فلما كانت الليلة ٨١٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة نور الهدى لما أمرَتِ العجوز بإحضار حسن، قالت لها: إنه قاسَى الأهوال والشدائد، وتعدَّى أسباب الموت التي همُّها متزايد، مع أنه إلى الآن لم يسلم من شرب كأسه وقطع أنفاسه. فقالت لها العجوز: إذا أحضرتُه بين يديك، فهل تجمعين بينه وبينهما؟ وإنْ لم يظهر أنهما ولداه تعفي عنه وتردِّيه إلى بلاده؟ فلما سمعت الملكة كلامها غضبت غضبًا شديدًا وقالت: ويلك يا عجوز النحس! إلى متى هذه المخادعة في شأن هذا الرجل الغريب الذي تجاسَرَ علينا، وكشَفَ سترنا، واطَّلَع على أحوالنا؟ هل يظن أنه يجيء أرضنا، وينظر وجوهنا، ويوسِّخ أعراضنا، ويرجع إلى بلاده سالمًا؟ فيفضح أحوالنا في بلاده وبين أهله، وتبلغ أخبارنا سائرَ الملوك في أقطار الأرض، وتسافر التجار بأخبارنا في جميع الجهات، ويقولون: إِنْسِيٌّ دخل جزائر واق، وعدَّى بلاد السَّحَرَة والكَهَنَة، وتخطَّى أرض الجان وأرض الوحوش والطيور ورجع سالمًا؟ فهذا لا يكون أبدًا، وأنا أقسم بخالق السماء وبانيها، وساطح الأرض وداحيها، وخالق الخلق ومُحصِيها، إنْ لم يكونا ولدَيْه لَأقتلَنَّه، وأنا التي أضرب عنقه بيدي. ثم إنها صرخت على العجوز فوقعت من الخوف، وأغرَتْ عليها الحاجب وعشرين مملوكًا وقالت لهم: امضوا مع هذه العجوز وائتوني بالصبي الذي عندها في بيتها بسرعة. فخرجت العجوز مجرورة مع الحاجب والمماليك، وقد اصفرَّ لونها وارتعدَتْ فرائصها، ثم سارت إلى منزلها ودخلت على حسن، فلما دخلت عليه قام إليها وقبَّلَ يدَيْها وسلَّمَ عليها، فلم تسلِّم عليه وقالت له: قُمْ كلِّمِ الملكةَ، أَمَا قلتُ لكَ ارجع إلى بلادك ونهيتُكَ عن هذا كله فما سمعتَ قولي؟ وقلتُ لك أعطيك شيئًا لا يقدر عليه أحد وارجع إلى بلادك من قريب، فما أطعتَني ولا سمعتَ مني، بل خالَفْتَني واخترت الهلاك لي ولك، فدونك وما اخترت، فإن الموت قريب، قُمْ كلِّمْ هذه الفاجرة العاهرة الظالمة الغاشمة. فقام حسن وهو مكسور الخاطر، حزين القلب خائف ويقول: يا سلام سلِّم، اللهم الطُفْ بي فيما قدَّرْتَه عليَّ من بلائك، واسترني يا أرحم الراحمين. وقد يَئِسَ من الحياة وتوجَّهَ مع العشرين مملوكًا والحاجب والعجوز، فدخلوا على الملكة بحسن، فوجد ولدَيْه ناصرًا ومنصورًا جالسَيْن في حجرها وهي تلاعبهما وتؤنسهما، فلما وقع نظره عليهما عرفهما، وصرخ صرخة عظيمة ووقع على الأرض مغشيًّا عليه من شدة الفرح بولدَيْه. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.