تغيير قاعدتنا
في تلك الليلة بعد العشاء، عقدنا مجلس حرب اتفقنا جميعًا على أن يحضره بيتر جون. وأسعده هذا كثيرًا، فمنذ وصول أنَّا، أصبح لا يشارك في أي شيء. ارتدى ساندي، كعادته عندما يكون في ليفرلو، ذلك المعطف الأخضر الذي بهت لونه الخاص بنادي طعام القبائل الحدودية، ولكنه لم يجعله هذه المرة أشبه بصاحب أملاك اسكتلندي يعيش مرتاحًا على أملاك أسلافه، كما كان يفعل دائمًا. حملت قسمات وجهه تلك النظرة المدققة المميزة التي أتذكرها جيدًا، وبرقت عيناه بذلك البريق الغريب الراقص الذي يعني أنه أصبح مستعدًّا للحرب من جديد.
لم نكن نعلم أي شيء عنه طوال أسابيع، وكان لديَّ الكثير من التساؤلات لأطرحها عليه.
قال: «ماذا كنت أفعل؟ كنت أجوب الأرض من شرقها لغربها. كنت أحاول أن أجمع معلومات عن العديد من الرجال. لقد أفادني شغفي القديم بغريبي الأطوار كثيرًا، واستخدمت طرقًا ملتوية لأحاول الوصول إليهم. وبطريقة أو بأخرى، تمكنت من معرفة أغلب المعلومات التي أردت معرفتها. وأصبحت قادرًا الآن على استنباط الكثير من المعلومات التي أجهلها بدقة معقولة. إننا نواجه مجموعة ذات بأس شديد، ثقوا فيما أقول.»
سأله لومبارد: «هل هم أشد بأسًا مما اعتقدت؟»
قال ساندي ببطء: «نعم. ولكن بطريقة مختلفة. هذا هو اكتشافي الأهم.»
سألته: «ما الطريقة التي اتبعتها. هل عدت لاستخدام خدعك القديمة؟» ثم التفتُّ إلى لومبارد وقلت: «ربما لا تعرف أنه أحد أفضل فناني تقمص الشخصيات في العالم.»
أجابني ساندي: «لجأت إليها في بعض الأحيان. ولقد استمتعت كثيرًا أثناء فعل ذلك. ولكني التقيت بعضهم باسمي وشخصيتي الحقيقية. دعوني أوضح لكم أمرًا واحدًا، إنهم يعرفون كل شيء عنا. لقد وضعوا أعينهم على ديك منذ فترة طويلة، ووضعوها على لومبارد منذ انسل هاربًا مع الآنسة أنَّا. إنهم لا يعرفون دافعنا، ولكنهم يعلمون أننا نؤازر هارالدسن. وإذا كنت قد تمكنت من جمع كمٍّ جيد من المعلومات عنهم، فما يعرفونه عنا كثير جدًّا. قد تندهش يا ديك عندما أخبرك بأنهم قد بحثوا في ماضيك بلا هوادة، وأسعد عندما أفكر في أن ما عثروا عليه قد أقلقهم إلى حدٍّ ما. كانوا يستدرجون جميع رفاقك القدامى، ببراعة وهدوء تامين، أمثال أرتينسويل وجوليوس فيكتور وآرتشي رويلانس، ليحصلوا منهم على معلومات. حتى إنهم حصلوا على معلومات من ماكجيلفري، رغم عدم إدراكه لذلك.»
«وماذا يعرفون عنك؟»
ضحك ساندي. وقال: «لقد حيَّرتهم بشدة. إن لوح اليشم معي، ومن ثَم فأنا متورط في الأمر، وبدءوا يوجهون نظرهم نحوي بنفس قدر ملاحقتهم لهارالدسن تقريبًا. ولكني لست لقمة سائغة، فهم يعلمون جيدًا أني قد اتخذت وضعية الهجوم، ويعلمون أني إذا ما نشبت أسناني في أي شيء، فلن أفلته. ذلك هو الجزء السيئ من سمعتي الميلودرامية اللعينة. قد ينم ما أقول عن غطرسة، ولكني على قناعة تامة من أنهم يخشونني، وإذا ما كان علينا التعامل مع المجموعة الأولى فقط، فقد أجبرهم على التراجع يجرون أذيال الخيبة … ولكننا لن نواجههم هم فقط.»
