الصيدلة الحديثة في مصر
يبدأ تاريخ الصيدلة الحديثة في مصر منذ عصر المغفور له محمد علي باشا بعد أن ظل راكدًا عدة قرون، فقد بدأ ذاك العاهل العظيم يصلح البلاد، فأحيا فيها العلوم والصناعات والآداب.
وتدل الوثائق الرسمية التركية والعربية الموجودة بدار المحفوظات بالقلعة وعابدين على أن التعليم في أيامه قد اصطبغ بصبغة حربية، حتى يظن لأول وهلة أن المدارس لم توجد إلا لخدمة الجيش، وقد غالى في ذلك المؤرخون الأوروبيون فأظهروا المصريين بمظهر الكاره للعلم المتبرم به وبأهله.
(١) بعثات محمد علي
قدر محمد علي باشا أن مصر لن تصل إلى ما يرغبه لها من الرفعة والسؤدد إلا إذا أخذت عن مدنية الغرب بعض أصولها العلمية، فأرسل لذلك البعثات الكثيرة إلى مختلف الأقطار الأوروبية.
وقد أرسل أول بعثاته عام ١٨١٣م ثم الثانية عام ١٨٢١م، وأرسل البعثة الثالثة عام ١٨٢٦م مكونة من ٤٤ طالبًا وكان بينهم ٤ للكيمياء والصيدلة هم عمر الكومي وأحمد شعبان وأحمد يوسف ويوسف العياضي.
وفي عام ١٨٣٢م سافرت أهم بعثاته وعددها ١٢، وكان بين أعضائها حسين غانم الذي أقام في فرنسا ١٣ عامًا أتقن فيها فن علم الصيدلة، وعين بعد عودته أستاذًا لهذا العلم في مدرسة الصيدلة ثم عين مديرًا لمعمل الصيدلة، وهو مؤلف كتاب «الدر الثمين في فن الأقرباذين» الذي طبع في بولاق عام ١٨٤٨م، وقد أشاد كلوت بك بذكره هو والسيد أحمد حسن الرشيدي بك الذي وضع كتاب «عمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج» في أربعة مجلدات طبعت بعد وفاته عام ١٨٦٧م.
وفي عام ١٨٤٤م أرسل البعثة التي كان بين أعضائها ٤ أمراء وتخصص لدراسة الصيدلة فيها بدوي سالم.
وفي عام ١٨٤٥م أرسل بعثة أخرى تخصص لدراسة الصيدلة فيها مصطفى المجدلي الذي أصبح فيما بعد أستاذ علم الصيدلة في المدرسة الطبية.
إنشاء مدرسة الصيدلة
كان هم محمد علي الوحيد تقوية الجيش المصري من جميع نواحيه، فعين كلوت بك في ٢٢ ديسمبر سنة ١٨٢٤م رئيسًا للمساعدة الطبية الجهادية في الجيش المصري، ولما رأى كلوت بك أن الجيش المصري وعدده ١٥٠٠٠ جندي في ذلك الحين في حالة صحية غير مرضية، ووجد أنه من الصعب أن يحضر له الأطباء والصيادلة الأخصائيين من أوروبا لجهلهم بالعربية، فكر في إنشاء مستشفى في ثكنة قديمة من ثكنات الجيش في أبي زعبل، وأراد إصلاحها ولكن رأى أنها متداعية للسقوط، فاستصدر أمرًا بهدمها وتأسيس مستشفى مكانها يسع ٨٠٠ إلى ١٠٠٠ مريض، واستحضر لها حوالي ١٥٠ صيدليًّا وضابطًا ومساعدًا جلهم من إيطاليا وفرنسا، وغرس وسط هذا المستشفى حديقة طبية غناء كانت ذات فائدة عظيمة للطلبة إذ كان فيها أكبر عدد ممكن مما تنبت الأرض من عقاقير ونباتات طبية (وهي أمنية مدرسة الصيدلة الحديثة).
