فلما كانت الليلة ٨١٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة قالت: إني أحلف بالله، وأقسم جميع الأقسام أنها إنْ طلعت زوجته لا أمنعه من أخذها، بل أساعده على أخذها وعلى سفرها معه إلى بلاده. فوَثِقت العجوز بكلامها، ولم تعلم بما أضمرَتْه في نفسها، وقد أضمرت العاهرةُ في نفسها أنها إنْ لم تكن زوجته ولا أولادها يشبهونه تقتله. ثم إن الملكة قالت للعجوز: يا أمي، إن صدق حزري تكون زوجته أختي منار السنا، والله أعلم، فإن هذه الصفات صفاتها، وجميع الأوصاف التي ذكرها من الجمال البارع والحسن الباهر لا توجد في أحدٍ غير أخواتي، خصوصًا الصغيرة. ثم إن العجوز قبَّلَتْ يدها ورجعت إلى حسن وأعلمَتْه بما قالته الملكة، فطار عقله من الفرح وقام إلى العجوز وقبَّلَ رأسها، فقالت له: يا ولدي، لا تقبِّلْ رأسي وقبِّلني في فمي، واجعل هذه القبلة حلاوةَ السلامة، وطِبْ نفسًا وقرَّ عينًا، ولا يكن صدرك إلا منشرحًا، ولا تستكره تقبيلي في فمي؛ فإني أنا السبب في اجتماعك بها، فطيِّبْ قلبك وخاطرك ولا تكن إلا منشرح الصدر، قرير العين، مطمئن النفس. ثم ودَّعته وانصرفت، فأنشد حسن هذين البيتين:
ثم أنشد أيضًا هذين البيتين:
ثم إن العجوز حملت سلاحها وأخذت معها ألفَ فارس حاملين السلاح، وتوجَّهت إلى تلك الجزيرة التي فيها أخت الملكة، وسارت إلى أن وصلت إلى أخت الملكة، وكان بين مدينة نور الهدى وبين مدينة أختها ثلاثة أيام، فلما وصلت شواهي إلى المدينة وطلعت إلى أخت الملكة منار السنا، سلَّمَتْ عليها وبلَّغتها السلام من أختها نور الهدى، وأخبرتها باشتياقها إليها وإلى أولادها، وعرَّفَتْها أن الملكة نور الهدى تعتب عليها بسبب عدم زيارتها إياها، فقالت لها الملكة منار السنا: الحقُّ عليَّ لأختي، وأنا مقصِّرة بعدم زيارتي لها ولكن أزورها الآن. ثم أمرت بتبريز خيامها إلى خارج المدينة، وأخذت لأختها معها ما يصلح لها من الهدايا والتحف. ثم إن الملك أباها نظر من طيقان القصر فرأى الخيام منصوبةً، فسأل عن ذلك، فقالوا له: إن الملكة منار السنا نصبت خيامها بتلك الطريق؛ لأنها تريد زيارة أختها نور الهدى. فلما سمع الملك بذلك جهَّزَ لها عسكرًا يوصلها إلى أختها، وأخرَجَ من خزائنه من الأموال ومن المأكل والمشرب ومن التحف والجواهر، ما يعجز عنه الوصف، وكانت بنات الملك السبع أشِقَّاء من أب واحد وأم واحدة إلا الصغيرة، وكان اسم الكبيرة نور الهدى، والثانية نجم الصباح، والثالثة شمس الضحى، والرابعة شجرة الدر، والخامسة قوت القلوب، والسادسة شرف البنات، والسابعة منار السنا، وهي الصغيرة فيهن وهي زوجة حسن، وكانت أختهن من أبيهن فقط. ثم إن العجوز تقدَّمت وقبَّلت الأرض بين يدَيْ منار السنا، فقالت لها منار السنا: هل لكِ حاجة يا أمي؟ فقالت لها: إن الملكة نور الهدى أختكِ تأمرك أن تغيِّري لولَدَيْكِ وتُلبِسيهما الدرعَيْن اللذين فصَّلتهما لهما، وأن تُرسِليهما معي إليها، فآخذهما وأسبق بهما وأكون المبشِّرة بقدومك عليها. فلما سمعت منار السنا كلامَ العجوز أطرقت رأسها إلى الأرض وقد تغيَّرَ لونها، ولم تَزَلْ مُطرِقةً زمانًا طويلًا، ثم حرَّكَتْ رأسها ورفعتها إلى العجوز وقالت لها: يا أمي، قد ارتجَفَ فؤادي وخفق قلبي عندما ذكرتِ ولَدَيَّ، فإنهما من حين ولادتهما لم ينظر أحدٌ وجهَيْهما من الجن والبشر، لا أنثى ولا ذكر، وأنا أغارُ عليهما من النسيم إذا سرى. فقالت لها العجوز: أي شيء هذا الكلام يا سيدتي؟! أتخافين عليهما من أختك؟ وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.