء وآخِر بلا انتهاء.
حكاية حسن الصائغ
ومما حُكِي أيضًا أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان رجل تاجر من التجار مقيم بأرض البصرة، وكان ذلك التاجر له وَلَدانِ ذَكَرانِ، وكان عنده مال كثير، فقدَّرَ الله السميع العليم أن التاجر تُوفِّي إلى رحمة الله تعالى وترك تلك الأموال، فأخذ ولداه في تجهيزه ودفنه، وبعد ذلك اقتسما الأموال بينهما بالسوية، وأخذ كل واحد منهما قسمه وفتحا لهما دكَّانَيْن؛ أحدهما نحَّاس، والثاني صائغ، فبينما الصائغ جالسٌ في دكانه يومًا من الأيام، إذا برجل أعجمي ماشٍ في السوق بين الناس، حتى مر على دكان الولد الصائغ، فنظر إلى صنعته وتأمَّلَها بمعرفته فأعجَبَتْه، وكان اسم الولد الصائغ حسن، فهزَّ الأعجمي رأسه وقال: والله إنك صائغ مليح. وصار ينظر إلى صناعته وهو ينظر إلى كتاب عتيق كان بيده والناس مشغولون بحُسْنه وجماله وقدِّه واعتداله، فلما كان وقت العصر خلَتِ الدكان من الناس، فعند ذلك أقبَلَ الرجل الأعجمي عليه وقال له: يا ولدي، أنت شابٌّ مليح، ما هذا الكتاب؟ وأنا ما لي ابن، وقد عرفت صنعةً ما في الدنيا أحسن منها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.