وقد فكر كلوت بك بعد إنشاء هذا المستشفى في إعداد مدرسة طبية للأطباء والصيادلة والأطباء البيطريين حتى تكفي لحاجة هذا البلد وجيشه، وعرض هذه الفكرة على مساعده في ذلك الوقت عثمان باشا فشجعه على تنفيذها، وصدر الأمر الأميري بذلك عام ١٨٢٧ رغم مقاومة المشايخ وضباط الجيش وعامة الشعب، وأسست المدرسة في ذلك العام في أبي زعبل، وعين كلوت بك ناظرًا لها فاختار أساتذتها من فطاحل الأوروبيين في ذلك الوقت، واختار لها الكثير من الكتب الفرنسية، وترجم منها إلى العربية ٥٢ كتابًا، نقحها جميعًا الشيخ محمد الهراوي.
وفي عام ١٨٢٩م نقل فرع الصيدلة من مدرسة الطب في أبي زعبل إلى القلعة.
وتخرجت أول طائفة من المدرسة الطبية عام ١٨٣٢م فوزعت على المستشفيات وفيالق الجيش.
وفي عام ١٨٣٥م وجد كلوت بك أن المدرسة والمستشفى لا يفيان بالحاجة، ولا يتمشيان مع ما وصلت إليه مصر في تلك الفترة القصيرة من تقدم مطرد، ففكر في إنشاء مدرسة طبية أكبر اتساعًا وأكثر استعدادًا في جزيرة الروضة، وسعى لذلك سعيًا حثيثًا، ولكن مع عظيم الأسف لم يتحقق مأربه إلا بعد مائة عام من مسعاه، في عصر المغفور له جلالة الملك فؤاد الأول، وعلى يدي صاحب السعادة عميد الطب الدكتور علي باشا إبراهيم.
وفي عام ١٨٣٧م نقل المدرسة والمستشفى من أبي زعبل إلى القصر الذي بناه عام ١٨٦٦م أحمد بن العيني الفارس الأعظم وحفيد أحد سلاطين مصر، وقد أزيلت تكية ابن العيني وأنشئ محلها مدرسة الصيدلة الحالية وبذلك سمي «قصر العيني».
ولم يأسف كلوت بك على شيء تركه في أبي زعبل قدر أسفه على الحديقة الطبية، ولكنه استصدر أمرًا من إبراهيم باشا في ذلك الوقت بإنشاء حديقة جديدة في منيل الروضة.
وفي هذا العام يذكر «مانجان» أن عدد طلبة المدرسة بلغ ١٤٠ طالبًا للطب وخمسين طالبًا للصيدلة.
وبلغ عدد الطلبة عام ١٨٤٩م مائة وخمسة وعشرين طالب طب و٢٥ طالب صيدلة.
وكان عدد الأطباء والصيادلة الذين حصلوا على دبلومات خلال المدة التي حكمها محمد علي باشا ١٥٠٠ شخص.
وظلت المدرسة كذلك حتى أقفلت أيام سعيد باشا؛ فقد ألغى رغم تقديره للعلم وحبه للمصريين ديوان المدارس عند توليه الحكم.
ثم عاد سعيد باشا فأظهر اهتمامًا خاصًّا بالمدرسة الطبية، فنظمها وأعاد افتتاحها صبيحة يوم ١٠ سبتمبر سنة ١٨٥٦م.
وفي الساعة ٩ من صباح ٦ أبريل سنة ١٨٥٨م احتفل بامتحان طلبة المدرسة بعد إعادة فتحها احتفالًا شائقًا حضره صاحب السعادة وزير الداخلية وطائفة كبيرة من كبار الموظفين والعلماء ولفيف من مشاهير الأطباء الأجانب، وافتتح كلوت بك الاحتفال بخطاب شائق نوه فيه بذكاء المصريين وما يتوسمه فيهم من النبوغ.
