فلما كانت الليلة ٧٢٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ لما قال للغلام: إن بنت الملك متى رأت خيال بشر ضربت عنقي. قال له الغلام: أنا ما أخلي أحدًا يراني جملة كافية، ولا شك أنك اليوم مقصِّر في النفقة على العيال. ومدَّ يده إلى الكيس وأخرج منه خمسمائة دينار وقال له: خذ هذا الذهب وأنفقه على عيالك، فيطيب قلبك من جهتهم. فلما نظر الشيخ إلى الذهب هانت عليه نفسه، وأكَّدَ على ابن الملك في عدم الظهور في البستان، ثم تركه جالسًا.
هذا ما كان من أمر الخولي وابن الملك، وأما ما كان من أمر بنت الملك، فإنه لما كان بكرة النهار دخل عليها خدامها، فأمرت بفتح باب السر الموصل إلى البستان الذي فيه القصر، ولبسَتْ حلة كسروية مرصَّعة باللؤلؤ والدر والجوهر، ولبسَتْ حلةً ومن تحتها قميص لطيف مرصع بالياقوت، ومن تحت الجميع ما يعجز عن وصفه اللسان ويتحيَّر فيه الجنان، وفي هواه يشجع الجبان، ومن فوق رأسها تاج من الذهب الأحمر مرصَّع بالدر والجوهر، وهي تخطر في قبقاب من اللؤلؤ الرطب مصوغ من الذهب الأحمر مرصَّع بالفصوص والمعادن، وجعلت يدها على كتف العجوز، وأمرت بالخروج من باب السر. وإذا بالعجوز قد نظرت البستان فوجدته قد امتلأ من الخدم والجواري، وهن يأكلن الثمار ويعكرن الأنهار، ويردن التمتُّع باللعب والفرجة في هذا النهار، فقالت للملكة: إنك صاحبة العقل الوافر والفطنة الكاملة، وأنت تعلمين أنك غير محتاجة لهذه الخدم في البستان، ولو كنت خارجة من قصر أبيك لكان سيرهم معك احترامًا لك، ولكنك يا سيدتي طالعة من باب السر إلى البستان بحيث لا يراك أحدٌ من خلق الله تعالى. قالت لها: لقد صدقتِ يا دايتي، فكيف يكون العمل؟ ثم قالت لها العجوز: اؤمري الخدام أن ترجع، وما أخبرك بهذا إلا احترامًا للملك. فأمرت الخدام بالرجوع. قالت الداية: بقي بقية من الخدام الذين يبغون في الأرض الفساد، فاصرفيهم ولا تدعي معك غير جاريتين من الجواري لننشرح معهما. فلما نظرتها الداية قد صفى قلبها وراق لها الوقت قالت: الآن قد تفرجنا فرجة مليحة، فقومي بنا الآن إلى البستان. فقامت بنت الملك وجعلت يدها على كتف الداية وخرجت من باب السر، وجاريتاها يمشيان قدامها وهي تضحك عليهما وتتمايل في غلائلها، والداية تمشي قدامها وتريها الأشجار وتطعمها من الأثمار، وهي تروح من مكان إلى مكان.
ولم تزل سائرة بها إلى أن وصلت إلى ذلك القصر، فلما نظرته الملكة رأته جديدًا، فقالت: يا دايتي، أَمَا تنظرين هذا القصر قد عمرت أركانه وابيضت حيطانه؟ قالت الداية: والله يا سيدتي إني سمعت كلامًا، وهو أن جماعة من التجار أخذ منهم الخولي قماشًا وباعه، وأخذ بثمنه طوبًا وجيرًا وجبسًا وحجرًا وغير ذلك، فسألته ما فعل بذلك، فقال لي: عمرت به القصر الذي كان داثرًا. ثم قال الشيخ: إن التجار طالبوني بحقهم الذي لهم عليَّ فقلت: حتى تنزل بنت الملك إلى البستان وتنظر العمارة وتعجبها، فإذا طلعت أخذت منها ما تتفضَّل به عليَّ وأعطيهم حقهم الذي لهم. فقلت له: ما حملك على ذلك؟ قال: رأيته قد وقع وتهدمت أركانه وتقشر بياضه، وما رأيت لأحد مروءة أن يعمره، فاقترضت في ذمتي وعمرته، وأرجو من ابنة الملك أن تعمل ما هي أهله. فقلت له: إن ابنة الملك كلها خير وعوض. وما فعل هذا كله إلا طمعًا في إحسانك. قالت بنت الملك: والله لقد بناه عن مروءة وفَعَل فِعْل الأجواد، ولكن نادي لي الخازندارة. فنادت الداية الخازندارة فحضرت في الحال عند ابنة الملك، فأمرتها أن تعطي الخولي ألفَيْ دينار، فأرسلت العجوز رسولًا إلى الخولي، فلما وصل إليه الرسول قال له: واجب عليك امتثال أمر الملكة.
فلما سمع الخولي من الرسول هذا الكلام، ارتعدت مفاصله وضعفت قوته وقال في نفسه: لا شك أن ابنة الملك نظرت الغلام ولا يكون هذا اليوم عليَّ إلا أشأم الأيام. فخرج حتى وصل إلى داره وأعلم زوجته وأولاده بذلك، وأوصى وودَّعهم فتباكوا عليه، ثم إنه تمشى إلى أن وقف بين يدي ابنة الملك ووجهه مثل الكركم وهو يكاد أن يسقط من طوله، فعلمت العجوز منه ذلك، فأدركته بكلامها وقالت: يا شيخ، قبِّلِ الأرض شكرًا لله تعالى وابتهِلْ بالدعاء للملكة، فقد أعلمتها بما فعلتَ من عمارة القصر الداثر، ففرحت بذلك وقد أنعمت عليك في نظير ذلك بألفَيْ دينار، فاقبضهما من الخازندارة وادعُ لها وقَبِّلِ الأرض بين يديها وارجع إلى حالك. فلما سمع الخولي ذلك الكلام من الداية، قبض الألفَيْ دينار وقبَّل الأرض بين يدي ابنة الملك ودعا لها، ثم عاد إلى منزله وفرحت عياله به ودعوا لمَن كان سببًا في هذا الأمر كله. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.