فلما كانت الليلة ٨١٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنها لم تزل تستعطفه حتى أنعَمَ عليها بالإذن في المسير، ثم إنه أمَرَ ألفَ فارس أن يسافروا معها ليوصلوها إلى النهر، ثم يُقِيموا مكانهم حتى تصل إلى مدينة أختها فتدخل قصر أختها، وأمرهم أن يُقِيموا عندها حتى يأخذوها ويحضروا بها إلى أبيها، وأوصاها أبوها أن تقعد عند أختها يومين ثم تعود بسرعة، فقالت: سمعًا وطاعة. ثم إنها نهضت وخرجت وخرج معها أبوها وودَّعَها، وقد أثَّرَ كلامُ أبيها في قلبها، فخافت على أولادها، ولا ينفع التحصُّن بالحذر من هجوم القدر، فجَدَّتْ في السير ثلاثةَ أيام بلياليها حتى وصلت إلى النهر وضربَتْ خيامَها على ساحله، ثم عدَّتِ النهرَ ومعها بعض غلمانها وحاشيتها ووزرائها، ولما وصلت إلى مدينة الملكة نور الهدى طلعت القصر ودخلت عليها، فرأَتْ ولدَيْها يبكون عندها ويصيحون: يا أبانا. فجرَتِ الدموع من عيونها وبكَتْ، ثم ضمَّتْ ولدَيْها إلى صدرها وقالت لهما: هل رأيتما أباكما؟ فلا كانت الساعة التي فارقته فيها، ولو عرفتُ أنه في دار الدنيا لَكنتُ وصلتكما إليه. ثم ناحَتْ على نفسها وعلى زوجها وعلى بكاء ولدَيْها، وأنشدت هذه الأبيات:
فلما رأتها أختها قد ضمَّتْ ولدَيْها وقالت: أنا التي فعلْتُ بنفسي وبولديَّ هكذا وأخربت بيتي. فلم تسلِّم عليها أختها نور الهدى، بل قالت لها: يا عاهرة، من أين لكِ هذان الولدان؟ هل تزوَّجْتِ بغير علم أبيك أو زَنَيْتِ؟ فإنْ كنتِ زَنَيْتِ وجَبَ تنكيلُكِ، وإنْ كنتِ تزوَّجْتِ من غير علمنا، فلأي شيء فارقْتِ زوجَكِ وأخذتِ ولدَيْكِ وفرَّقْتِ بينهما وبين أبيهما وجئت بلادنا؟ وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.