وكان بين الطلبة الذين تقدموا للامتحان في ذلك العام ١٢١ طالبًا بمدرسة الصيدلة هم:
بالسنة الخامسة اثنان هما: أحمد رفيق وإبراهيم خابوطلي.
وطلبة السنة الرابعة وعددهم خمسة، وهم: إبراهيم حسين ومحمد توفيق وهاكان توسين وأحمد فاني وإبراهيم دري.
وكان بالسنة الثالثة طالبان هما: أحمد شيكيل وحسين زهدي.
وبالسنة الثانية عشرة طلبة.
وبالسنة الأولى ١٠٢ طالبًا.
وكانت لجنة الامتحان مكونة من ١٢ عضوًا يرأسها كلوت بك.
- السنة الأولى: علم النبات وعلم المعادن وعلم طبقات الأرض والكيمياء والطبيعة.
- وفي السنة الثانية والثالثة: يدرسون علم النبات والكيمياء والطبيعة بتوسع مضافًا إلى ذلك علم العظام.
- وفي السنوات الرابعة والخامسة: يدرسون الفاماكولوجي والكيمياء والكيمياء الصيدلية والمادة الطبية وعلم الصيدلة وعدم التوافق (وكان علمًا قائمًا بذاته في ذلك الوقت).
وفي أيام إسماعيل باشا أصدر أمره إلى حضرة محمد بك علي مدير أشغال رياسة المدرسة الطبية بتجهيز مكتبتها بالكتب النافعة، وكان بينها كتاب «عمدة المتطببين في فن الصيدلة المعروف بالأقرباذين» لمؤلفه منصور أفندي أحمد وصححه الشيخ أحمد صبري.
وقد ترجم هذا الكتاب عن العالم سوبيران وقال طابع الكتاب ما يأتي:
«هو أحد الكتب البهية التي ترجمت بالمدرسة الطبية، وصدر أمر الخديوي الأعظم إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي بتعيين جمع من الأفاضل بتصحيح ترجمتها من اللغة الفرنسية وإفراغها في قالب العربية.» وتم طبعه عام ١٨٦٧م.
ثم كتاب الأزهار الرياضية في المادة الطبية لمؤلفه علي رياض مدرس الأقرباذين والكيميا الأقرباذينية بالمدرسة الطبية الذي تم طبعه عام ١٢٩٦ هجرية أي: عام ١٨٧٨ ميلادية.
وقد ظلت المدرسة الطبية في تقدم مطرد حتى في عصر الخديوي توفيق الذي زادت فيه القلاقل الداخلية، وشبت في خلاله الثورة العرابية.
وقد ظهر خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر عدد غير قليل من الشخصيات الصيدلية البارزة، منهم:
الدكتور أحمد الرشيدي صاحب المؤلفات المشهورة في المادة الطبية ومداواة الأطفال وعلم النساء والجراحة.
ومصطفى بك المجدلي مدرس الكيميا بمدرسة الطب، ومدرس الجيولوجيا والمترولوجيا بالقسم التحضيري.
وصالح بك علي صيدلي أول القصر العيني، ورئيس المعمل الكيماوي سنة ١٨٨٠، ومدرس الطبيعة بمدرسة الصيدلة.
والدكتور إبراهيم بك الوديني رئيس الأجزائية ومفتش الصيدليات، وهو والد الدكتور أحمد عارف الوديني صيدلي أول وزارة الأوقاف سابقًا وبالمعاش الآن.
وإبراهيم بك المازني صيدلي أول مخازن الصحة، وهو والد مدير قسم الرمد بوزارة الصحة الآن.
وإبراهيم بك مصطفى أستاذ الكيمياء، والتحليل وعلم السموم، وأخيرًا ناظر مدرسة دار العلوم.
وعلي بك مراد مدرس الكيمياء بمدرسة الطب، وكان في بادئ أمره يشتغل كمحضر لأسلحة الجراحة ثم انخرط في سلك دراسة الصيدلة، وهو والد إسماعيل أفندي مراد صيدلي مستشفى كتشنر الآن.
