فلما كانت الليلة ٧٩٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن البنات لما قلنَ لحسن: امدُدْ يدك إلى السماء، فإنْ وصلَتْ إليها تصل إلى زوجتك وأولادك. جرَتْ دموعه على خديه مثل المطر حتى بلت ثيابه، وأنشَدَ هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره بكى وبكت البنات لبكائه، وأخذتهن الشفقة والغيرة عليه، وصِرْنَ يتلطَّفْنَ به ويصبِّرْنَه ويدعِينَ له بجمع الشمل، فأقبلَتْ عليه أخته وقالت له: يا أخي، طِبْ نفسًا وقرَّ عينًا، واصبر تبلغ مرادك، فمَنْ صبَرَ وتأنَّى نالَ ما تمنَّى، والصبر مفتاح الفرج؛ فقد قال الشاعر:
ثم قالت له: قوِّ قلبك واشدُدْ عزمك، فإن ابن عشرة لا يموت وهو في تسعة، والبكاء والغم والحزن تمرض وتسقم، واقعد عندنا حتى تستريح، وأنا أتحيَّلُ لك في الوصول إلى زوجتك وأولادك إنْ شاء الله تعالى. فبكى بكاءً شديدًا وأنشَدَ هذين البيتين:
ثم جلس إلى جانب أخته وصارت تحدِّثه وتسليه وتسأله عن الذي كان سببًا في رواحها، فأخبرها عن سبب ذلك، فقالت له: والله يا أخي إني أردتُ أن أقول لك أحرق الثوبَ الريش، فأنساني الشيطان ذلك. وصارت تحدِّثه وتلاطفه، فلما طال عليه الأمر وزاد به القلق، أنشد هذه الأبيات:
فلما نظرت أخته إلى ما هو فيه من الوَجْد والهيام، وتباريح الهوى والغرام، قامت إلى أخواتها وهي باكية العين حزينة القلب، وبكت بين أيديهن ورمَتْ نفسها عليهن، وقبَّلت أقدامهن وسألتهن مساعدةَ أخيها على قضاء حاجته، واجتماعه بأولاده وزوجته، وعاهدتهن على أن يدبِّرْنَ أمرًا يوصله إلى جزائر واق. وما زالت تبكي بين يدي أخواتها حتى أبكتهن وقلن لها: طيبي قلبك، فإننا مجتهدات في اجتماعه بأهله إن شاء الله. ثم إنه أقام عندهن سنةً كاملة وعينه لم تُمسِك عن الدموع، وكان لأخواته عمٌّ أخو والدهن شقيقه، وكان اسمه عبد القدوس، وكان يحب البنت الكبيرة محبةً كثيرة، وكان في كل سنة يزورها مرة واحدة ويقضي حوائجها، وكانت البنات قد حدَّثْنَه بحديث حسن وما وقع له مع المجوسي، وكيف قدر على قتله، ففرح عمهن بذلك ودفع للبنت الكبيرة صرَّةً فيها بخور، وقال لها: يا بنت أخي، إذا أهَمَّكِ أمرٌ ونالَكِ مكروهٌ، أو عرضَتْ لكِ حاجة، فأَلْقِي هذا البخورَ في النار واذكريني فإني أحضر لك بسرعةٍ وأقضي حاجتك. وكان هذا الكلام في أول يوم من السنة، فقالت تلك البنت لبعض أخواتها: إن السنة مضَتْ بتمامها وعمي لم يحضر، قومي اقدحي الزناد وائتيني بعلبة البخور. فقامت البنت وهي فرحانة وأحضرت علبة البخور وفتحَتْها وأخذت منها شيئًا يسيرًا وناوَلَتْه لأختها، فأخذته ورَمَتْه في النار وذكرت عمها، فما فرغ البخور إلا وغبرة قد ظهرت من صدر الوادي، ثم بعد ساعة انكشف الغبار فبانَ من تحته شيخ راكب على فيل وهو يصيح من تحته، فلما نظرَتْه البنات صار يشير إليهن بيدَيْه ورجلَيْه، ثم بعد ساعة وصل إليهن فنزل عن الفيل ودخل عليهن، فعانقْنَه وقبَّلْنَ يديه وسلَّمْنَ عليه، ثم إنه جلس وصارت البنات يتحدَّثن معه ويسألنه عن غيابه، فقال: إني كنتُ في هذا الوقت جالسًا أنا وزوجة عمكن فشممتُ البخور، فحضرتُ إليكن على هذا الفيل، فما تريدين يا بنت أخي؟ فقالت: يا عم، إننا اشتقنا إليكَ وقد مضَتِ السنةُ، وما عادتك أن تغيب عنَّا أكثرَ من سنة. فقال لهن: إني كنتُ مشغولًا وكنتُ عزمت على أن أحضر إليكن غدًا. فشكرَنْه ودعَوْنَ له وقعَدْنَ يتحدَّثن معه. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.