فلما كانت الليلة ٨١٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة نور الهدى لما تحقَّقَتْ أن الصغيرين ولدا حسن، وأن أختها منار السنا زوجته التي جاء في طلبها، غضبَتْ عليها غضبًا شديدًا ما عليه من مزيدٍ، وصرخت في وجه حسنٍ فغُشِي عليه، فلما أفاق من غشيته أنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ حسن من شعره خرَّ مغشيًّا عليه، فلما أفاق رآهم قد أخرجوه مسحوبًا على وجهه، فقام يمشي ويتعثَّر في أذياله، وهو لا يصدِّق بالنجاة ممَّا قاساه منها، فعزَّ ذلك على العجوز شواهي ولم تقدر أن تخاطِبَ الملكة في شأنه من قوة غضبها، فلما خرج حسن من القصر صار متحيِّرًا لا يعرف أين يروح ولا أين يجيء ولا أين يذهب، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يجد مَن يحدِّثه ويؤانِسُه، ولا مَن يسلِّيه ولا مَن يستشيره، ولا مَن يقصده ويلجأ إليه، فأيقَنَ بالهلاك؛ لأنه لا يقدر على السفر، ولا يعرف مَن يسافر معه، ولا يعرف الطريقَ ولا يقدر أن يجوز على وادي الجان وأرض الوحوش وجزائر الطيور؛ فيَئِسَ من الحياة، ثم بكى على نفسه حتى غُشِي عليه، فلما أفاق تفكَّرَ أولادَه وزوجتَه وقدومها على أختها، وتفكَّرَ فيما يجري لها مع الملكة أختها، ثم ندم على حضوره في هذه الديار، وعلى كونه لم يسمع كلامَ أحدٍ، فأنشد هذه الأبيات:
ثم إنه لما فرغ من شعره لم يزل ذاهبًا إلى أن خرج إلى ظاهر المدينة، فوجَدَ النهرَ فسار على جانبه وهو لا يعلم أين يتوجَّهُ.
هذا ما كان من أمر حسن، وأما ما كان من أمر زوجته منار السنا، فإنها أرادَتِ الرحيلَ في اليوم الثاني بعد اليوم الذي رحلت فيه العجوز، فبينما هي عازمة على الرحيل، إذ دخل عليها حاجب الملك أبيها وقبَّلَ الأرضَ بين يدَيْها. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.