وأحمد بك راتب صاحب أجزخانة راتب، وقد كان الصيدلي الخاص للمغفور له الخديوي إسماعيل ثم صيدليًّا بالجيش المصري.
وإبراهيم بك ماجد مساعد مدرس بالمدرسة الطبية.
وكان الصيدلي يصحب الطبيب في طوافه على المرضى يكتب بنفسه التذاكر الطبية في تذكرة خاصة، ثم يرصدها بعد ذلك في دفتر خاص بعد أن يصرف للمريض دواءً يكفي لمدة ٢٤ ساعة.
وكان عام ١٨٨٧م فتحًا جديدًا في ميدان التعليم؛ فقد انقسم إلى ابتدائي وثانوي وعالي، وأنشئت شهادة الدراسة الثانوية، وكان أول المتقدمين لها توفيق نسيم باشا وإسماعيل صدقي باشا والدكتور جبرائيل بك بحري شيخ الصيدلة الآن، وجعلت هذه الشهادة شرطًا للدخول في المدرسة الطبية، وتقرر أن تكون الدراسة في الطب ست سنوات وفي الصيدلة أربع سنوات، وكان أول الملتحقين بالكلية الطبية قسم الصيدلة من حملة هذه الشهادة الدكتور جبرائيل بحري بك الطالب النجيب.
وكان أول مدرسي الصيدلة الأوروبيين كيبنبرجر، ثم تلاه سيكنبرجر، ثم شمدت ودنكلر، ثم بحري بك، وقد لاقى الصيادلة المشتغلون بالأعمال الحرة تشجيعًا عظيمًا من الحكومة، فقد كانت تقوم لهم بإنشاء الصيدليات كاملة المعدات على نفقتها وتقسط عليهم ثمنها، كما كانت الصيدلة في ذلك العصر تدر الأرباح الطائلة.
قوانين الصيدلة
- أولًا: يجب على كل من يرغب في فتح صيدلية في مصر أن يأخذ ترخيصًا من الحكومة المحلية.
- ثانيًا: الإفرنج الذين يرغبون في فتح صيدليات يجب أن يكون لديهم شهادة بذلك من القنصلية التابعين لها.
- ثالثًا: الصيادلة الذين يخالفون القوانين المتبعة لتعاطي المهنة يحاكمون
بإحدى هذه العقوبات:
- (١) شطب الاسم من سجل الصيادلة.
- (٢) قفل الصيدلية لأجل مسمى.
- (٣) غلق الصيدلية نهائيًّا عند تكرار الخطأ.
وفي ٣ يناير سنة ١٨٨٠م صدر قانون آخر يقول: إن للمصلحة الصحية فقط حق الترخيص للأشخاص الذين يرغبون في تعاطي الطب والصيدلة والولادة والطب البيطري.
وفي أول يناير سنة ١٨٩١م صدر قانون آخر، وكان من بين مواده أنه على مصلحة الصحة أن تنشر سنويًّا بيانًا بأسماء الصيادلة المرخص لهم بتعاطي المهنة في القطر المصري، ونشر في هذا القانون بيان ببعض المواد السامة وتحديد تجارتها.
- أولًا: على من يرغب تعاطي مهنة الصيدلة بالقطر المصري أن يكون حاصلًا على دبلوم من إحدى الكليات المشهورة، وأن يكون حاصلًا على ترخيص من وزارة الداخلية.
- ثانيًا: لا يشترط أن يكون صاحب الصيدلية من حملة الدبلومات، ولكن يشترط أن يكون لها مدير حامل للدبلوم ومرخص له من وزارة الداخلية.
- ثالثًا: إذا كان شخص واحد يملك أكثر من صيدلية واحدة فيجب أن يكون لكل مدير مسئول.
