واحات الغربة: سيرة ذاتية: الجزء الثاني
«عندما حلَّقَت بي الطائرة المصرية أول مرة فوق مدينة لندن، أفقتُ من الغفوة التي غلبَتني بعد سهر الليلة السابقة، وفتحتُ عيني لأرى من النافذة الضيقة سحاباتٍ قليلة، خفيفةً وشفَّافة ومتباعِدة، يَسطَع عليها ضوء الشمس، ويَلُوح فيما بينها على الأرض ما يشبه البستانَ الكثيف، تقوم في أرجائه بيوتٌ منخفضة متناثِرة ضئيلةُ الجِرْم، يضرب لونُها إلى الحُمرة، فتصوَّرتُ أننا ما زلنا في الريف بعيدًا عن قلب المدينة.»
تتحوَّل الغُربة إلى واحة عندما تلتقي فيها بأناسٍ يَنفُون عنها صفة الغُربة، فتشعر أنك في مكانك، ويصبح الانتماء إلى أشخاصٍ بعينهم هو الدفء الذي يُذِيب ثلجَ البلاد الباردة. كانت لندن على مَدارِ عشرِ سنواتٍ واحةً أخرى في فضاءِ «عناني» الشاسع، جاء إليها عام ١٩٦٥م طالبًا للعلم، ثم سرعانَ ما احتوَته المدينة ومثَّلت نقطةً مهمة في مَسيرة حياته الإنسانية والأدبية، فأفرد لها الجزءَ الثاني من سِيرته الذاتية التي جاءت حافلةً بتفاصيل حياةِ المصريين في إنجلترا، والشخصياتِ التي قابَلها هناك مثل «الطيب صالح» و«سمير سرحان»، والصعوباتِ التي واجهَته وتغلُّبِه عليها، وانفتاحِه على ثقافاتٍ مختلفة، وتَلقِّيه أخبارَ الصراع العربي الإسرائيلي، وأثَر كل ذلك عليه، مع الانتباه إلى سِمات المجتمع الإنجليزي، والتحوُّلات التي شَهِدها خلال فترة الستينيات، والطبيعة التي تميَّزت بها لندن، ورحلته إلى الريف الإنجليزي.