فلما كانت الليلة ٧٩١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسنًا قال لأخته: قصِّي عليهن قصتي فإني أستحي، ولا أقدر أن أقابلهن بهذا الكلام. فقالت أخته لهن: يا أخواتي، إننا لما سافرنا وخلينا هذا المسكن وحده، ضاق عليه القصر وخاف أن يدخل عليه أحد، وأنتن تعرفن أن عقول بني آدم خفيفة، ففتح الباب الموصل إلى سطح القصر حين ضاق صدره وصار منفردًا وحده، وطلع فوقه وقعد هناك، وأشرف على الوادي وصار يطلُّ على جهة الباب خوفًا أن يقصد أحدٌ القصرَ، فبينما هو جالس يومًا من الأيام وإذا بالعشر طيور قد أقبلْنَ عليه قاصدات القصر، ولم يزلْنَ سائرات حتى جلسْنَ على البحيرة التي فوق المنظرة، فنظر إلى الطيرة التي هي أحسنهن، وهي تنقرهن وما فيهن واحدة تقدر أن تمدَّ يدها إليها، ثم جعلْنَ مخالبهن في أطواقهن، فشققْنَ الثيابَ الريش وخرجن منها، وصارت كل واحدة منهن صبيةً مثل البدر ليلةَ تمامه، ثم خلعْنَ ما عليهن وحسن واقف ينظر إليهن، ونزلن الماء وصرن يلعبن والصَّبِية الكبيرة تغطسهن وليس منهن واحدة تقدر أن تمد يدها إليها، وهي أحسنهن وجهًا وأعدلهن قدًّا وأنظفهن لباسًا، ولم يزلْنَ على هذه الحالة إلى أن قَرُب العصر، ثم طلعن من البحيرة ولبسن ثيابهن ودخلْنَ في القماش الريش والتففْنَ فيه وطِرْنَ، فاشتغل فؤاده واشتعل قلبه بالنار من أجل الطيرة الكبيرة، وندم لأنه لم يسرق قماشها الريش، فمرض وأقام فوق القصر ينتظرها، فامتنع من الأكل والشرب والنوم، ولم يزل كذلك حتى لاح الهلال، فبينما هو قاعد وإذا بهن قد أقبلْنَ على عادتهن، فقلعْنَ ثيابهن ونزلن البحيرة، فسرق ثوبَ الكبيرة، فلما عرف أنها لم تقدر أن تطير إلا به أخذه وأخفاه خيفةَ أن يطلعن عليه فيقتلْنَه، ثم صبر حتى طرن، فقام وقبضها ونزل بها من فوق القصر.
فقلْنَ لها أخواتها: وأين هي؟ قالت لهن: هي عنده في المخدع الفلاني. فقلن: صِفِيها لنا يا أختي. فقالت: هي أحسن من القمر ليلةَ تمامه، ووجهُها أضوأ من الشمس، وريقها أحلى من الشراب، وقَدُّها أرشق من القضيب، ذاتُ طرفٍ أحور، ووجهٍ أقمر، وجبينٍ أزهر، وصدرٍ كأنه جوهر، ونهدين كأنهما رمانتان، وخدين كأنهما تفاحتان، وبطنٍ مَطْوِيِّ الأعكان، وسرةٍ كأنها حُقُّ عاجٍ بالمسك ملآن، وساقين كأنهما من المرمر عمودان، تأخذ القلوب بطَرفٍ كحيل، ودِقَّةِ خُصْرٍ نحيل، ورِدْفٍ ثقيل، وكلام يشفي الغليل، مليحة القوام، حسنة الابتسام كأنها بدر التمام.
فلما سمعت البنات هذه الأوصاف الْتَفَتْنَ إلى حسن وقلن له: أَرِنا إياها. فقام معهن وهو ولهان إلى أنْ أتى بهن إلى المخدع الذي فيه بنت الملك، وفتحه ودخل وهنَّ خلفه، فلما رأينها وعايَنَّ جمالها، قبَّلْنَ الأرضَ بين يديها، وتعجَّبْنَ من حُسْن صورتها وظرْفِ معانيها، وسلَّمْنَ عليها وقلن لها: والله يا بنت الملك الأعظم إن هذا شيء عظيم، ولو سمعتي بوصف هذا الإنسي عند النساء لَكنتِ تتعجَّبِين منه طول دهرك، وهو متعلق بك غاية التعلُّق، إلا أنه يا بنت الملك لم يطلب فاحشةً، وما طلبك إلا في الحلال، ولو علمنا أن البنات تستغني عن الرجال لَكنَّا منعناه عن مطلوبه، مع أنه لم يرسل إليك رسولًا بل أتى إليك بنفسه، وأخبرنا أنه أحرق الثوب الريش، وإلا كنا أخذناه منه. ثم إن واحدة من البنات اتفقت هي وإياها وتوكَّلَتْ في العقد، وعقدت عقدها على حسن، وصافَحَها ووضع يده في يدها وزوَّجَتْها له بإذنها، وعملْنَ في فرحها ما يصلح لبنات الملوك، وأدخلَتْه عليها، فقام حسن وفتح الباب وكشف الحجاب وفضَّ ختمها، وتزايدت محبته فيها، وتعاظَمَ وَجْدُه شغفًا بها، وحيث حصل مطلوبه هنَّأ نفسه وأنشد هذه الأبيات:
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.