- رابعًا: كل دواء يحتوي على مادة سامة يجب أن يحضره صيدلي قانوني.
- خامسًا: المواد السامة يجب أن تحفظ في زجاجات خاصة عليها بطاقة «سم»، واسم الدواء بالكامل، ويجب أن تحفظ هذه الزجاجات في خزانة خاصة يكون مفتاحها مع الصيدلي القانوني والمسئول عنها وحده.
- (١)
باب خاص بالصيادلة ومسئولياتهم واختصاصاتهم وعلاقتهم بالطبيب والجمهور.
- (٢)
باب خاص بالمواد السامة والاتجار بها، وقد قسمها إلى قسمين: مواد سامة للاستعمال الداخلي البشري، ومواد سامة للاستعمال البيطري.
- (٣)
قواعد عامة.
ثم صدرت في عام ١٩٠٥م منشورات دورية مكملة للقوانين السابقة، وأهمها الذي صدر في أول نوفمبر، وهو يوجب تقييد جميع التذاكر المحتوية على سميات ومخدرات في دفتر خاص، ثم حساب مجموع الوارد والمنصرف منها.
إنشاء مدرسة مساعدي الصيادلة
في عام ١٩١٢م في عهد دنكلر أعلن في الجريدة الرسمية عن حاجة المدرسة الطبية إلى فئة تقوم لمساعدة الصيادلة في أعمالهم على شرط أن يكونوا من موظفي الأجزخانات، فتقدم منهم حوالي ٢٠٠ طالب لا يحملون أي شهادات، ونجح منهم ١٢٠ منحوا شهادات تخول لهم الحصول على تصريح تعاطي مهنة مساعد صيدلي بالقطر المصري من مصلحة الصحة، وكانت هذه أول دفعة لا تحمل شهادات وبدون دراسة فقط اكتفاء بالمدة التمرينية.
وفي عام ١٩١٤م بناءً على رغبة الدكتور جبرائيل بحري بك الأستاذ بالمدرسة في ذلك الحين فتح فرعٌ خاصٌّ بأمر دكريتو الخديوي عباس لدراسة مساعدي الصيادلة بدون تحديد شروط للقبول في المدرسة، وجعلت مدة الدراسة ٤ سنوات منها ٣ سنوات للتمرين بالأجزخانات وسنة واحدة للدراسة العلمية، (وكان يشترط في الطالب معرفة إحدى اللغات الأجنبية).
وفي سنة ١٩٢٢ لما ازداد عدد مساعدي الصيادلة أصدر معالي وزير المعارف قرارًا بجعل شرط الالتحاق بالمدرسة الحصول على شهادة الدراسة الثانوية قسم أول (كفاءة).
وفي عام ١٩٢٥ أصدر معالي علي ماهر باشا أمرًا وزاريًّا بقفل المدرسة إذ قد رأى ألَّا داعي لوجود فئتين مختلفتين من طبقة علمية واحدة، فهذا قد يوجب تنافرًا بين أفراد المهنة، ويقف حجر عثرة في سبيل تقدمها.
(٢) عصر المغفور له الملك فؤاد ١٩١٧–١٩٣٦م
يعد عصر المغفور له جلالة الملك فؤاد الأول العصر الذهبي في تاريخ مصر الحديثة، فقد كان — رحمه الله — وحيًا قويًّا يمد جميع مناحي النهضة المصرية، وكان — رحمه الله — دائب العمل على رقي بلاده، لا يألو جهدًا في مساعدتها والعطف عليها، حتى أصبحت كما كان يقول عنها الخديوي إسماعيل: «إن بلادي قطعة من أوروبا»، ولم تكن الصيدلة في عصره بأقل نصيبًا من غيرها من تشجيعه ورعايته.
