فلما كانت الليلة ٨٠١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ عبد القدوس لما أعطى حسنًا الكتابَ أعلَمَه بما يتحصل له وقال له: إنَّ كل مَن خاطَرَ بنفسه أهلَكَ نفسَه، فإن كنتَ تخاف على نفسك فلا تُلْقِ بها إلى الهلاك، وإن كنتَ لا تخاف فدونك وما تريد، فقد بيَّنْتُ لك الأمورَ، وإنْ شئتَ الرواح لصواحبك فهذا الفيل حاضر، فإنه يسير بك إلى بنات أخي وهنَّ يوصلْنَك إلى بلادك ويردُدْنَك إلى وطنك، ويرزقك الله خيرًا من هذه البنت التي تعلَّقتَ بها. فقال حسن للشيخ: وكيف تطيب لي الحياة من غير أن أبلغ مرادي؟ والله إني لا أرجع أبدًا حتى أبلغ حبيبتي أو تدركني منيتي. ثم بكى وأنشد هذه الأبيات:
فلما سمع الشيخ عبد القدوس إنشادَه وكلامه، علِمَ أنه لا يرجع عن مراده، وأن الكلام لا يؤثِّر فيه، وتيقَّنَ أنه لا بد أن يخاطِرَ بنفسه ولو تَلِفَتْ مهجته، فقال: اعلم يا ولدي أن جزائر واق سبعُ جزائر، فيها عسكر عظيم، وذلك العسكر كله بنات أبكار، وسكان الجزائر الجوانية شياطين ومَرَدَة وسَحَرَة وأرهاط مختلفة، وكل مَن دخل أرضهم لا يرجع، وما وصل إليهم أحد قطُّ ورجع، فبالله عليك أن ترجع إلى أهلك من قريب، واعلم أن البنت التي قصدتَها بنتُ مَلِكِ هذه الجزائر كلها، وكيف تقدر أن تصل إليها؟ فاسمع مني يا ولدي، ولعل الله يعوِّضك خيرًا منها. فقال حسن: والله يا سيدي، لو قُطِّعتُ في هواها إربًا إربًا، ما ازددتُ إلا حبًّا وطربًا، ولا بد من رؤية زوجتي وأولادي، والدخول في جزائر واق، وإن شاء الله تعالى ما أرجع إلا بها وبأولادي. فقال له الشيخ عبد القدوس: حينئذٍ لا بد لك من السفر؟ فقال: نعم، وإنما أريد منك الدعاء بالإسعاف والإعانة، لعل الله يجمع شملي بزوجتي وأولادي عن قريب. ثم بكى من عِظَم شوقه، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ حسن من شعره بكى بكاءً شديدًا حتى غُشِيَ عليه، فلما أفاق قال له الشيخ عبد القدوس: يا ولدي، إن لك والدةً فلا تُذِقْها ألمَ فقْدِكَ. فقال حسن للشيخ: والله يا سيدي ما بقيت أرجع إلا بزوجتي أو تدركني منيتي. ثم بكى وناح، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره علم الشيخ أنه لا يرجع عمَّا هو فيه، ولو ذهبَتْ روحه، فناوَلَه الكتاب ودَعَا له وأوصاه بالذي يفعله، وقال له: إني قد أكَّدتُ لك في الكتاب على أبي الرويش بن بلقيس بنت معين، فهو شيخي ومعلمي، وجميع الإنس والجن يخضعون له ويخافون منه. ثم قال له: توجَّهْ على بركة الله. فتوجَّهَ وأرخى عِنان الحصان، فطار به أسرع من البرق، ولم يزل حسنٌ مسرعًا بالحصان مدة عشرة أيام، حتى نظر أمامه شبحًا عظيمًا أسود من الليل قد سدَّ ما بين المشرق والمغرب، فلما قَرُب حسنٌ منه صهل الحصان تحته، فاجتمعَتْ خيول كثيرة مثل المطر لا يُحصَى لها عدد، ولا يُعرَف لها مدد، وصارت تتمسح في الحصان، فخاف حسن منها وفَزِع، ولم يزل سائرًا والخيول حوله إلى أن وصل إلى المغارة التي وصَفَها له الشيخ عبد القدوس، فوقف الحصان على بابها، فنزل حسن من فوقه ووضع عِنانه في سرجه، فدخل الحصان المغارةَ ووقف حسنٌ على الباب كما أمره الشيخ عبد القدوس، وصار متفكِّرًا في عاقبة أمره كيف تكون، حيران وَلْهان لا يعلم الذي يجري له. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.