فلما كانت الليلة ٧٩٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حسنًا لما أراد السفر إلى البنات، وصَّى أمه على زوجته حسب ما ذكرنا، وكانت زوجته بالأمر المقدَّر تسمع كلامَه لأمه، وهما لا يعرفان ذلك. ثم إن حسنًا قام وخرج إلى خارج المدينة ودقَّ الطبل، فحضرت له النجائب فحمل عشرين من تحف العراق وودَّع والدته وزوجته وأولاده، وكان عُمْر واحدٍ من ولدَيْه سنةً، وعُمْر الآخَر سنتين. ثم إنه رجع إلى والدته وأوصاها ثانيًا، ثم إنه ركب وسافر إلى أخواته، ولم يزل مسافرًا ليلًا ونهارًا في أودية وجبال وسهول وأوعار مدةَ عشرة أيام، وفي اليوم الحادي عشر وصل إلى القصر ودخل على أخواته ومعه الذي أحضَرَه إليهن، فلما رأَيْنَه فرحْنَ به وهنَّأْنَه بالسلامة، وأما أخته فإنها زيَّنت القصر ظاهره وباطنه. ثم إنهن أخذن الهدية وأنزلنه في مقصورة مثل العادة، وسألْنَه عن والدته وعن زوجته، فأخبرهن أنها ولدَتْ منه ولدين. ثم إن أخته الصغيرة لما رأته طيبًا بخير فرحت فرحًا شديدًا وأنشدت هذا البيت:
ثم إنه أقام عندهن في الضيافة والكرامة مدةَ ثلاثة أَشْهُر، وهو في فرح وسرور وغِبْطة وحبور وصيد وقنص. هذا ما كان من حديثه، وأما ما كان من حديث أمه وزوجته، فإنه لما سافَرَ حسن أقامت زوجته يومًا وثانيًا مع أمه، وقالت لها في اليوم الثالث: سبحان الله، هل أقعد معه ثلاث سنين ما أدخل الحمام؟ وبكَتْ، فرَّقت أمه لحالها وقالت لها: يا بنتي، نحن هنا غرباء وزوجك ما هو في البلد، فلو كان حاضرًا كان يقوم بخدمتك، أما أنا فلا أعرف أحدًا، ولكن يا بنتي أسخن لك الماء وأغسل رأسك في حمام البيت. فقالت لها: يا سيدتي، لو قلتِ هذا القولَ لبعض الجواري كانت طلبت البيع في السوق وما كانت تقعد عندكم، ولكن يا سيدتي إن الرجال معذورون، فإن عندهم غيرة وعقولهم تقول لهم: إن المرأة إذا خرجَتْ من بيتها ربما تعمل فاحشةً، والنساء يا سيدتي ما كلهن سواء، وأنتِ تعرفين أن المرأة إذا كان لها غرض في شيءٍ، ما يغلبها أحدٌ ولا يقدر أن يحرص عليها ولا يصونها ولا يمنعها من الحمام ولا غيره، ولا من أن تعمل كل ما تختاره. ثم إنها بكت ودعت على نفسها، وصارت تعدِّد على نفسها وغربتها، فرقَّتْ لحالها أمُّ زوجها وعلمت أن كل ما قالته لا بد منه، فقامت وهيَّأَتْ حوائج الحمام التي يحتاجان إليها، وأخذتها وراحت إلى الحمام.
فلما دخلتا الحمام قلعتا ثيابهما، فصار النساء جميعًا ينظرْنَ إليها ويسبِّحْنَ الله عز وجل، ويتأمَّلْنَ فيما خلق من الصورة البهية، وصار كلُّ مَن جاز من النساء على الحمام يدخل ويتفرَّج عليها، وشاع في البلد ذِكْرها وازدحم النساء عليها، وصار الحمام لا ينشق من كثرة النساء اللاتي فيه؛ فاتفق بسبب ذلك الأمر العجيب أنه حضر إلى الحمام في ذلك اليوم جاريةٌ من جواري أمير المؤمنين هارون الرشيد يقال لها تحفة العوادة، فرأت النساء في زحمة والحمام لا ينشق من كثرة النساء والبنات، فسألت عن الخبر فأخبرْنَها بالصَّبِية، فجاءت عندها ونظرت إليها وتأمَّلت فيها، فتحيَّرَ عقلها من حُسْنها وجمالها، وسبَّحت الله جل جلاله على ما خلق من الصور المِلَاح، ولم تدخل ولم تغتسل وإنما صارت قاعدةً وباهتةً في الصَّبِية إلى أن فرغت الصَّبِية من الغسل وخرجت لبست ثيابها، فزادت حُسْنًا على حُسْنها. فلما خرجت من الحرارة قعدت على البساط والمساند، وصارت النساء ناظرات إليها، فالتفتَتْ إليهن وخرجت، فقامت تحفة العوادة جارية الخليفة وخرجت معها حتى عرفت بيتها وودَّعتها ورجعت إلى قصر الخليفة، وما زالت سائرة حتى وصلت بين أيادي السيدة زبيدة وقبَّلت الأرض بين يديها، فقالت السيدة زبيدة: يا تحفة، ما سبب إبطائك في الحمام؟ فقالت: يا سيدتي، رأيتُ أعجوبة ما رأيتُ مثلها في الرجال ولا في النساء، وهي التي شغلتني وأدهشت عقلي وحيَّرتني، حتى إنني ما غسلت رأسي. فقالت: وما هي يا تحفة؟ قالت: يا سيدتي، رأيت جاريةً في الحمام معها ولدان صغيران كأنهما قمران ما رأى أحد مثلها، لا قبلها ولا بعدها، وليس مثل صورتها في الدنيا بأسرها، وحقِّ نعمتك يا سيدتي إنْ عرَّفتِ بها أمير المؤمنين قتل زوجها وأخذها منه؛ لأنه لا يوجد مثلها واحدة من النساء، وقد سألتُ عن زوجها فقالوا إن زوجها رجل تاجر اسمه حسن البصري، وتبعتُها من الحمام إلى أن دخلت بيتها، فرأيته بيت الوزير الذي له بابان؛ باب من جهة البحر وباب من جهة البر، وأنا أخاف يا سيدتي أن يسمع بها أمير المؤمنين فيخالف الشرع ويقتل زوجها ويتزوَّج بها. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.