سألته. «ما العقبة الجديدة؟»
قال: «صبرًا. سنراجع القائمة اسمًا اسمًا. أولًا، فاريندر، الشاب ذو أسنان الأرنب. يمكننا حذف اسمه من القائمة، فهو لن يزعجنا مجددًا. لقد كان مثلما توقعت، مخبر، ولكنه في الحقيقة شخص جبان. لقد أقدمت على إخافة السيد فاريندر، ونجحت في ذلك. كما أنه أفادني كثيرًا، بقدر ما سمحت له أعصابه المتوترة. وقد أبحر بالأمس، تحت اسم مستعار، نحو كندا، ولن يعود إلا بعد فترة طويلة جدًّا. التالي يا ديك.»
قلت: «ألبينوس.»
«هذا صحيح. إنه الثاني في القائمة من حيث قلة الأهمية. حسنًا، لقد تعاملت مع السيد إيريك ألبينوس كثيرًا. لعبت معه لعبة البريدج في حانة ديلون، ما كلفني عشرين جنيهًا. كما ذهبنا إلى مضمار السباق معًا، وقضيت معه يومًا مملًّا عرفت فيه الكثير عنه. كما دعوته لحفل عشاء بسيط دعوت فيه بعضًا من أصدقائه من رجال الأعمال الذين لم يكن مرتاحًا لوجودهم. إنه رجل بغيض، ولا أتصور كيف يتحمله الناس هكذا، فهو رجل مدعٍّ ومتملق. إنه يشارك في الأمر بدافع الجشع، فأموره المالية ليست في أفضل حال، كما أن تروث يملك نوعًا من التأثير العائلي عليه. ولكني أعتقد أني قادر على إرهابه ليتخلى عن الأمر، مثل فاريندر، إذا أردت. ولكني لا أريد ذلك. قررت أنه من الآمَن بالنسبة إلينا أن يظل مشاركًا في الأمر وليس خارجه، فهو شديد الجبن، ورغم إنه شديد البراعة، فإنه سيتحول إلى عبء على رفاقه على المدى الطويل. لذا، حافظت على علاقة طيبة مع السيد ألبينوس، وأعتقد أنه يهنئ نفسه الآن على خداعي، مرحى له.
وصلنا الآن إلى رجل أكثر أهمية. تروث؛ السيد لانسلوت تروث. لقد وصلت إلى قرار حاسم بخصوص تروث. إنه بلطجي، ولكني لا أعتقد أنه مجرم كليًّا. قد تقول إن الفارق بين الاثنين بسيط. ربما، ولكنه فارق مهم. بادئ ذي بدء، هو رجل محاط بأصدقاء يحبونه، أصدقاء نزهاء، بعضهم على الأقل. لقد حضرت شخصيًّا حفل العشاء السنوي لكتيبة المشاة التي خدم فيها، وسمعته يلقي خطابًا جيدًا جدًّا. وفهمت أنه كان خلال الحرب ضابطَ جيشٍ بارعًا، ومحبوبًا بين جنوده. بذلت قصارى جهدي لأقتفي آثار أعماله، وهي بالمناسبة شديدة التشابك، ولكني خرجت بانطباع عنه أنه أقرب لأن يكون قرصانًا من أن يكون محتالًا. كما أنه رجل جريء يقدم على مخالفة القانون من وقتٍ لآخر لأنه يحب المخاطرة. هل قرأت رواية «الصندوق الخطأ»؟ ثمة شبه بين تروث ومايكل فينسبري.»
