فلما كانت الليلة ٨١٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن منار السنا بينما هي عازمة على الرحيل، إذ دخل عليها حاجب الملك أبيها وقبَّلَ الأرض بين يدَيْها وقال لها: يا ملكة، إن أباكِ الملك الأكبر يسلِّم عليك ويدعوك إليه. فنهضَتْ متوجِّهةً مع الحاجب إلى أبيها تنظر حاجته، فلما رآها أبوها أجلَسَها إلى جانبه فوق السرير، وقال لها: يا بنتي، اعلمي أني رأيتُ في هذه الليلة رؤيَا وأنا خائفٌ عليك منها، وخائفٌ أن يصل لك من سفرك هذا همٌّ طويل. فقالت له: لأي شيء يا أبتي؟ وأي شيء رأيتَ في المنام؟ قال: رأيتُ كأني دخلتُ كنزًا، فرأيتُ فيه أموالًا عظيمة وجواهر ويواقيت كثيرة، وكأنه لم يعجبني من ذلك الكنز جميعه ولا من تلك الجواهر جميعها إلا سبع حبَّاتٍ، وهي أحسن ما فيه، فاخترتُ من السبع جواهر واحدةً وهي أصغرها وأحسنها وأعظمها نورًا، وكأني أخذتُها في كفي لما أعجبني حُسْنَها وخرجتُ بها من الكنز، فلما خرجتُ من بابه فتحتُ يدي وأنا فرحان وقبَّلْتُ الجوهرةَ، وإذا بطائر غريب قد أقبَلَ من بلاد بعيدة ليس من طيور بلادنا قد انقضَّ عليَّ من السماء، وخطف الجوهرة من يدي ورجع بها إلى المكان الذي أتيتُ بها منه، فلحقني الهمُّ والحزنُ والضيقُ، وفزعت فزعًا عظيمًا أيقظني من المنام، فانتبهْتُ وأنا حزين متأسِّف على تلك الجوهرة، فلما انتبهت من النوم دعوْتُ بالمعبِّرين والمفسِّرين وقصَصْتُ عليهم منامي، فقالوا لي: إن لك سبعَ بناتٍ تفقدُ الصغيرةَ منهن، وتُؤخَذ منك قهرًا بغير رضاك. وأنتِ يا بنتي أصغر بناتي وأعزهن عندي وأكرمهن عليَّ، وها أنت مسافرة إلى أختك، ولا أعلم ما يجري عليك منها، فلا تروحي وارجعي إلى قصرك. فلما سمعت منار السنا كلامَ أبيها خفَقَ قلبها وخافت على ولدَيْها، وأطرقت برأسها إلى الأرض ساعةً، ثم رفعَتْه إلى أبيها وقالت له: أيها الملك، إن الملكة نور الهدى قد هيَّأَتْ لي ضيافةً، وهي في انتظار قدومي عليها ساعة بعد ساعة، ولها أربع سنين ما رأتني، وإنْ قعدتُ عن زيارتها تغضب عليَّ، ومعظم قعودي عندها شهر زمان وأحضر عندك، ومَن هذا الذي يطرق بلادنا ويصل إلى جزائر واق؟ ومَن يقدر أن يصل إلى الأرض البيضاء والجبل الأسود ويصل إلى جزيرة الكافور وقلعة الطيور؟ وكيف يقطع وادي الطيور، ثم وادي الوحوش، ثم وادي الجان، ثم يدخل جزائرنا؟ ولو دخل إليها غريب لَغرق في بحار الهلكات، فطِبْ نفسًا وقرَّ عينًا من شأن سفري، فإنه لا قدرةَ لأحدٍ على أن يدوس أرضنا. ولم تزل تستعطفه حتى أنعَمَ عليها بالإذن في المسير. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.