فلما كانت الليلة ٧٨٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنات لما ركبْنَ ورُحْنَ إلى الصيد والقنص، تركْنَ أختهن الصغرى قاعدةً عند حسن في القصر، فلما بَعُدْنَ عن القصر عرفت أختهن أنهن قطعْنَ مسافة بعيدة، فأقبلت على أخيها وقالت له: يا أخي، قُمْ أَرِني هذا الموضع الذي رأيتَ فيه البنات. فقال: باسم الله على الرأس. وفرح بقولها وأيقَنَ ببلوغ مقصوده، ثم إنه أراد أن يقوم معها ويُرِيها المكان، فلم يقدر على المشي، فحملَتْه في حضنها وجاءت به إلى القصر، فلما صار فوقه أراها الموضع الذي رأى فيه البنات، وأراها المقعد وبِرْكة الماء، فقالت له أخته: صِفْ لي يا أخي حالَهن كيف جِئْنَ. فوصف لها ما رأى منهن، وخصوصًا البنت التي تعلَّقَ بها، فلما سمعت وصفَها عرفَتْها؛ فاصفرَّ وجهها وتغيَّرَ حالها، فقال لها: يا أختي، قد اصفرَّ وجهك، وتغيَّرَتْ حالتك. فقالت له: يا أخي، اعلم أن هذه الصَّبِية بنت ملك من ملوك الجان العِظَام الشأن، قد ملك أبوها إنسًا وجانًّا، وسَحَرة وكهَّانًا، وأرهاطًا وأعوانًا، وأقاليم وبلدانًا كثيرة، وأموالًا عظامًا، وأبونا نائب من جملة نوَّابه، فلا يقدر عليه أحد من كثرة عساكره، واتساع مملكته وكثرة ماله، وقد جعل لأولاده البنات اللاتي رأيتهن مسيرةَ سنة كاملة طولًا وعرضًا، وقد زاد على ذلك القُطْر نهرٌ عظيم محيط به، فلا يقدر أحد أن يصل إلى ذلك المكان لا من الإنس ولا من الجان، وله من البنات الضاربات بالسيوف الطاعنات بالرماح خمسةٌ وعشرون ألفًا، كلُّ واحدة منهن إذا ركبَتْ جوادها ولبست آلة حربها تقاوم ألف فارس من الشجعان، وله سبع من البنات فيهن من الشجاعة والفروسية ما في أخواتهن وأزيد، وقد ولَّى على هذا القطر الذي عرفتك به ابنته الكبرى، وهي أكبر أخواتها، وفيها من الشجاعة والفروسية والخداع والمكر والسحر ما تغلب به جميع أهل مملكتها. وأما البنات اللاتي معها فهن أرباب دولتها وأعوانها وخواصها من ملكها، وهذه الجلود الريش التي يَطِرْنَ بها إنما هي صنعة سَحَرة الجان، وإذا أردتَ أن تملك هذه الصَّبِية وتتزوَّج بها فاقعد هنا وانتظرها؛ لأنهن يحضرن على رأس كل شهر في هذا المكان، فإذا رأيتهن قد حضرْنَ فاختفِ، وإياك أن تظهر فتروح أرواحنا جميعًا، فاعرف الذي أقوله لك واحفظه في ذهنك، واقعد في مكان يكون قريبًا منهن، بحيث إنك تراهن وهن لا يَرَيْنَك، فإذا قلعْنَ ثيابَهن فأَلْقِ نظرك على الثوب الريش الذي هو للكبيرة التي في مرادك، وخذه ولا تأخذ شيئًا غيره، فإنه هو الذي يوصلها إلى بلادها، فإنك إذا ملكْتَه ملَكْتَها، وإياك أن تخدعك وتقول: يا مَن سرق ثوبي، ردَّه عليَّ وها أنا عندك وبين يديك وفي حوزتك. فإنك إنْ أعطيتَها إياه قتلَتْك وتخرب علينا القصور، وتقتل أبانا، فاعرف حالك كيف تكون. فإذا رأى أخواتها أن ثوبها قد سُرِق طِرْنَ وتركْنَها قاعدةً وحدها، فادخلْ عليها وامسكها من شعرها واجذبها، فإذا جذبتَها إليك فقد ملكتَها وصارت في حوزتك، فاحتفظ بعد هذا بالثوب الريش، فإنه ما دام عندك فهي في قبضتك وأَسْرِك؛ لأنها لا تقدر أن تطير إلى بلادها إلا به، فإذا أخذتَها فاحملها وانزل بها إلى مقصورتك، ولا تبيِّن لها أنك أخذتَ الثوب.
فلما سمع حسن كلام أخته، اطمأنَّ قلبه وسكن روعه وزال ما به من الألم، ثم انتصب قائمًا على قدمَيْه وقبَّلَ رأس أخته، وبعد ذلك قام ونزل من فوق القصر هو وأخته وناما ليلتهما وهو يعالج نفسه إلى أن أصبح الصباح. فلما طلعت الشمس قام وفتح الباب وطلع إلى فوق وقعد، ولم يزل قاعدًا إلى العشاء فطلعت له أخته بشيء من الأكل والشرب، وغيَّرَتْ ثيابه ونام، ولم تزل معه على هذه الحالة في كل يوم إلى أنْ هلَّ الشهر، فلما رأى الهلال صار يرتقبهم، فبينما هو كذلك وإذا بهن قد أقبلْنَ عليه مثل البرق، فلما رآهن اختفى في مكان بحيث يراهن وهن لا يَرَيْنَه، فنزلت الطيور وقعدت كل طيرة منهن في مكان وقطعن ثيابهن، وكذلك البنت التي يحبها، وكان ذلك في مكان قريب من حسن، ثم نزلت البحيرة مع أخواتها؛ فعند ذلك قام حسن ومشى قليلًا وهو مختفٍ وستر الله عليه، فأخذ الثوب ولم تنظره واحدة منهن، بل كنَّ يلعبْنَ مع بعضهن، فلما فرغْنَ طلعن ولبست كل واحدة منهن ثوبها الريش، فجاءت محبوبته لتلبس ثوبها فلم تجده، فصاحت ولطمت على وجهها وشقَّتْ ثيابها، فأقبل عليها أخواتها وسألْنَها عن حالها، فأخبرتهن أن ثوبها الريش قد فُقِد، فبكَيْنَ وصرخْنَ ولطَمْنَ على وجوههن، وحين أمسى عليهن الليل لم يقدرْنَ أن يقعدْنَ عندها، فتركنها فوق القصر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.