سألته. «هل التقيته؛ أعني شخصيًّا؟»
«لقد فعلت بالطبع. ودار بيننا حديث صريح منفتح. فقد ذهبت إلى مكتبه، وأعطيتهم بطاقتي، وطلبت أن أتحدث إليه لبضع دقائق في أمر خاص. حدث القليل من الهرج والمرج في المكتب، ودُفِع عميل من غرفة تروث دفعًا إلى الخارج، وأخبر مساعده بأنه لا يجب مقاطعتنا مهما حدث. أفترض أنه اعتقدَ أني ذهبت إليه لأملي شروطي. ولكني تظاهرت بالسذاجة، سألته عما إذا كان قرأ خطابي في جريدة التايمز، وقلت إني حريص على الحصول على جميع المعلومات الممكنة عن هارالدسن الأب، وإني سمعت أنه تعرَّف عليه في جنوب أفريقيا. أربكه سؤالي هذا، واتخذ أسلوبًا دفاعيًّا وهو يردُّ عليَّ باقتضاب وحِرص، فقال إنه لم يكن له علاقة بهارالدسن، ولكن والده ربما يكون هو من التقاه. كما ترى، لم يربط بيني وبينك بعد يا ديك، وكان يحاول أن يعبر هذا الموقف بأمان. قلت بعد ذلك إني كنت أحاول اقتفاء أثر أسرة هارالدسن، وإني أعتقد أن له ابنًا يعيش في مكان ما، وهل يمكنه أن يساعدني في العثور عليه؟ وقد أتيت للقائه بغرض العمل فقط، فقد سمعت عن براعته. وقلت إن لوح اليشم معي، وإني لن أتمكن من الاحتفاظ به، وإني عرضت تقديمه للمتحف البريطاني إذا لم أعثر على ورثة هارالدسن الذين يفترض أن يحصلوا عليه.
استرعى ذلك اهتمامَه. واقترح أن نتناول الغداء معًا، وصحبني إلى أحد تلك الأماكن القديمة التي لا تزال موجودة في المدينة حيث يمكنك أن تتناول طعامك داخل غرفة مغلقة خاصة بك. وأصر على أن نشرب الشمبانيا، وتذكرت مقولةً جرت على لسان والدي، أنه إذا ما أعطاك رجل الشمبانيا على الغداء، يجب أن تشك في نواياه. كان متحضِّرًا وودودًا جدًّا، وبدأ، ببراعة واضحة، ينقب في ذاكرته عن الأمور التي أخبره بها والده عن هارالدسن. وجرؤ على قول إنه قد يتمكن، ببعض الصعوبة، من الحصول على بعض المعلومات من أجلي عن الأناس الذين لهم حق في تركة هارالدسن. افترقنا على وفاق تام، بعدما تطرَّق حديثنا إلى جوانب فائقة التخصص عن أسماك سلمون الربيع في كيثنس، ووعدني بأن يتصل بي بمجرد أن يحصل على أي معلومات تستحق أن يخبرني بها.»
سأله لومبارد بلهفة: «وهل فعل؟» كان لومبارد الأكثر معرفةً بتروث من بيننا.
