فلما كانت الليلة ٧٧٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجمي لما أقبَلَ على حسن الصائغ قال له: يا ولدي، أنت شاب مليح، ما هذا الكتاب؟ وأنا ما لي ابن، وقد عرفتُ صنعةً ما في الدنيا أحسَنَ منها، وقد سألني خلقٌ كثير من الناس في شأن تعليمها، فما رضيتُ أن أعلِّمها أحدًا منهم، ولكنْ قد سمحَتْ نفسي أن أعلِّمَك إياها، وأجعلك ولدي وأجعل بينك وبين الفقر حجابًا، وتستريح من هذه الصنعة والتعب في المطرقة والفحم والنار. فقال له حسن: يا سيدي، ومتى تعلِّمني؟ فقال: في غدٍ آتيك وأصنعُ لك من النحاس ذهبًا خالصًا بحضرتك. ففرح حسن وودَّع الأعجمي وسار إلى والدته، فدخل وسلَّمَ عليها وأكل معها وهو مدهوش بلا وعي ولا عقل، فقالت له أمه: ما بالك يا ولدي؟ احذرْ أن تسمع كلامَ الناس، خصوصًا الأعجام فلا تطاوِعْهم في شيء، فإن هؤلاء غشَّاشون يعملون صنعة الكيمياء، وينصبون على الناس ويأخذون أموالهم ويأكلونها بالباطل. فقال لها: يا أمي، نحن ناس فقراء وما عندنا شيء يطمع فيه حتى ينصب علينا، وقد جاءني رجل أعجمي لكنه شيخ صالح عليه أَثَرُ الصلاح، وإنما هو قد حنَّنَه الله عليَّ. فسكتَتْ أمه على غيظ، وصار ولدها مشغول القلب ولم يأخذه نومٌ في تلك الليلة من شدة فرحه بقول الأعجمي له.
فلما أصبح الصباح قام وأخذ المفاتيح وفتح الدكان، وإذا بالأعجمي قد أقبَلَ عليه، فقام له وأراد حسن أن بقبِّل يدَيْه، فامتنع ولم يرضَ بذلك وقال: يا حسن، عمِّرِ البودقة، وركِّبِ الكير. ففعل ما أمره به الأعجمي وأوقَدَ الفحم، فقال له الأعجمي: يا ولدي، هل عندك نحاس؟ قال: عندي طبق مكسور. فأمره أن يتكئ عليه بالكاز ويقطِّعه قطعًا صغارًا، ففعل كما قال له وقطَّعه قطعًا صغارًا، ورماه في البودقة ونفخ عليه بالكير حتى صار ماءً، فمدَّ الأعجمي يده إلى عمامته وأخرَجَ منها ورقةً ملفوفةً وفتحها وذرَّ منها شيئًا في البودقة مقدار نصف درهم، وذلك الشيء يشبه الكحل الأصفر، وأمَرَ حَسَنًا أن ينفخ عليه بالكير، ففعل مثل ما أمره حتى صار سبيكة ذهب، فلما نظر حسن إلى ذلك اندهش وتحيَّرَ عقله من الفرح الذي حصل له، وأخذ السبيكة وقلبها، وأخذ المبرد وبردها؛ فرآها ذهبًا خالصًا من عال العال، فطار عقله واندهش من شدة الفرح، ثم انحنى على يد الأعجمي ليقبِّلها، فقال له: خذْ هذه السبيكة وانزلْ بها إلى السوق وبِعْها واقبضْ ثمنَها سريعًا ولا تتكلم. فنزل حسن إلى السوق وأعطى السبيكة إلى الدلَّال، فأخذها منه وحكَّها فوجدها ذهبًا خالصًا، ففتحوا بابها بعشرة آلاف درهم، وقد تزايَدَ فيها التجار فباعها بخمسة عشر ألف درهم، وقبض ثمنها ومضى إلى البيت وحكى لأمه جميع ما فعل، وقال لأمه: يا أمي، إني قد تعلَّمْتُ هذه الصنعة. فضحكَتْ عليه وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.