حول ختان الذكور والإناث
منذ تخرجت في كلية الطب في ديسمبر ١٩٥٤، وأنا أشعر بمسئوليةٍ كبيرة تجاه هذا الشيء الذي اسمه «الختان»، أو قطع جزء من جسم الطفل أو الطفلة تحت شعاراتٍ صحية أو أخلاقية أو دينية أو جمالية.
عرفت في كلية الطب أن المشرط يجب ألا يقطع من الجسم إلا الجزء المريض، أما الأجزاء السليمة، فلماذا تقطع؟! بالطبع لم ندرس في كلية الطب شيئًا عن أسباب ختان الذكور أو الإناث، دربونا فقط على إجراء هذه العمليات في قسم الجراحة حين اشتغلنا أطباء امتياز أو نوابًا في قصر العيني.
بالإحساس الفطري رفضت أن أُجري هذه العمليات للإناث أو الذكور؛ كيف أقطع بالمشرط في جسم طفلٍ سليم؟! كل شيءٍ في جسم الإنسان له وظيفة حتى الزائدة الدودية. قرأت دراسةً طبية في جامعة ديوك بالولايات المتحدة تقول: إن استئصال الزائدة الدودية السليمة (دون التهاب) يؤدي إلى مشاكلَ صحيةٍ أقلها الإمساك المزمن. كان بعض الأطباء الأمريكيين مؤمنين (خلال الخمسينيات من هذا القرن) بأن الطفل حين يولد يجب أن تستأصل له الزائدة الدودية كنوعٍ من الوقاية ضد التهابها في المستقبل، كان هناك أيضًا أطباء أمريكيون يؤمنون باستئصال «اللوز» من فم الطفل المولود كنوعٍ من الوقاية ضد التهاب اللوز حين يكبر الطفل.
كنت أدرس في جامعة كولومبيا عامي ١٩٦٥، ١٩٦٦. وقد ناقشت بعض زملائي الأطباء في هذا الموضوع. كنت أرفض تمامًا هذه الأفكار التي تبدو وقائية، لكنها في الحقيقة غير وقائية بالمرة؛ ذلك أن أعضاء الجسم قادرة على وقاية نفسها بنفسها أكثر من أي طبيب.
إن الطبيعة أقدر وأكثر كفاءة من أي طبيب، إن اللوز السليمة في جسم الطفل تحميه من كثيرٍ من الأمراض. لقد أوجدت الطبيعة اللوزتَين في حلق الإنسان ليقتلا الكثير من الميكروبات التي يمكن أن تدخل إلى الجوف (الجهاز التنفسي، أو الجهاز الهضمي).
بل أوجدت الطبيعة في فم الإنسان وفي اللعاب بعض الميكروبات القاتلة لميكروباتٍ أخرى يمكن أن تدخل عن طريق الأكل الملوث أو الشرب.
إن أمعاء الإنسان بها الكثير من الميكروبات المفيدة، والتي إذا ماتت عن طريق بعض الأدوية، يمكن أن تصاب الأمعاء بأمراضٍ متعددة.
الطبيعة إذن لها حكمتها العظيمة التي جعلت جسم الإنسان على هذه الدرجة العالية من الكفاءة للحفاظ على الصحة والحياة ومقاومة الأمراض والجراثيم المنتشرة في الجو.
لهذا فإن كل جزء من جسم الإنسان له وظيفةٌ وقائية قد يعلمها الطب والأطباء، وقد يجهلها الطب والأطباء.
ذلك أن «علم الطب» يعتبر «حديثًا» بالنسبة «لعمر الإنسان» على الأرض، لا يزال الطب والأطباء يجهلون أربعة أخماس وظائف خلايا المخ الأساسية في الإنسان. الطب لا يعرف إلا خمس وظائف للمخ.
لقد تطورت خلايا المخ البشري، وأصبح لها وظائف وقدرات يجهلها الأطباء في العالم حتى اليوم.
في الستينيات من هذا القرن كنت عضوًا في مجلس نقابة الأطباء، في إحدى الجلسات طلبت من مجلس النقابة التدخل لمنع عمليات الختان في مصر سواء للإناث أو الذكور.