«لا. فلا بد أن رجاله قد ربطوا بيني وبين ديك في اليوم التالي أو الذي يليه، ليفرلو تكفي لكشف ذلك، ولا بد أنه أدرك أني أعرف كل شيء وأني كنت أخدعه. اتصلت به رغم ذلك، وتلقيت منه ردًّا جافًّا. ولكنه وافَق على لقائي مرة أخرى، فدعوته على الغداء في مطعم «كلاريدج»، وأجلسته وسط مطعم مزدحم حتى لا يُقدِم على أي فعل أخرق. كنت أنوي استفزازه حتى يفقد السيطرة على نفسه، وإذا ما حدث ذلك في مكتبه لتحوَّلَ لقاؤنا إلى شجار. لقد دبرتُ للأمر ببراعة. وتحدثت عن هارالدسن الأب، ذلك الرجل الرائع نصف القديس ونصف المغامر، والثقة الجليلة التي أولاني إياها، وما إلى ذلك. فجلس يستمع إليَّ بشفتين مزمومتين وعينين تطل منهما نظرة شك قبيحة بينما كنت أسهب في ذكر الادعاءات الكاذبة. ثم صاح فجأة. وقال: «اسمع يا لورد كلانرويدن. لقد اكتفيت من حديثك. إنك تحاول خداعي ولا يعجبني ذلك. وأرى جليًّا اللعبة التي تمارسها ولا تعجبني أيضًا. إني أنصحك بأن تُخرج نفسك من هذا الأمر وإلا سيطولك الأذى، فأنت شخص مهم. هارالدسن الأب كان وغدًا، ولنا أنا وآخرين ثأر كبير نريد أخذه منه ومن ابنه الغالي.»
تظاهرت بالدهشة وبدأت توجيهَ دفة الحديث في اتجاه آخر. قلت إن الأمر برمته صدمني، وكنت مصرًّا على أن أجعله يصدق أني أعني ما قلت. فكما ترون، كنت الوافد الجديد الذي ربما سمع قصةً من الطرف الآخر وصدقها. وبدا جليًّا أنه يرغب في استمالتي لصفِّه، وبدأ يقصُّ عليَّ القصة من وجهة نظره. لم يكن لقصته معنًى سوى أنه ورث عن والده ثأرًا كبيرًا وأنه لن يتخلَّى عنه. ويجدر بي أن أقول إني احترمت ضراوته. يشبه الأمر ذلك الإرث العائلي لدى القبائل الهندية. تظاهرتُ بالدهشة وبأن لديَّ قدرًا من التعاطف معه، وافترقنا على وفاق. حصلت منه على الأمرين اللذين كنت أريدهما. أبقيتُ العصابةَ في حالة عدم يقين من الدور الذي ألعبه في الأمر، وتمكنت من تقييم شخصية تروث. إنه بلطجي كما قلت سابقًا، ولكنه ليس مجرمًا كليًّا. ولو كان الرجل الوحيد الذي نواجهه لكان من السهل التغلب عليه. كان يريد استعادة ما يعتبره حقَّه، وليس النهب بوجه عام. ولكنه ليس وحده بالطبع، فثمة عقل أكبر وأذكى يكمن خلفه. هل يمكنكما أن تذكرا اسمه؟»
قلت ولومبارد في صوت واحد: «بارالتي.»
«نعم، بارالتي. إنه العقل المدبر للأمر برمته. كنت بحاجة إلى تكوين وجهة نظر عن بارالتي، فحاولت الاقتراب منه من جميع الزوايا الممكنة. لقد أخبرتكم بالفعل عن حفل بلومزبيري، حيث كان ملِكًا وسط سُذَّج. اقتفيت آثاره في عالم المال والأعمال، وساعدني لومبارد في البداية، وتوصلت إلى أن شركة لبشا لم تؤذِه كثيرًا. فلا يزال يملك الكثير من المال كعهده دائمًا، ولكنه لا يملك واحدًا على مائة من الثروة التي يطمح إلى جمعها، ولا تزال سمعته جيدة. رأيت أنه يجدر بي أن أحصل على لمحة من حياته السياسية، فطلبت من أندرو آموس أن يرتب الأمر بحيث أحضر اجتماعًا حصريًّا لبعض المفكرين وقادة الاتحادات العمالية، وتنكرت في هيئة صانع مراجل أشعث الشعر من منطقة نهر كلايد. أبهرني أداؤه في الاجتماع، فقد نجح في جعل نفسه حلقة الوصل بين عالمين مختلفين، كان يعرض الرؤى المثالية بنكهة من المنطق السليم، ويعرض الرؤى العملية بلمحة من المثالية. سيكون له مستقبل باهر في السياسة، إذا ما قرر المُضِيِّ في هذا الطريق.
