الصيدلة في القرون الوسطى
(١) الصيدلة بين العرب والإفرنج
قال مستر برثيلوت في كتاب تاريخ الكيمياء: إن جميع المؤلفات اللاتينية الخاصة بالكيمياء والصيدلة والطب في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، كلها مأخوذة من مصادر عربية، إما إغريقية الأصل، أو مضافًا إليها من عندياتهم.
ويعزى ارتقاء الصيدلة وتقدمها في أوروبا الشمالية إلى الأندلس؛ إذ إن علماء قرطبة هاجروا إلى فرنسا وألمانيا طلبًا للرزق، يبيعون الأدوية ويعلمون القساوسة الكثير من خواص النباتات والعقاقير.
(٢) مدرسة ساليرنو
وتعتبر مدرسة ساليرنو الطبية حلقة الاتصال بين العلوم القديمة والعلوم الأوروبية الحديثة، وأصل المدرسة ومنشؤها غير معروف، وكل ما نعرفه من تاريخها أنها أول ما ذكرت عام ٨٥٠م، وكانت برامج تعليم الصيدلة فيها مؤسسة على مبادئ هيبوقراط وجالن.
وقد وصل مدينة ساليرنو عام ١٠٥٠م العالم الإغريقي قسطنطين، فأهدى المدرسة كثيرًا من الكتب التي ترجمها عن العرب.
ويدلك على مبلغ ما وصلته علوم الصيدلة في تلك المدرسة كتاب نيقولا «بريبوزيوس» عن الترياق في النصف الأول من القرن الثاني عشر.
وقد أقسم طلبة الصيدلة في تلك المدرسة يمين شرف المهنة، وأقسم طلبة الطب فيها يمينًا (بعدم الاشتراك في أرباح الصيادلة)، وفي خلال القرن الرابع عشر ذهب كثير من الطلبة الإنجليز والألمان إلى المدينة العظيمة «قرطبة»، كعبة العلم ومحجته في ذلك الوقت، وتلقوا كثيرًا من أبواب العلم هناك وترجموا ما تعلموه بلغتهم، وأصبحت هذه العلوم المنقولة عن عرب الأندلس تدرس في مدرسة ساليرنو خلال هذين القرنين.
وظلت هذه المدرسة ذاخرة بطلابها حتى أمر بغلقها نابليون الأول عام ١٨١٠م.
وكان أهم حدث في تاريخ الصيدلة هو ذلك الفرمان الذي أصدره الإمبراطور الروماني العظيم فريدريك الثاني، الذي توفي عام ١٢٥٠: فقد نظم مهنتي الطب والصيدلة، ورغب المسلمين واليهود في القدوم إلى نابولي، وقد ذكر في هذا الفرمان الأسماء التالية:
المخازن التي تخزن بها الأدوية | Apotheca |
الأشخاص الذين يمزجون هذه الأدوية | Confectionerié |
المحل الذي يبيع هذه الأدوية | Stationes |
الأشخاص الذين يبيعون الأدوية | Stationerié |
ثم أنشئت الصيدليات في المدن الأوروبية العظيمة، وكان يعين في كل مدينة اثنان من الصيادلة أنفسهم لمراقبة هذه الصيدليات، وكانت الحكومة تصادر أملاك الصيدلي الذي لا يؤدي عمله بأمانة، وتحكم بالإعدام على مفتش الصيدليات الذي يشارك في هذه الخيانة.
وأنشئت الصيدليات في أوجسبرج في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وظهر في نفس المدينة عام ١٤٤٥ سيدة تعاطت المهنة، ومنحتها إدارة المدينة مرتبًا ثابتًا.
وفي عام ١٤٨٨ أصدر حكام برلين قرارًا بمنح هانس زيبندر منزلًا مجانًا، وإعفائه من الضرائب مقابل قيامه بإنشاء صيدلية، وضمنوا له عدم وجود منافس في المستقبل، ولكن عام ١٤٩٩ صُرح لآخر بإنشاء صيدلية أخرى، وفي ذلك كانت ألمانيا أسبق من غيرها في تشجيع هذه المهنة ووضعها عند قدرها.
أقسم أن أعيش وأموت على الدين المسيحي، لا أتكلم الشر عن أساتذتي، وأن أعمل ما في وسعي لشرف ونمو وترقية مهنة الصيدلة، ولا أعطي شربةً أو مجهضًا بغير تذكرة طبية، وأن أحضر الدواء كما يوصف دون تغيير أو زيادة أو نقصان، وألَّا أُبقي بصيدلتي دواءً فاسدًا أو قديمًا.
وفي عام ١٥٤٤ أصدرت الحكومة قانونًا ألقت فيه على عاتق الصيدلي مهامًّا جليلة، وأبانت للأمة مركزه الاجتماعي.