رفضت الأغلبية مناقشة الموضوع، قال معظم الأطباء: إن عملية ختان الذكور ضرورية للصحة والنظافة والشكل أيضًا، إنها عملية طهارة رقيقة؛ مجرد تقليم أطراف مثل تقليم الأظافر، لا تؤثر على وظيفة العضو، ولا تمسه بأي ضرر. قال بعضهم: إنها عادةٌ قديمةٌ صحية جدًّا، وبالتالي جاءت في التوراة، ونحن المسلمين نؤمن بالتوراة والإنجيل والقرآن.
هكذا قفل الحديث في موضوع ختان الذكور، ثم سألت عن موضوع ختان الإناث، أيضًا رفض معظم الأطباء الحديث في الموضوع. قال أحدهم: طهارة البنت ضرورية للصحة والنظافة والشكل أيضًا، إنها عملية رقيقة؛ مجرد تقليم أطراف، لا تؤثر على حياة المرأة أو صحتها. إن عضو المرأة الذي يقطع في الطهارة ليس له فائدة، بل بالعكس إنه ضار؛ إنه يجعل المرأة تنصرف إلى إشباع رغبتها الجنسية على حساب مصلحة الزوج والأطفال.
لم يكن لي أن أقنع زملائي الأطباء في نقابة الأطباء؛ لهذا لجأت إلى القلم ومخاطبة الناس العاديين عن طريق الكتابة. كانت الرقابة على الكتب تقطع أي شيءٍ عن الختان سواء للذكور أو البنات. ثم بدأت الرقابة في نهاية الستينيات تُخفِّف قليلًا من حدَّتها. استطعت أن أكتب ضد ختان البنات، إلا أن الرقابة كانت قادرة دائمًا على حذف أهم الأشياء، كما أنها لم تكن تسمح أبدًا بأي شيءٍ ضد ختان الذكور.
في الولايات المتحدة اليوم حملةٌ علمية ضد الختان بكافة أنواعه، تكونت جمعيات في أمريكا تحت اسم «محاربة ختان الذكور والإناث» في الولايات المتحدة، بعض أعضاء هذه الجمعيات أطباء أدركوا مضار هذه العمليات، نُشرت العديد من البحوث الطبية تثبت أن ختان الذكور وختان الإناث عملياتٌ ضارة بالصحة النفسية والجسدية، عقدت مؤتمرات في كثيرٍ من المدن الأمريكية كان موضوعها الختان وآثاره الضارة على صحة النساء والرجال، دُعيتُ إلى بعض هذه الاجتماعات والمؤتمرات. هناك بعض المجلات تصدر عن هذه الجمعيات، تشرح للناس في أمريكا مضار الختان العضوية والنفسية.
في أوروبا أيضًا بدأت هذه الحملة العلمية ضد الختان. المعروف أن ختان الذكور والإناث كان يحدث في جميع المجتمعات البشرية منذ نشوء العبودية. إنه ليس عادةً أفريقية كما يظن بعض الناس. لقد حدث ختان الذكور والإناث في جميع قارات العالم؛ في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية.
في مصر القديمة لم يكن الختان معروفًا، نشأ الختان في مصر القديمة بعد نشوء العبودية، وانقسام البشر إلى عبيد وأسياد. كان الأسياد يطالبون العبيد بالختان، كانت عمليات الختان تجرى بأمر فرعون الإله، كان الإله فرعون يغضب كثيرًا حين يرى ذكرًا غير مختون.
إن ختان الذكور عادة عبودية، إن العبيد يقدمون القرابين للآلهة، هذه القرابين كانت ذبائح لحوم تأكلها الآلهة، إذا كنت عبدًا فقيرًا لا تملك الضأن، ولا تملك تقديم ذبائح عليك أن تقدم خضراوات مما تنتجه الأرض، كانت الآلهة يفضلون القرابين من اللحوم على القرابين من الخضراوات أو النباتات.
أما العبيد الذين لا يملكون إلا أجسادهم، فعليهم أن يقطعوا جزءًا من هذا اللحم، ويُقدَّم قربانًا للإله، كنوعٍ من الرمز على الولاء والطاعة والعبودية.
بعض العبيد كانوا يقطعون آذانهم، في عصرنا الحديث ما زالت بعض الأنظمة العسكرية تقطع آذان الجنود الهاربين من الجيش. «وشم الجبين» كان أيضًا نوعًا من العقاب يفرضه السادة على العبيد.