فكرت بعد ذلك في أنه من الأفضل أن أتعرف إليه. هل تعرف شغف تشارلز لامانشا بالحفلات الغريبة؟ حسنًا، أقنعته بإقامة مأدبة عشاء في النادي؛ هو، وكريستوفر ستانيكس، وكيل وزارة، وبعض المصرفيين، ونيد لايثين، ورتبت لأن أجلس بجوار بارالتي. لا شك في أنه كان يعرف كل شيء عني بحلول ذلك الوقت، إذ كان حفل ليفرلو قد بدأ، واكتشف رفاقه الطريقة التي أمَّنَّا بها ثروة هارالدسن، وبطبيعة الحال أصبح يراني عدوه. لم يرتكب أي خطأ تلك الليلة. فقد كان مهذَّبًا جدًّا، وتحدث عن بعثتي إلى الشرق الأقصى والشئون الخارجية بوجه عام عن دراية، حتى إنه تنازل وقال إنه متحمس نحو تلك البلدة الحدودية التي قال إنه يقود سيارته إليها عادةً. لم يحاول استخراج أي معلومات مني، وتصرف وكأني ضيف عادي سمع عنه وسعيد جدًّا بلقائه. دار حوار شيق؛ إذ كان من شيم ستانيكس أن يفتح موضوعًا شيقًا على طاولة العشاء، وتمكن بارالتي من مواكبة الحوار ببراعة. ودخل في جدال مع أحد المصرفيين حول موضوع مالي، وأعتقد أنه عرض حجته بطريقة جيدة جدًّا. وكذلك فعل الآخرون؛ فقد جلسوا يُنصتون إليه باحترام. لا شك في أنه يملك خبرة جيدة في الحياة، ولا شك في أنه ذكي. فهو يعرض حجته دون تردد، ورأيته يرتب أفكاره ببراعة ويراقب كل جوانبها كالصقر.»
قال لومبارد: «أخبرتك بذلك منذ أسابيع. بارالتي داهية. ولكن، ماذا عن بقية جوانب شخصيته، إلى جانب عقله؟».
«أنا بصدد إخباركم. كان هذا هو أكثر ما أرغب في معرفته، ولكن لم يكن العثور على الوتر الصحيح أمرًا سهلًا. كان عليَّ البحث عميقًا في العوالم الغريبة والعوالم الخفية، وكما أخبرتكم سابقًا، أفادني إعجابي المؤسف بالمجتمعات الدنيا. لقد عثرت على أغلب المعلومات التي أردت، ولكنها كانت مهمة طويلة وبغيضة. وحالفني الحظ. كان لا بد من وجود علاقة نسائية في مكان ما، فدبرت أمر التعرُّف إلى إحدى عشيقات بارالتي. كانت امرأة يهودية جميلة ذات شعر أحمر، كانت ستحقق نجاحًا مبهرًا وشهرة واسعة كنجمة سينمائية. الرب وحده يعلم اسمها الحقيقي، ولكنها تطلق على نفسها اسم ليديا لادلو.»
تدخَّل بيتر جون قائلًا: «لقد حضرت حفل شاي في فوسي، أنا أذكر اسمها. أخبرتني أمي أنها ممثلة.»