ويعد عام ١٩٢٤م حدثًا تاريخيًّا في حياة الصيدلة في مصر، فقد نقحت برامج التعليم، وزاد عليها أشياء كثيرة، وأصبحت أضعاف ما كانت عليه أولًا حتى إن بعض علماء الإفرنج اعترف بأن مدرسة الصيدلة المصرية تعد في الصف الأول من مدارس الصيدلة في العالم، وهذا بفضل أساتذتها الأجلاء، وعلى رأسهم صاحب السعادة الدكتور علي إبراهيم باشا الذي وهبها — وما زال يوليها — عطفه ومساعدته في كل فرصة تتاح له؛ حتى تقدمت الأبحاث العلمية، وتقدمت المهنة تقدمًا محسوسًا بفضل رعايته، وقد انضمت إلى كلية الطب بالجامعة المصرية.
نقابة الصيادلة
وفي هذه الفترة تكونت نقابة الصيادلة من بعض الشخصيات البارزة من أصحاب الصيدليات يرأسهم المسيو هيبير، غير أنه لظروف خاصة لم يكتب لها البقاء فانحلت من نفسها.
جمعية الصيدلة المصرية
كانت فكرة إنشاء جمعية علمية مصرية للصيدلة مختمرة عند معظم الزملاء، ولا سيما من يزاولون مهنة التدريس منهم، ويظهر أن تشتت الزملاء في مختلف الجهات والأقاليم كان من الأسباب التي دعت إلى عدم إخراج هذه الفكرة إلى حيز الوجود، ولقد أراد الله — سبحانه وتعالى — أن تكون لهذه المهنة الشريفة نواة علمية تجمع شمل الزملاء؛ ليستزيدوا من علمهم وليكونوا على اتصال دائم بفنهم، فقام المشتغلون بمهنة التدريس بكلية الطب ومدرسة الصيدلة، وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم رجب فهمي مدرس علم خواص العقاقير ومعرفة غثها، وابتدءوا في عمل لجنة تحضرية تقوم بنشر الدعوة بين الزملاء، وفعلًا تكونت هذه اللجنة في منتصف شهر يناير سنة ١٩٣٠ تحت اسم اللجنة التحضيرية لجمعية الصيدلة المصرية.
وفي يوم ٢١ يناير سنة ١٩٣٠ أرسلت هذه اللجنة لجميع الزملاء المصريين خطابات لأخذ رأيهم …
وكان ميعاد الجلسة الأولى للجمعية العمومية يوم الثلاثاء ٤ مارس سنة ١٩٣٠ الساعة ٩ مساء بمدرج الطفيليات بكلية الطب تحت رئاسة الدكتور إبراهيم رجب فهمي وسكرتارية محمد أفندي شفيق ومحمد أفندي عبد الحميد المهدي المعيدين بالكلية، وقام الدكتور كرم سمعان وألقى كلمة الافتتاح …
إلى آخر ما جاء في التقرير.
وفي عام ١٩٣٦ أخرجت فكرة عمل دستور أدوية مصري إلى عالم الوجود بعد جهاد وكفاح داما ما يقرب من خمس سنوات، وقد ابتدأ العمل فعلًا في وضعه ولاقى تشجيعًا وهمة كبيرين من صاحب السعادة الدكتور علي إبراهيم باشا والمغفور له الدكتور شاهين باشا.
كما أنه قامت لجنة الدعاية في الجمعية بأعمال جليلة كانت حلقة الاتصال بين الطبيب والصيدلي المشتغلين بالأعمال الحرة، وقد قامت بأعمال جليلة لمت شمل الصيادلة وجعلت منهم قوة لا يستهان بها.
وأعداد نشرة الجمعية شاهد عدل يدل على مقدار ما يقوم به الصيادلة من مجهود لخير المهنة ولشرفها بإرشاد وعطف حضرات رئيسها الفخري عميد العائلة الطبية في مصر «صاحب السعادة الدكتور علي إبراهيم باشا»، ورئيسها العامل محمد بك عبد اللطيف عضو مجلس الشيوخ، وأستاذنا البحاثة الدكتور إبراهيم رجب فهمي.