وقد أصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨ بيانًا أعربت فيه عن قلقها البالغ من صدور عقوبةٍ جديدة بقطع الأذن ووشم الجبين في العراق، واعتبرت المنظمة أن هذا القرار الصادر من مجلس الثورة العراقي يمثل مخالفةً جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
كان من المعتقد أن قطع الأذن الخارجية لا يمنع الإنسان من السماع، بالمثل فإن قطع الجلد حول رأس العضو عند الذكر لا تمس وظيفة العضو الجنسية، أو قطع جزء من أعضاء المرأة لا تؤثر على الصحة النفسية أو الجسدية … إلخ.
إلا أن حقائق الطب الجديدة كشفت عن أن كل جزء أو كل خليةٍ حية في جسم الإنسان لها وظيفة، حتى الأظافر في جسم الإنسان لها وظيفة، نحن نُقلِّم الأجزاء التي تموت من الأظافر، نحن نقص الشعر حين يطول، لكن الشعر له فائدةٌ كبيرة للإنسان فهو يحمي الرأس ويدفئها؛ لذلك يحلقون رءوس المساجين كنوعٍ من العقوبة والإضعاف والإذلال. إن شعر الإنسان نوع من القوة والحماية؛ لماذا قصُّوا شعر شمشون؟!
لقد ثبت أن قطعة الجلد التي تُقطع في ختان الذكور لها وظيفةٌ وقائية، فهي تحمي رأس العضو عند الذكر، كما أنها تفرز مادةً وقائية تسهل الممارسة الجنسية، إنها مثل الغطاء لعضوٍ مهم في جسم الذكر.
في بعض المجتمعات الصحراوية حين كان يشحُّ الماء، ويحدث ما يسمى التيمم بالتراب، فإن بعض القذارة كانت تتجمع تحت هذه القطعة من الجلد، وكان علاجها الاستئصال. لم تكن العقاقير الطبية قد عُرفت بعدُ؛ لهذا السبب عُرفت هذه العملية باسم «الطهارة»، في بعض هذه المجتمعات.
أما ختان الإناث فهو أكثر ضررًا وأكثر خطورة؛ لأن المسألة هنا تمس الوظيفة والكفاءة الجنسية، وليس مجرد الصدمة النفسية. في ختان الذكور يتعرض الطفل لصدمةٍ نفسيةٍ قد تؤثر عليه طوال حياته، قد تكون في اللاوعي أكثر من الوعي، هناك أيضًا مخاطر التلوث وتقيُّح الجرح؛ ذلك أن هذه العمليات تجرى للطفل الذكر عادةً في الأسبوع الأول أو الثاني، (حسب التوراة: اليوم الثامن من العمر). إن جهاز المناعة لا يكون قويًّا عند الطفل المولود، وبالتالي فإن هذه الجروح معرَّضة للتلوث.
في ختان الإناث المضاعفات متعددة وأكثر خطورة، هناك العديد من الدراسات المنشورة عن هذه المضاعفات النفسية أو الجسدية. أعتقد أن واجب نقابة الأطباء اليوم هو نشر هذه المعلومات الجديدة على الناس في مصر؛ إنها حقائقُ علميةٌ منشورة باللغة الإنجليزية، موجودة هنا في الولايات المتحدة، لا بد أن كثيرين من الأطباء المصريين الذين يسافرون يعرفون ذلك، ويقرءون الكثير من هذه المعلومات الجديدة، فلماذا هم يصمتون؟!
إن ختان الذكور والإناث لا علاقة له بالأديان، إنه إحدى سمات المجتمعات العبودية التي كانت موجودة قبل ظهور اليهودية. إن أغلب اليهود في العالم الغربي قد كفُّوا عن ختان الذكور، كانت عملية ختان الذكور تجرى في الولايات المتحدة لمعظم الأطفال، ثم بدأت تتوقف أو تقل كثيرًا في السنين الأخيرة.
إن ختان الإناث لا علاقة له بالإسلام أو البشرة السوداء في أفريقيا كما يتصور البعض؛ إنه عادة عبودية لإخضاع النساء للأسياد من الرجال أو الآلهة، وقد حان الوقت أن يتوقف الناس عن هذه الممارسات العبودية.