قال ساندي بجدية: «ديك، أعتقد أنه يجدر ببيتر جون أن يكون في فراشه الآن. ولكني لن أسهب في الحديث عن الآنسة لادلو، ولن أقول إلا أنه كان من الصعب التعرف إليها، ولكنها عوضتني عما لاقيت من متاعب. تنكرت في هيئة أحد أقطاب صناعة السينما الأمريكية، وكان تنكرًا متقنًا، وليس من المرجح أن تتعرف عليَّ إذا ما رأتني مرة أخرى. كانت خدعتي الرائعة تدور حول فيلم سينمائي ضخم يتحدث عن هيرود أجريبا، وستكون هي بطلته. ومن ثَم، دارت بيننا بعض الأحاديث المنفردة، برز خلالها اسم بارالتي كصديق لن يتردد في المشاركة في المشروع. وكما ترون، كان الفيلم سيصبح عملًا أنجلو-أمريكيًّا عظيمًا، دليلًا على وحدة فن الشعب الأنجلو-سكسوني وثقافته. تحصلت منها على كمٍّ لا بأس به من المعلومات عن بارالتي. يبدو أنه واقع تحت سيطرتها، ولكن الأغلال لا تضار من تقييد العبيد، لأن نجاحه سيكون نجاحًا لها. إنهما المعنى الحرفي للطموح الذي لا حدود له، ولن تسمح الآنسة لادلو له بأن يتحرر من سيطرتها.»
سألته: «ما انطباعك عنه؟ إنه شديد الذكاء، ولكن ماذا يكون غير ذلك؟»
«ليس بالكثير. لقد جمعت كل أدلتي وقيَّمتها بحرص، وإليكم حكمي عليه. لبارالتي ثلاثة دوافع: الطموح، والجشع، وهو جزء لا يتجزأ من طموحه، هو وامرأته. ولكن ثمة الكثير من القيود التي تقيده؛ خوفه على سمعته، وخوفه على حياته، إنه جبان رعديد. إنه ليس شجاعًا. إنه مجرد خروف يرتدي زي ذئب. وإذا ظلت الأمور كما كانت منذ عام مضى، فأعتقد أننا كنا سنسوي الأمر برمته على الفور.»
سأله هارالدسن للمرة الأولى: «ماذا تعني؟»
«كنا سنعقد صفقة مع تروث، صفقة معقولة، وأعتقد أنه كان سيلتزم بها. وكنت سأتمكن من إرهاب ألبينوس مثلما أرهبت فاريندر. وأعتقد أني كنت سأتمكن من إرهاب بارالتي رغم أنف الآنسة لادلو. ولكن أصبح كل هذا مستحيلًا الآن، فقد ظهر شخص خامس في الصورة أضفى عليها المزيد من القتامة. قبل ذلك، كان الأمر أشبه بمسرحية ميلودرامية، أما الآن فقد صعد على خشبة المسرح ممثل تراجيدي. لقد وصل الذئب الحقيقي.»
قلت: «إننا نعلم يقينًا أن دينجرافيل متورط في الأمر بعد فرار لومبارد.»
كان عليَّ أن أخبر ساندي ببعض تفاصيل قصة لومبارد، فلم يكن سمعها.
فقال مطرقًا: «نعم. لا بد من أنه الرجل الذي يقود السيارة الاستوتز.» ثم أشار إلى مفكرة جيب وقال: «لقد اختفى عن نظري ثلاثة أيام، وأصبحت أعرف الآن ماذا كان يفعل. فيما عدا ذلك، لم أتركه يغيب عن ناظري. لا، لم يرني على الإطلاق، ولكنه لم يفعل أي شيء خلال تلك الأسابيع لم يصلني خبر به. وكما تعلمون، كنت على أرضي وكان هو الغريب، فكان عليَّ أن أستثيره. جرب بعض حيل مكافحة التجسس، ولكنها لم تكن متقنة. كنت جالسًا في مكاني أراقبه، وكل ما يمكنني قوله هو أنه إذا كان قويًّا في أوليفا، فقد أصبح الآن أكثر قوة بكثير.»
أطلقت صافرة بشفتيَّ، فلا أزال أتذكر ما فعله ساندي في أوليفا، وكذلك الدور الكبير الذي لعبه دينجرافيل هناك.