وفي عام ١٤٧٤ أصدر شارل الثامن قرارًا بجعل مدة الدراسة لهذه المهنة ٤ سنوات يمنح بعدها الطالب شهادة بالإتمام.
وفي عام ١٦٨٢ أصدر لويس الخامس عشر قرارًا بتنظيم بيع المواد السامة وأهمها مركبات الزرنيخ والزئبق.
وفي إبان الثورة الفرنسية ألغيت جميع القيود الخاصة بالمهن المختلفة ومنها الصيدلة.
وفي ١٤ إبريل سنة ١٧٩١ صدر المرسوم الجديد بإعادة تنظيم دراسة الصيدلة وتعاطيها حسب القانون القديم.
في بريطانيا: يرجع تاريخ هذه المهنة في بلاد الإنجليز إلى عام ١٠٠٠ب.م. حيث قال مستر «كوكاين» أنه وُجد كتاب خاص بالعقاقير النباتية، ويظن أنه مترجم عن أبولو الروماني، ويلي هذا في الأهمية التاريخية مؤلف يقولون إنه مترجم عن كتاب أرسله أحد ملوك قدماء المصريين إلى أوكتافيوس قيصر، ومن أهم ما جاء فيه فوائد كثيرة للثعالب كرئة الثعلب ودهن الثعلب وغير ذلك، ومن وصفاته ما يلي: خذ ثعلبًا حيًّا واسلقه حتى لا يبقى منه غير العظم، واجعل المريض يغتسل بهذا المسلوق، ثم يغتسل منه بعد ذلك فيشفى.
وقد اهتم هذا الكتاب بالعلاج بالعقاقير الحيوانية كنبيذ مخ الأرنب وقرون المعز إذا وضعت تحت الرأس جلبت النوم، والشخص الذي يلاقي خيالات كثيرة وأشباحًا يشفى إذا أكل لحم أسد.
الصبر | Aloes |
صمغ الكلخ | Galbanum |
بلسم في البترول | Balsam in Petroleum |
المحمودة | Scammony |
القناوشق | Ammoniacun |
دم الأخوين | Gum Dragon |
وتدل جميع المراجع القديمة على أن هذه الأمة كانت متأخرة جدًّا في معلوماتها الصيدلية في عصورها الأولى، ولكن سرعان ما برزت بين أقرانها.
وجاء القرن الثالث عشر إذ كتب «روجر باكون» في جميع فروع الطب والصيدلة والكيمياء والسحر والفلك، وجاء بعده جيلبرت أنجليكوناس فكتب الكثير من المؤلفات العلمية، وكان متشبعًا جدًّا بالروح الأقرباذينية، وكانت أغلب كتاباته في هذا الباب، فوصف بالتطويل طريقة قتل الزئبق لعمل المراهم، مستحسنًا إضافة قليل من زيت الخردل لتسهيل الطريقة، ومن أشهر وصفاته للصداع:
بيض النمل | كميات متساوية |
زيت العقرب | |
لحم الأسد |
وظهر في النصف الأخير من القرن الرابع عشر العالم العظيم شوسر، وكانت له مكتبة عظيمة تحوي أفخم مؤلفات الأقدمين، مثل أسكليبياس وديسقوريدس وجالن وسيرابيون والرازي وابن سينا وابن البيطار.
وقد وضع أحد الصيادلة أيام هنري الثامن واحدًا وعشرين شرطًا للصيدلي، ملخصها: أن يكون له حديقة نباتية بها الأعشاب والحبوب والجذور، ويجب أن يقرأ مؤلفات ديسقوريدس، ويجب أن يكون له عدة أهوان وأواني ومرشحات زجاجية وعلب جميلة فاخرة، أن يقسم صيدليته إلى جزأين أولهما للمعمل والثاني للمخزن، ويجب أن يكون أمينًا لا يزيد ولا ينقص عما يصف الطبيب، ويجب ألَّا يبيع ولا يشتري ولا يختزن عقاقير قديمة أو تالفة.
وفي أواخر القرن الرابع عشر والخامس عشر ظهر في إنجلترا كثير من الأنبذة الخاصة بالعقاقير، وشاعت طريقة نقع العقاقير في النبيذ.
وتوجد بعض مؤلفات صغيرة خاصة ببعض العقاقير محفوظة بالمتحف البريطاني، وجميعها مكتوبة بالشعر على نمط أرجوزة ابن سينا وغيره من علماء العرب.
وفي القرن السادس عشر اتسع نطاق التجارة بين الغرب، وورد على أوروبا كثير من العقاقير.
وفي عام ١٦٨٠ ظهر العالم الصيدلي البارع «أمبروز جوفري» الذي حضر كثيرًا من الأدوية الكيماوية والأملاح الطبية والزيوت الطيارة والفسفور.