فلما كانت الليلة ٨٠٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت لحسن: إن زوجتك في الجزيرة السابعة، وهي الجزيرة الكبيرة من جزائر واق، ومسافة ما بيننا وبينها سبعة أشهر، فإننا نسير من هنا إلى أرض الطيور، ومن شدة طيرانها وخفقان أجنحتها لا يسمع بعضنا كلام بعض، ثم نسير في تلك الأرض مدة أحد عشر يومًا ليلًا ونهارًا، ثم بعد ذلك نخرج منها إلى أرضٍ يقال لها أرض الوحوش، فمن شدة صياح السباع والضباع والوحوش وعيِّ الذئاب وزئير الأسود، لا نسمع شيئًا، فنسير في تلك الأرض مدة عشرين يومًا، ثم نخرج منها إلى أرضٍ يقال لها أرض الجن، فمن شدة صياح وصعود النيران، وتطاير الشرار والدخان من أفواههم، وتصاعُد زفراتهم وتمرُّدهم؛ يسدون الطريق قدامنا، وتُصَمُّ آذانُنا وتُغشَى أبصارنا، حتى لا نسمع ولا نرى، ولا يمكن أن يلتفت منَّا أحد إلى خلفه فيهلك، ويضع الفارس في ذلك المكان رأسه على قربوص سرجه ولا يرفعها مدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك يقابلنا جبل عظيم ونهر جارٍ متصلان بجزائر واق، واعلم يا ولدي أن جميع هذا العسكر بنات أبكار، والحاكم علينا من الملوك امرأة من جزائر واق السبع، ومسيرة تلك السبع جزائر سنة كاملة للراكب المُجِدِّ في السير، وعلى شاطئ هذا النهر جبل يُسمَّى جبل واق، وهذا الاسم علم على شجرة أغصانها تُشبِه رءوس بني آدم، فإذا طلعت عليها الشمس تصيح تلك الرءوس جميعًا وتقول في صياحها: واق واق سبحان الملك الخلَّاق. فإذا سمعنا صياحها نعلم أن الشمس قد طلعت، وكذلك إذا غربت الشمس تصيح تلك الرءوس وتقول في صياحها أيضًا: واق واق سبحان الملك الخلَّاق. فنعلم أن الشمس قد غربت، ولا يقدر أحد من الرجال أن يقيم عندنا ولا يصل إلينا ولا يطأ أرضنا، وبيننا وبين الملكة التي تحكم على هذه الأرض مسافة شهر من هذا البر، وجميع الرعية التي في ذلك البر تحت يد تلك الملكة، وتحت يدها أيضًا قبائل الجان المَرَدَة والشياطين، وتحت يدها من السَّحَرَة ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم، فإنْ كنتَ تخاف أرسلتُ معك مَن يوصلك إلى الساحل، وأجيء بالذي يحملك معه في مركب ويوصلك إلى بلادك، وإنْ كان يطيب على قلبك الإقامة معنا فلا أمنعك، وأنت عندي في عيني حتى تقضي حاجتك إنْ شاء الله تعالى. فقال لها: يا سيدتي، ما بقيت أفارقك حتى أجتمع بزوجتي أو تذهب روحي. فقالت له: هذا أمر يسير، فطيِّب قلبك وسوف تصل إلى مطلوبك إن شاء الله تعالى، ولا بد أن أُطلِع الملكة عليك حتى تكون مُساعِدةً لك على بلوغ قصدك. فدَعَا لها حسن وقبَّلَ يدَيْها ورأسها، وشكَرَها على فعلها وفرط مروءتها، وسار معها وهو متفكِّر في عاقبة أمره وأهوال غربته، فصار يبكي وينتحب وجعل ينشد هذه الأبيات:
ثم إن العجوز أمرَتْ بدق طبل الرحيل، وسار العسكر وسار حسن صحبةَ العجوز وهو من الغرق في بحر الأفكار يتضجر وينشد الأشعار، والعجوز تصبِّره وتسليه، وهو لا يفيق ولا يعي ما إليه تُلقِيه، ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى أول جزيرة من الجزائر السبع وهي جزيرة الطيور، فلما دخلوها ظنَّ حسن أن الدنيا قد انقلبَتْ من شدة الصياح، وأوجعَتْه رأسه، وطاش عقله، وعمي بصره، وانسدَّتْ أُذُنَاه، وخاف خوفًا شديدًا وأيقن بالموت، وقال في نفسه: إذا كانت هذه أرض الطيور، فكيف تكون أرض الوحوش؟ فلما رأَتْه العجوز المسمَّاة بشواهي على هذه الحالة، ضحكت عليه وقالت له: يا ولدي، إذا كان هذا حالك من أول جزيرة، فكيف بك إذا وصلتَ إلى بقية الجزائر؟ فسأل الله وتضرَّعَ إليه، وطلب منه أن يُعِينه على ما بلاه به، وأن يبلغه مناه.
ولم يزالوا سائرين حتى قطعوا أرض الطيور، وخرجوا منها ودخلوا في أرض الجان، فلما رآها حسن خاف وندم على دخوله فيها معهم، ثم استعان بالله تعالى وسار معهم، فعند ذلك خلصوا من أرض الجان ووصلوا إلى النهر، فنزلوا تحت جبل عظيم شاهق ونصبوا خيامهم على شاطئ النهر، ووضعت العجوز لحسن دكةً من المرمر، مرصَّعةً بالدرر والجوهر، وسبائك الذهب الأحمر، على جنب النهر فجلس عليها، وتقدَّمت العساكر فعرضتهم عليه، ثم بعد ذلك نصبوا خيامهم حوله واستراحوا ساعة، ثم أكلوا وشربوا وناموا مطمئنين؛ لأنهم وصلوا إلى بلادهم، وكان حسن واضعًا على وجهه لثامًا بحيث لا يظهر منه غير عينيه، وإذا بجماعة من البنات مشَيْنَ إلى قرب خيمة حسن، ثم قلعن ثيابهن ونزلن في النهر، فصار حسن ينظر إليهن وهن يغتسلن، فصرن يلعبن وينشرحن ولا يعلمن أنه ناظرٌ إليهن؛ لأنهن ظنَنَّ أنه من بنات الملوك؛ فاشتدَّ على حسن وتره حيث كان ينظر إليهن وهن مجرَّدات من ثيابهن، وقد رأى ما بين أفخاذهن أنواعًا مختلفة، ما بين ناعم مقبقب وسمين مربرب، وغليظ المشافر وكامل وبسيط ووافر، ووجوههن كالأقمار، وشعورهن كلَيْلٍ على نهار؛ لأنهن من بنات الملوك. ثم إن العجوز نصبت له سريرًا وأجلسَتْه فوقه، فلما خلصن طلعن من النهر وهن متجردات كالقمر ليلة البدر، وقد اجتمع جميع العسكر قدام حسن؛ لأن العجوز أمرَتْ أن يُنادَى في جميع العسكر أن يجتمعن قدام خيمته ويتجرَّدْنَ من ثيابهن، وينزلن في النهر ويغتسلن فيه، لعل زوجته أن تكون فيهن فيعرفها، وصارت العجوز تسأله عنهن طائفة بعد طائفة فيقول: ما هي في هؤلاء يا سيدتي. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.