فلما كانت الليلة ٧٢٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما أتت عند ابن الملك وأخبرته بما جرى لها مع الملكة حياة النفوس، وأنها تنزل البستان اليوم الفلاني، قالت له: هل فعلت ما أمرتك به من قضية بواب البستان؟ وهل وصل إليه شيء من إحسانك؟ قال لها: نعم، إنه صار صديقي وطريقه طريقي وفي خاطره لو يكون لي إليه حاجة. ثم أخبرها بما جرى له من أمر الوزير وتصويره المنام الذي رأته بنت الملك، وخبر الصياد والشَّرَك والجارح، فلما سمعت العجوز هذا الكلام فرحت فرحًا شديدًا ثم قالت: بالله عليك أن تجعل وزيرك في وسط قلبك، فإن فعله يدل على رجاحة عقله؛ ولأنه أعانك على بلوغ مرادك، فانهض يا ولدي من ساعتك وادخل الحمام والبس أفخر الثياب، فما بقي لنا حيلة أكبر من هذه، واذهب إلى البواب واعمل عليه حيلة حتى يمكنك من بياتك في البستان، فلو أُعطِي ملْءَ الأرض ذهبًا ما يمكِّن أحدًا من الدخول في البستان، فإذا دخلت فاختفِ حتى لا تراك العيون، ولا تزل مختفيًا حتى تسمعني أقول: يا خفي الألطاف أمِّنَّا ممَّا نخاف. فاخرج من خبائك وأظهِرْ حُسْنك وجمالك، وتوارَ في الأشجار فإن حسنك يخجل الأقمار حتى تنظرك الملكة حياة النفوس وتملأ قلبها وجوارحها بهواك، فتبلغ قصدك ومناك ويذهب همك. قال الغلام: سمعًا وطاعة. وأخرج صرة فيها ألف دينار فأخذتها منه ومضت، وخرج ابن الملك من وقته وساعته ودخل الحمام وتنعم ولبس أفخر الثياب من لباس الملوك الأكاسرة، وتوشح بوشاحٍ قد جمع فيه من أصناف الجواهر المثمنة، وتعمم بعمامة منسوجة بشرائط الذهب الأحمر مكللة بالدر والجوهر، وقد توردت وجنتاه واحمرت شفتاه، وغازلت أجفانه الغزلان وهو يتمايل كما النشوان، وعمه الحسن والجمال وفضح الأغصان قوامه الميال، ثم إنه حطَّ في جيبه كيسًا فيه ألف دينار وسار إلى أن أقبل على البستان ودق بابه، فأجابه البواب وفتح له الباب، فلما نظره فرح فرحًا شديدًا وسلَّم عليه أفخر السلام، ثم إنه وجد ابن الملك عابس الوجه فسأله عن حاله، فقال له: اعلم أيها الشيخ، أني عند والدي مكرم ولا وضع يده عليَّ إلا في هذا اليوم، فوقع بيني وبينه كلام فشتمني ولطمني على وجهي وبالعِصِيِّ ضربني وطردني، فصرت لا أعرف صديقًا، فخفت من غدر الزمان وأنت تعرف أن غضب الوالدين ما هو قليل، وقد حضرت إليك يا عم، فإن والدي بك خبير وأريد من إحسانك أن أقيم في البستان إلى آخر النهار، وأبيت فيه إلى أن يصلح الله الشأن بيني وبين والدي.
فلما سمع كلامه توجع لما جرى له من والده، فقال له: يا سيدي، اتأذن لي أن أروح إلى والدك وأدخل عليه وأكون سببًا في الصلح بينك وبينه؟ قال له الغلام: يا عم، إن والدي له أخلاق لا تطاق ومتى عارضته في الصلح وهو في حرارة خلقه لا يرجع إليك. قال الشيخ: سمعًا وطاعة، ولكن يا سيدي امشِ معي إلى بيني فأبيتك بين أولادي وعيالي ولا ينكر أحد علينا. فقال له الغلام: يا عم، ما أقيم إلا وحدي في حالة الغيظ. فقال الشيخ: يعز عليَّ أن تنام وحدك في البستان وأنا لي بيت. قال: يا عم، لي في ذلك غرض حتى يزول العارض عني، وأنا أعلم أن في هذا الأمر رضاه، فيعطف عليَّ خاطره. قال له الشيخ: فإن كان ولا بد فإني أحضر لك فراشًا تنام عليه وغطاء تتغطَّى به. قال له: يا عم، لا بأس بذلك. فنهض الشيخ وفتح له باب البستان وأحضر له الفرش والغطاء، والشيخ لا يعلم أن بنت الملك تريد الخروج إلى البستان.
هذا ما كان من أمر ابن الملك، وأما ما كان من أمر الداية، فإنها لما ذهبت إلى بنت الملك وأخبرتها بأن الأثمار طابت على أشجارها، قالت لها: يا دايتي، انزلي معي إلى البستان لتتفرجي في غدٍ إن شاء الله تعالى، ولكن أرسلي إلى الحارس وعرفيه أننا في غد نكون عنده في البستان، فأرسلت له الداية أن الملكة تكون عنده غدًا في البستان، وأنه لا يترك في البستان سواقين ولا مرابعين، ولا يدع أحدًا من خلق الله أجمعين يدخل البستان. فلما جاءه الخبر من عند بنت الملك، أصلح المجاري واجتمع بالغلام وقال له: إن بنت الملك صاحبة هذا البستان، ويا سيدي لك المعذرة والمكان مكانك وأنا ما أعيش إلا في إحسانك، غير أن لساني تحت قدمي، فأعرفك أن الملكة حياة النفوس تريد الخروج إلى البستان غدًا في أول النهار، وقد أمرت أني لا أخلي أحدًا في البستان يراها، وأريد من فضلك أن تخرج من البستان في هذا النهار، فإن الملكة لم تقم فيه سوى هذا اليوم إلى العصر، ويصير لك مدة الشهور والدهور والأعوام. قال له: يا شيخ، لعلك حصل لك من جهتنا ضرر؟ قال: لا والله يا مولاي، ما حصل لي من جهتك إلا الشرف. فقال له الغلام: إن كان الأمر كذلك فما يحل لك من جهتنا إلا كل خير، فإني أختفي في هذا البستان ولا يراني أحد حتى تروح بنت الملك إلى قصرها. قال الخولي: يا سيدي، متى نظرت خيال بشر من خلق الله تعالى ضربت عنقي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.