تابع ساندي حديثه قائلًا: «إنه حيوان مفترس. ولكنه كان مفترسًا مريضًا في أوليفا يعيش حياة غير طبيعية مدمنًا على المخدرات التي لا شك في أنها أضعفت أعصابه. أما الآن، فقد أصبح مفترسًا متعافيًا، أكثر قوة وأكثر خطورة بكثير مما كان لو لم يمرض أبدًا. تمامًا كما يحدث مع رجل تعافى من شلل الأطفال؛ قوة الإرادة والذهن والجسم المطلوبة للتعافي من المرض تمنح المريض حيوية وثقة بالنفس تستمر معه حتى نهاية حياته. ولا أعلم لمَ سمح الرب بذلك، وما السحر الذي استخدمه لتحقيق ذلك، ولكن دينجرافيل أصبح حاليًّا في مثل صحة أيٍّ من الجالسين هنا، ويملك عشرة أضعاف قوة الشر التي نملكها مجتمعين … كما أنه ليس وحده. هل تذكر يا ديك مجموعة الرجال الأقوياء الذين كان كاستور يطلق عليهم اسم الحراس الشخصيين. كنت أعتقد أنهم جميعًا خلف القضبان، ولكني كنت مخطئًا. لقد نجا اثنان منهم على الأقل؛ اسماهما كاريراس ومارتل، الإسباني والبلجيكي. إنهما مع دينجرافيل في لندن حاليًّا، ويمكنكما أن تثقا في أنهما متورطان في الأمر معه.»
تدخلت قائلًا: «ولكن مارتل قُتل خلال معركتكم الأخيرة، ماذا كان اسم المكان؟ فيرو، أليس كذلك؟ أنت من أخبرني بذلك. لا أعلم ما حلَّ بكاريراس، ولكني متأكد مما حدث لمارتل.»
قال ساندي: «هذا ما اعتقدته، ولكني كنت مخطئًا. ولكن تمكَّن كاريراس من الهرب مبكرًا، واعتقدت أن مارتل قُتل في فيرو. وها هما حيان يرزقان. يمكنني اصطحابك في أي وقت إلى مطعم بعينه في سوهو لترى مارتل يتناول المقبِّلات مرتديًا حلةً زرقاءَ وحذاءً أصفرَ طويلَ الرقبة. ولا يزال نفس ذلك الوحش رشيق القوام قوي البنية، ولا تزال نفس تلك الندبة التي سببها له جوردي هاميلتون على عينه اليسرى في مكانها. يتتبعنا هذه المرة وحوش مفترسة حقيقية يا صديقي ديك … وسأزيدك من الشعر بيتًا. أعتقد أننا قد نتمكن من شراء الآخرين أو إرهابهم، ولكنَّ جماعة دينجرافيل لا تعرف الخوف، وثمة سعر واحد يمكننا شراؤهم به، ألا وهو ثروة هارالدسن كاملةً ولوح اليشم الذي في حوزتي. أعتقد أن أكثر ما يهم دينجرافيل هو لوح اليشم، وهذا طبيعي؛ فهو مجرم يملك خيالًا واسعًا.»
سألته: «ولكن، كيف ستمتزج المجموعة القديمة بالجديدة؟»
«لن يفعلوا. ولكن إذا ما كنت أفهمهم جيدًا، فسوف ينفذون ما يؤمرون به. فلا يمكن لأيٍّ منهم أن يعارض دينجرافيل ولو للحظة واحدة. تروث، المحامي العادي الذي يملك بعض الضمير … بارالتي، المثقف الرعديد … ماذا قد يفعلان في مواجهة شرير حقيقي؟ أكاد أشفق عليهما، فهما بمثابة أرنبين صغيرين بين فكي ثعلب. دينجرافيل هو القائد الآن، وعلى الباقين أن يتبعوه، سواءٌ أعجبهم ذلك أم لا. ولن يخفف قبضته على خصومه أو حلفائه. إنه العدو الحقيقي. قاد جدُّ جدِّ جدِّ جدِّي كتيبته في معركة دتينجن بعدما قال لجنوده: «هل ترون هؤلاء الرجال على قمة التل؟ إذا لم تقتلوهم، فسوف يقتلونكم.» هذا ما أقوله عن دينجرافيل.»
