فلما كانت الليلة ٨٠٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز كانت تسأل حسنًا عن البنات طائفةً بعد طائفةٍ، لعله يعرف زوجته من بينهن، وكلما سألته عن طائفة يقول: ما هي في هؤلاء يا سيدتي. ثم بعد ذلك تقدَّمَتْ جارية في آخِر الناس، وفي خدمتها ثلاثون خادمة كلهن نواهد أبكار، فنزعْنَ ثيابهن ونزلن معها في النهر، فصارت تتدلل عليهن وترميهن في البحر وتغطسهن، ولم تزل معهن على هذا الحال ساعة زمانية، ثم طلعن من النهر وقعدن، فقدَّمْنَ إليها مناشف من حرير مزركشة بالذهب، فأخذتها وتنشفت بها، ثم قدَّمْنَ إليها ثيابًا وحللًا وحليًّا من عمل الجن، فأخذتها ولبستها وقامت تخطر بين العسكر هي وجواريها، فلما رآها حسن طار قلبه وقال: هذه أشبه الناس بالطيرة التي رأيتُها في البحيرة في قصر أخواتي البنات، وكانت تتدلل على أتباعها مثلها. فقالت العجوز: يا حسن، هل هذه زوجتك؟ فقال: لا وحياتك يا سيدتي ما هذه زوجتي، ولا عمري رأيتها، وما في جميع البنات التي رأيتهن في هذه الجزيرة مثل زوجتي، ولا مثل قدِّها واعتدالها وحُسْنها وجمالها. فقالت: صِفْها لي وعرِّفني بجميع أوصافها حتى تكون في ذهني، فإني أعرف كل بنت في جزائر واق؛ لأني نقيبة عسكر البنات والحاكمة عليهن، وإنْ وصفتَها لي عرفتُها وتحيَّلت لك في أخذها. فقال لها حسن: إن زوجتي صاحبة وجه مليح وقَدٍّ رجيح، أسيلة الخد قائمة النهد، دعجاء العينين ضخمة الساقين، بيضاء الأسنان حلوة اللسان، ظريفة الشمائل كأنها غصن مائل، بديعة الصفة حمراء الشفة، بعيون كحال وشفايف رقاق، على خدها الأيمن شامة، وعلى بطنها من تحت سرتها علامة، وجهها منير كقمر مستدير، وخصرها نحيل وردفها ثقيل، وريقها يشفي العليل كأنه الكوثر أو السلسبيل. فقالت العجوز: زِدْني في أوصافها بيانًا زادَكَ الله فيها افتتانًا. فقال لها حسن: إن زوجتي ذات وجه جميل، وخد أسيل، وعنق طويل، وطرف كحيل، وخدود كالشقيق، وفم كخاتم عقيق، وثغر لامع البريق، يُغنِي عن الكأس والإبريق، قد ركبت في هيكل اللطافة، وبين فخذيها تخت الخلافة، ما مثل حرمه بين المشاعر، كما قال في حقه الشاعر:
ثم بكى حسن وغنَّى بهذا الموال:
فأطرقت العجوز برأسها إلى الأرض ساعةً من الزمان، ثم رفعت رأسها إلى حسن وقالت: سبحان الله العظيم الشأن، إني بُلِيت بك يا حسن، فيا ليتني ما كنتُ عرفتُك؛ لأن المرأة التي وصفتَها لي هي زوجتك بعينها، فإني قد عرفتُها بصفاتها، وهي بنت الملك الأكبر الكبيرة التي تحكم على جزائر واق بأسرها، فافتحْ عينك وتدبَّرْ أمرك، وإنْ كنتَ نائمًا فانتبه، فإنه لا يمكنك الوصول إليها أبدًا، وإنْ وصلتَ إليها لا تقدر على تحصيلها؛ لأن بينك وبينها مثل ما بين السماء والأرض، فارجع يا ولدي من قريب ولا ترمِ نفسك في الهلاك وترميني معك، فإني أظن أنه ليس لك فيها نصيب، وارجعْ من حيث أتيتَ لئلا تروح أرواحنا. وخافت على نفسها وعليه. فلما سمع حسن كلامَ العجوز بكى بكاءً شديدًا حتى غُشِيَ عليه، فما زالَتِ العجوز ترش على وجهه الماء حتى أفاق من غشيته، وصار يبكي حتى بلَّ ثيابه بالدموع من عِظَم ما لحقه من الهم والغم من كلام العجوز، وقد يئس من الحياة، ثم قال للعجوز: يا سيدتي، وكيف أرجع بعد أن وصلتُ إلى هنا؟ وما كنتُ أظن في نفسي أنكِ تعجزين عن تحصيل غرضي، خصوصًا وأنت نقيبة عسكر البنات والحاكمة عليهن؟ فقالت: بالله عليك يا ولدي أن تختار لك بنتًا من هؤلاء البنات، وأنا أعطيك إياها عوضًا عن زوجتك لئلا تقع في يد الملوك، فلا يبقى لي في خلاصك حيلة، فبالله عليك أن تسمع مني وتختار لك واحدة من هؤلاء البنات غير تلك البنت، وترجع إلى بلادك من قريب سالمًا، ولا تجرعني غصتك، والله لقد رميتَ نفسك في بلاء عظيم وخطر جسيم لا يقدر أحد أن يخلِّصَك منه. فعند ذلك أطرَقَ حسن رأسه وبكى بكاءً شديدًا، وأنشد هذه الأبيات:
وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.