فلما كانت الليلة ٧٩٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أم حسن صارت تبكي آناء الليل وأطراف النهار لفراق ولدها وزوجته وأولاده. هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر ولدها حسن، فإنه لما وصل إلى البنات حلفن عليه أن يقيم عندهن ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك جهَّزْنَ له المال وهيَّأْنَ له عشرة أحمال؛ خمسة من الذهب، وخمسة من الفضة، وهيَّأْنَ له من الزاد حملًا واحدًا، وسفَّرْنَه وخرجْنَ معه، فحلف عليهن أن يرجعْنَ، فأقبلْنَ على عناقه من أجل التوديع، فتقدَّمت إليه البنت الصغيرة وعانَقَتْه وبكَتْ حتى غُشِيَ عليها، وأنشدت هذين البيتين:
ثم تقدَّمت البنت الثانية وعانقته، وأنشدت هذين البيتين:
ثم تقدَّمت الثالثة وعانقته، وأنشدت هذين البيتين:
ثم تقدَّمت البنت الرابعة وعانقته، وأنشدت هذين البيتين:
ثم تقدَّمت البنت الخامسة وعانقته، وأنشدت هذين البيتين:
ثم تقدَّمت البنت السادسة وعانقته، وأنشدت هذين البيتين:
ثم تقدَّمت البنت السابعة وعانقته، وأنشدت هذين البيتين:
ثم إن حسنًا ودَّعهن وبكى إلى أن غُشِي عليه بسبب فراقهم، وأنشَدَ هذه الأبيات:
ثم إنه جَدَّ في المسير ليلًا ونهارًا حتى وصل إلى بغداد دار السلام وحرم الخلافة العباسية، ولم يَدْرِ بالذي جرى بعد سفره، فدخل الدار على والدته ليسلِّم عليها، فرآها قد انتحل جسمها ورقَّ عظمها من كثرة النوح والسهر والبكاء والعويل، حتى صارت مثل الخلال، ولم تقدر أن تردَّ الكلام، فصرف النجائب وتقدَّمَ إليها، فلما رآها على تلك الحالة قام في الدار وفتَّشَ على زوجته وعلى أولاده، فلم يجد لهم أثرًا، ثم إنه نظر في الخزانة فوجدها مفتوحة والصندوق مفتوحًا، ولم يجد فيه الثوب؛ فعند ذلك عرف أنها تمكَّنت من الثوب الريش وأخذته وطارت، وأخذت أولادها معها، فرجع إلى أمه فرآها قد أفاقت من غشيتها، فسألها عن زوجته وعن أولاده، فبكت وقالت: يا ولدي، عظَّمَ الله أجرك فيهم، وهذه قبورهم الثلاثة. فلما سمع كلام أمه صرخ صرخةً عظيمة، وخرَّ مَغْشِيًّا عليه، واستمر كذلك من أول النهار إلى الظهر، فازدادت أمه غمًّا على غمها، وقد يئست من حياته، فلما أفاق بكى ولطم على وجهه، وشقَّ ثيابه وصار دائرًا في الدار متحيِّرًا، ثم إنه أنشد هذين البيتين:
فلما فرغ من شعره أخذ سيفه وسَلَّه، وجاء إلى أمه وقال لها: إنْ لم تُعلِميني بحقيقة الحال ضربتُ عنقكِ وقتلتُ روحي. فقالت له: يا ولدي، لا تفعل ذلك وأنا أخبرك. ثم قالت له: أغمِدْ سيفك واقعدْ حتى أحدِّثَك بالذي جرى. فلما أغمَدَ سيفه وجلس إلى جانبها أعادت عليه القصة من أولها إلى آخِرها، وقالت له: يا ولدي، لولا أني رأيتها بكَتْ على طلب الحمَّام، وخفتُ منك أن تجيء وتشكو إليك فتغضب عليَّ، ما كنتُ ذهبت بها إليه، ولولا أن السيدة زبيدة غضبت عليَّ وأخذت مني المفتاح قهرًا ما كنتُ أخرجت الثوب، ولو كنتُ أموت. ويا ولدي، أنت تعرف أن يد الخلافة لا تطاولها يد، فلما أحضروا لها الثوب أخذته وقلَّبته وكانت تظن أنه فُقِد منه شيء، فوجدته لم يُصِبْه شيءٌ، ففرحت وأخذت أولادها وشدَّتْهم في وسطها، ولبست الثوب الريش بعدما قلعت لها السيدة زبيدة كلَّ ما عليها إكرامًا لها ولجمالها، فلما لبست الثوب الريش انتفضت وصارت طيرة، ومشت في القصر وهم ينظرون إليها ويتعجبون من حُسْنها وجمالها، ثم طارت وصارت فوق القصر، وبعد ذلك نظرت إليَّ وقالت لي: إذا جاء ولدك وطالت عليه ليالي الفراق، واشتهى القُرْبَ مني والتلاق، وهزَّتْه أرياح المحبة والأشواق، فَلْيفارِقْ وطنه ويذهب إلى جزائر واق. هذا ما كان من حديثها في غيبتك. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.