فلما كانت الليلة ٧٨٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسنًا الصائغ لما حكى لأمه ما فعل الأعجمي، وقال لها: إني قد تعلَّمْتُ هذه الصنعة. قالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وسكتَتْ على غيظ منها. ثم إن حسنًا أخذ من جهله هونًا وذهب به إلى الأعجمي وهو قاعد في الدكان ووضعه بين يديه، فقال له: يا ولدي، ما تريد أن تصنع بهذا الهون؟ قال: نُدخِله النارَ ونعمله سبائك ذهب. فضحك الأعجمي وقال له: يا ولدي، هل أنت مجنون حتى تنزل السوق بسبيكتين في يوم واحد؟ أَمَا تعلم أن الناس يُنكِرون علينا وتروح أرواحنا؟ ولكنْ يا ولدي إذا علَّمْتُك هذه الصنعة لا تعملها في السنة إلا مرة واحدة، فهي تكفيك من السنة إلى السنة. قال: صدقتَ يا سيدي. ثم إنه قعد في الدكان وركب البودقة، ورمى الفحم في النار، فقال له الأعجمي: يا ولدي، ماذا تريد؟ قال: علِّمني هذه الصنعة. فضحك الأعجمي وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أنت يا ابني قليل العقل ما تصلح لهذه الصنعة قطُّ، هل أحدٌ في عمره يتعلَّم هذه الصنعة على قارعة الطريق أو في الأسواق؟ فإنِ اشتغلنا بها في هذا المكان يقول الناس علينا إن هؤلاء يصنعون الكيمياء، فتسمع بنا الحكَّام فتروح أرواحنا، فإنْ كنتَ يا ولدي تريد أن تتعلم هذه الصنعة، فاذهبْ معي إلى بيتي. فقام حسن وأغلَقَ الدكان وتوجَّهَ مع الأعجمي، فبينما هو في الطريق إذ تذكَّرَ قولَ أمه وحسب في نفسه ألف حساب، ووقف وأطرَقَ برأسه إلى الأرض ساعة زمانية، فالتفَتَ الأعجمي فرآه واقفًا، فضحك وقال له: هل أنت مجنون؟ كيف أُضمِرُ لك في قلبي الخيرَ وأنت تحسب أني أضرك؟ ثم قال له الأعجمي: إنْ كنتَ خائفًا من ذهابك معي إلى بيتي، فأنا أروح معك إلى بيتك وأعلِّمك هناك. فقال له حسن: نعم يا عم. فقال له: امشِ قدامي. فسار حسن قدامه إلى منزله، وسار الأعجمي خلفه إلى أن وصل منزلَه، فدخل حسن إلى داره فوجد والدته، فأعلَمَها بحضور الأعجمي معه والأعجمي واقف على الباب، ففرشت لهما البيت ورتَّبَتْه، فلما فرغت من أمرها راحت، ثم إنَّ حَسَنًا أَذِنَ للأعجمي أن يدخل فدخل.
ثم إن حسنًا أخذ في يده طبقًا وذهَبَ به إلى السوق ليجيء فيه بشيء يأكله، فخرج وجاء بأكل وأحضَرَه بين يدَيْه وقال له: كُلْ يا سيدي لأجل أنْ يصير بيننا خبز وملح، والله تعالى ينتقم ممَّن يخون الخبز والملح. فقال له: صدقتَ يا ولدي. ثم تبسَّمَ وقال: يا ولدي، مَن يعرف قدر الخبز والملح؟ ثم تقدَّمَ الأعجمي وأكل مع حسن حتى اكتفيا، ثم قال له الأعجمي: يا ولدي يا حسن، هات لنا شيئًا من الحلوى. فمضى حسن إلى السوق وأحضَرَ عشر قبات من الحلوى، وفرح حسن بكلام الأعجمي. فلما قدَّمَ له الحلوى أكل منها وأكل معه حسن، ثم قال له الأعجمي: جزاك الله خيرًا يا ولدي، مثلك مَن يصاحبه الناس ويُظهِرونه على أسرارهم ويعلِّمونه ما ينفعه. ثم قال الأعجمي: يا حسن، أحضِرِ العدَّة. فما صدق حسن بهذا الحديث، وقد خرج مثل المهر إذا انطلق من الربيع حتى أتى إلى الدكان، وأخذ العدَّة ورجع ووضعها بين يدَيْه، فأخرَجَ الأعجمي قرطاسًا من الورق وقال: يا حسن، وحق الخبز والملح لولا أنت أعز من ولدي ما أطلعتُك على هذه الصنعة، وما بقي معي شيء من هذا الإكسير إلا هذا القرطاس، ولكنْ تأمَّلْ حين أركِّب العقاقير وأضعها قدامك، واعلم يا ولدي يا حسن أنك تضع على كل عشرة أرطال نحاسًا نصفَ درهم من هذا الذي في الورقة، فتصير العشرة أرطال ذهبًا خالصًا إبريزًا. ثم قال له: يا ولدي يا حسن، إن في هذه الورقة ثلاثة أوراق بالوزن المصري، وبعد أن يفرغ ما في هذه الورقة أعمل لك غيره. فأخذ حسن الورقة، فرأى فيها شيئًا أصفر أنعَمَ من الأول، فقال: يا سيدي، ما اسم هذا؟ وأين يوجد؟ وفي أي شيء يعمل؟ فضحك الأعجمي وطمع في حسن وقال له: عن أي شيء تسأل؟ اعمل وأنت ساكت. وأخرَجَ طاسة من البيت وقطعها وألقاها في البودقة، ورمى عليها قليلًا من الذي في الورقة، فصارت سبيكة من الذهب الخالص.
فلما رأى حسن ذلك فرح فرحًا شديدًا، وصار متحيرًا في عقله مشغولًا بتلك السبيكة، فأخرج الأعجمي صرةً من رأسه بسرعة وقطعها ووضعها في قطعة من الحلوى وقال له: يا حسن، أنت بقيتَ ولدي وصرتَ عندي أعزَّ من روحي ومالي، وعندي بنت أزوِّجُكَ بها. فقال حسن: أنا غلامك، ومهما فعلتَه معي كان عند الله تعالى. فقال الأعجمي: يا ولدي، طوِّلْ بالك وصبِّرْ نفسك فيحصل لك الخير. ثم ناوَلَه القطعة الحلوى، فأخذها وقبَّلَ يده ووضعها في فمه وهو لا يعلم ما له في الغيب، ثم بلع القطعة الحلوى فسبقت رأسه رجلَيْه، وغاب عن الدنيا؛ فلما رآه الأعجمي وقد حلَّ به البلاء، فرح فرحًا شديدًا وقام على أقدامه، وقال له: وقعتَ يا علق يا كلب العرب، لي أعوام كثيرة أفتِّش عليك حتى حصلتُك يا حسن. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.