فلما كانت الليلة ٧٩٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جارية أمير المؤمنين لما رأت زوجة حسن البصري ووصفت حُسْنها للسيدة زبيدة، قالت: يا سيدتي، إني أخاف أن يسمع بها أمير المؤمنين فيخالف الشرع ويقتل زوجها ويتزوَّج بها. فقالت السيدة زبيدة: ويلك يا تحفة، هل بلغَتْ هذه الجارية من الحُسْن والجمال أن أمير المؤمنين يبيع دينه بدنياه ويخالف الشَّرْعَ لأجلها؟ والله لا بد لي من النظر إلى هذه الصبية، فإن لم تكن كما ذكرتِ أمرتُ بضرب عنقك يا فاجرة، إن في سراية أمير المؤمنين ثلاثمائة وستين جاريةً بعدد أيام السنة، ما فيهن واحدة بالصفات التي تذكرينها. فقالت: يا سيدتي، لا والله ولا في بغداد بأسرها مثلها، بل ولا في العجم، ولا في العرب، ولا خلَقَ الله عزَّ وجل مثلَها. فعند ذلك دعَتِ السيدة زبيدة بمسرور، فحضر وقبَّلَ الأرض بين يدَيْها، فقالت له: يا مسرور، اذهبْ إلى دار الوزير التي ببابين؛ باب على البحر وباب على البر، وَائْتِ بالصبية التي هناك هي وأولادها والعجوز التي عندها بسرعة ولا تُبطِئْ. فقال مسرور: السمع والطاعة.
ثم خرج من بين يدَيْها وسار حتى وصل إلى باب الدار، فطرق الباب فخرجَتْ له العجوز أم حسن، وقالت: مَنْ بالباب؟ فقال لها: مسرور خادم أمير المؤمنين. ففتحَتِ الباب ودخل، فسلَّمَ عليها وسلَّمت عليه وسألته عن حاجته، فقال لها: إن السيدة زبيدة بنت القاسم زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد السادس من بني العباس عمِّ النبي ﷺ تدعوكِ إليها أنتِ وزوجة ابنكِ وأولادها، فإن النساء أخبَرْنَها عنها وعن حُسْنها. فقالت أم حسن: يا مسرور، نحن ناس غرباء، وزوج البنت ولدي وما هو في البلد، ولم يأمرني بالخروج أنا ولا هي لأحدٍ من خلق الله تعالى، وأنا أخاف أن يجري أمر ويحضر ولدي فيقتل روحه، فمن إحسانك يا مسرور ألَّا تكلِّفنا ما لا نطيق. فقال مسرور: يا سيدتي، لو علمتُ أن في هذا خوفًا عليكم ما كلَّفْتُكم الرواح، وإنما مرادُ السيدة أن تنظرها وترجع، فلا تخالفي تندمي، وكما آخذكم أردكم إلى هنا سالمين إنْ شاء الله تعالى. فما قدرت أم حسن أن تخالفه، فدخلت وهيَّأت الصَّبِية وأخرجتها هي وأولادها، وساروا خلف مسرور وهو قدامهم إلى قصر الخليفة، فطلع بهم حتى أوقَفَهم قدام السيدة زبيدة؛ فقبَّلوا الأرض بين يديها ودَعَوْا لها، والصَّبِيةُ مستورة الوجه، فقالت لها السيدة زبيدة: أَمَا تكشفين عن وجهك لأنظره؟ فقبَّلَتِ الصَّبِية الأرضَ بين يديها وأسفرَتْ عن وجهٍ يُخجِل البدر في أفق السماء، فلما نظرتها السيدة زبيدة شخصت إليها وسرحت فيها البصر، وأضاء القصر من نورها وضوء وجهها، واندهشَتْ زبيدة من حُسْنها، وكذلك كلُّ مَن في القصر، وصار كلُّ مَن رآها مجنونًا لا يقدر أن يكلِّمَ أحدًا.
ثم إن السيدة زبيدة قامت وأوقفت الصبية وضمَّتْها إلى صدرها وأجلستها معها على السرير، وأمرت أن يزيِّنوا القصر، ثم أمرت بأن يحضروا لها بدلةً من أفخر الملبوس، وعقدًا من أنفس الجواهر، وألبسَتِ الصبية إياهما وقالت لها: يا سيدة الملاح، إنك أعجبتِني وملأت عيني، أيُّ شيء عندك من الذخائر؟ فقالت الصبية: يا سيدتي، لي ثوب ريش لو لبستُه بين يديك لَرأيتِ من أحسن الصنائع ما تتعجبين منه، ويتحدث بحُسْنه كلُّ مَن يراه جيلًا بعد جيل. فقالت: وأين ثوبك هذا؟ قالت: هو عند أم زوجي فاطلبيه لي منها. فقالت السيدة زبيدة: يا أمي، بحياتي عندك أن تنزلي وتأتي لها بثوبها الريش حتى تفرِّجنا على الذي تعمله وخذيه ثانيًا. فقالت العجوز: يا سيدتي، هذه كذَّابة، هل رأينا أحدًا من النساء له ثوب من الريش؟ فهذا لا يكون إلا للطيور. فقالت الصَّبِية للسيدة زبيدة: وحياتك يا سيدتي، لي عندها ثوب ريش وهو في صندوق مدفون في الخزانة التي في الدار. فقلعَتِ السيدة زبيدة من عنقها عقدَ جوهر يساوي خزائنَ كسرى وقيصر، وقالت لها: يا أمي، خذي هذا العقد. وناولتها إياه وقالت لها: بحياتي أن تنزلي وتأتي بذلك الثوب لنتفرَّج عليه، وخذيه بعد ذلك. فحلفت لها أنها ما رأت هذا الثوب ولا تعرف له طريقًا، فصرخت السيدة زبيدة على العجوز وأخذت منها المفتاح، ونادت مسرورًا فحضر فقالت له: خُذْ هذا المفتاح واذهب إلى الدار، وافتحها وادخل الخزانة التي بابها كذا وكذا، وفي وسطها صندوق فأطلعه واكسره، وهات الثوب الريش الذي فيه، وأَحْضِره بين يدي. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.