فلما كانت الليلة ٨٢١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن حسنًا لما قرأ الورقة أيقَنَ بالنجاة من الشدة، وتحقَّقَ الظفر بجمع الشمل، ثم قام ومشى خطوتين فوجد نفسه وحيدًا في موضعٍ ذي خطر، ولم يكن عنده أحد يؤانسه، فبكى بكاءً شديدًا، وأنشد الأشعار التي ذكرناها، ثم مشى على جانب النهر خطوتين، فوجد ولدَيْن صغيرين من أولاد السَّحَرَة والكهان، وبين أيديهما قضيب من النحاس منقوش بالطلاسم، وبجانب القضيب طاقية من الأدم بثلاثة تروك منقوش عليها بالبولاد أسماء وخواتم، والقضيب والطاقية مرميان على الأرض والولدان يختصمان ويتضاربان عليهما حتى سال الدم بينهما، وهذا يقول: ما يأخذ القضيب إلا أنا. والآخَر يقول: ما يأخذ القضيب إلا أنا. فدخل حسن بينهما وخلَّصهما من بعضهما وقال لهما: ما سبب هذه المخاصمة؟ فقالَا له: يا عم احكمْ بيننا، فإن الله تعالى ساقَكَ إلينا لتقضي بيننا بالحق. فقال: قُصَّا عليَّ حكايتكما وأنا أحكم بينكما. فقالَا له: نحن الاثنان أخوان شقيقان، وكان أبونا من السَّحَرة الكبار، وكان مُقِيمًا في مغارة في هذا الجبل، ثم مات وخلَّفَ لنا هذه الطاقية وهذا القضيب، وأخي يقول: ما يأخذ القضيب إلا أنا. وأنا أقول: ما يأخذه إلا أنا. فاحكمْ بيننا وخلِّصنا من بعضنا. فلما سمع حسن كلامهما قال لهما: ما الفرق بين القضيب والطاقية؟ وما مقدارهما؟ فإن القضيبَ بحسب الظاهر يساوي ستةَ جدد، والطاقية تساوي ثلاثةَ جدد. فقالَا له: أنت ما تعرف فضلهما. فقال لهما: أي شيء فضلهما؟ قالَا له: في كلٍّ منهما سرٌّ عجيب، وهو أن القضيب يساوي خراجَ جزائر واق بأقطارها، والطاقية كذلك. فقال لهما حسن: يا ولديَّ، بالله اكشفَا لي عن سرهما. فقالَا له: يا عم إن سرهما عظيم؛ لأن أبانا عاش مائة وخمسًا وثلاثين سنة يعالج تدبيرهما حتى أحكمهما غايةَ الإحكام، وركَّبَ فيهما السرَّ المكنون، واستخدمهما الاستخدامات الغريبة ونقشهما على مثل الفلك الدائر، وحلَّ بهما جميعَ الطلسمات، وعندما فرغ من تدبيرهما أدركه الموت الذي لا بد لكلِّ أحدٍ منه؛ فأما الطاقية فإن سرها أن كلَّ مَن وضعها على رأسه اختفى عن أعين الناس جميعًا، فلا ينظره أحد ما دامت على رأسه، وأما القضيب فإن سرَّه أن كلَّ مَن ملكه يحكم على سبع طوائف من الجن، والجميع يخدمون ذلك القضيب، فكلهم تحت أمره وحكمه، وكلُّ مَن ملكه وصار في يده إذا ضرب به الأرض خضعت له ملوكها، وتكون جميع الجن في خدمته.
فلما سمع حسنٌ هذا الكلام أطرَقَ برأسه إلى الأرض ساعةً، ثم قال في نفسه: والله إنني لَمنصور بهذا القضيب وبهذه الطاقية إن شاء الله تعالى، فإنا أحقُّ بهما منهما، ففي هذه الساعة أتحيَّل على أخذهما منهما لأستعينَ بهما على خلاصي وخلاص زوجتي وأولادي من هذه الملكة الظالمة، ونسافر من هذا المكان المُظلِم الذي ما لأحد من الإنس خلاص منه ولا مفر، ولعل الله ما ساقني لهذين الغلامين إلا لأستخلص منهما القضيبَ والطاقية.
ثم رفع رأسه إلى الغلامين وقال لهما: إنْ شئتمَا فَصْلَ القضية فأنا امتحنكما، فمَن غلب رفيقه يأخذ القضيب ومَن عجز يأخذ الطاقية، فإن امتحنتكما وميَّزْتُ بينكما عرفتُ ما يستحقُّه كلٌّ منكما. فقالَا له: يا عم، وكَّلْنَاكَ في امتحاننا، والحكم بيننا بما تختار. فقال لهما حسن: هل تسمعان مني وترجعان إلى قولي؟ فقالَا له: نعم. فقال لهما حسن: أنا آخذ حجرًا وأرميه فمَن سبق منكما إليه وأخذه قبل رفيقه يأخذ القضيب، ومَن تأخَّرَ ولم يلحقه يأخذ الطاقية. فقالَا: قبلنا منكَ هذا الكلام ورضينا به. ثم إن حسنًا أخذ حجرًا ورماه بعزمه فغاب عن العيون، فتسارَعَ الغلامان نحوه، فلما بَعُدَا أخَذَ حسن الطاقية ولبسها، وأخذ القضيب في يده وانتقل من موضعه لينظر صحة قولهما في شأن سرِّ أبيهما، فسبق الولد الصغير إلى الحجر وأخذه ورجع به إلى المكان الذي فيه حسن، فلم يَرَ له أثرًا، فصاح على أخيه وقال له: أين الرجل الحاكم بيننا؟ فقال: لا أراه ولم أعرف هل طلع إلى السماء العليا أو نزل إلى الأرض السفلى. ثم إنهما فتَّشَا عليه فلم ينظراه وحسن واقف في مكانه، فشتما بعضهما وقالَا: قد راح القضيب والطاقية لا لي ولا لك، وكان أبونا قال لنا هذا الكلام بعينه، ولكنَّا نسينا ما أخبرَنا به. ثم إنهما رجعَا على أعقابهما، ودخل حسن المدينة وهو لابس الطاقية وفي يده القضيب، فلم يَرَه أحد من الناس، ثم دخل القصر وطلع إلى الموضع الذي فيه شواهي ذات الدواهي، فدخل عليها وهو لابس الطاقية فلم تَرَه، ومشى حتى تقرَّبَ من رفٍّ كان فوق رأسها وعليه زجاج وصيني، فحرَّكَه بيده فوقع الذي فوقه على الأرض، فصاحت شواهي ذات الدواهي ولطمت على وجهها، ثم قامت وأرجعت الذي وقع إلى مكانه وقالت في نفسها: والله ما أظن إلا أن الملكة نور الهدى أرسلَتْ إليَّ شيطانًا فعمل معي هذه العملة، فأنا أسأل اللهَ أن يخلِّصَني منها ويسلِّمني من غضبها، فيا رب إذا كان هذا فعلها القبيح من الضرب مع أختها وهي عزيزة عند أبيها، فكيف يكون فعلها مع الغريب مثلي إذا غضبَتْ عليه؟ وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.