قلت: «لقد عرضت الأمر جيدًا. ماذا تقترح أن نفعل؟»
أجابني ساندي قائلًا: «كنت أريد أن أجنح للسلم في البداية. كنت أعتقد أنه من الممكن التغلب على هذه العصابة أو إرهابها. كنت أعلم أن اعتقادي هذا لا ينطبق على دينجرافيل، ولكني تخيلت أنه من الممكن التعامل معه، هو وحراسه الشخصيين، بطريقة أخرى. التقيت أشخاصًا من سفارة أوليفا، ولكن دون فائدة تُذكر. لا توجد ضدهم أدلة دامغة تكفي لجعل تسليمهم إلى أوليفا ممكنًا. علاوة على ذلك، حتى وإن كان تسليمهم ممكنًا، فإنه لن يحل مشكلة هارالدسن. سيظل هؤلاء الكلاب يتعقبونه، وإذا لم نردعهم دون رجعة، فلن يعيش في أمان طوال حياته. لذا، أعتقد أن الأمر تحول إلى أزمة. فهم سيأتون لا محالة، وعلينا أن نواجههم. إن اختباءنا هنا لم يعُد ذا فائدة. أنا واثق من أننا سنتمكن من صدهم لبعض الوقت، ولكن ستتحول حياة الجميع إلى جحيم، وذات يوم سيفاجئوننا. علينا أن نقاتلهم، وأن نختار نحن أرض المعركة، وبما أنهم خارج الحضارة، فعلينا أن نخرج منها أيضًا.»
قلت: «لا أرى منطقًا في ذلك. إننا بلد يسود فيه القانون، وهذا من شأنه أن يضايق دينجرافيل. وإذا ما أقحمنا أنفسنا في حياة الغابة، فستكون الأفضلية لوحوشها.»
هز ساندي رأسه.
وقال: «بادئ ذي بدء، لا يمكنك أن تترك الأمور حتى تصل إلى حافة الانفجار في بلد يسود فيه القانون. ثانيًا، الانتقال سيضايق تروث وبارالتي أكثر من أي شيء آخر. ثالثًا، دينجرافيل نتاج الحضارة، وسأخشى لقاءه في أحد شوارع باريس أكثر من لقائه في جزيرة صحراوية. لذا، أتفق مع ما سمعت هارالدسن يقوله عندما فاجأتكم على التل. علينا أن نقاتل المعركة الأخيرة على أرض جزيرة الخراف.»
ثم تحدث هارالدسن.
وقال بصوته الرخيم الهادئ: «هذا ما قررت.» ثم انتصب واقفًا ومدد جسده الضخم بكامل طوله، وقد رأيت والده يفعل مثل ذلك كثيرًا على ذلك التل الغارق في ضوء القمر منذ أمد بعيد. واستطرد قائلًا: «سأفعل مثلما فعل ذلك الكلب العجوز عصر اليوم، سأرد لمن يعذبونني الصاع صاعين.»
قال ساندي: «أنت محق.» شعرنا جميعًا بتوتر في تلك اللحظة، وكان يريد أن يهدئنا. فقال: «أعتقد أن هذا هو عين العقل. سأرتب أن تذكر الصحف أنك ستعود إلى نورلاند. ومن الأفضل أن نفترق. لدي صديق، ربان مركب صيد في أبردين، سيُقِلُّك إلى هناك. بالمناسبة، ماذا عن ابنتك؟»
«أنَّا ستذهب معي. اللعنة عليَّ إذا ما تركتها تغيب عن ناظرَيَّ. كما أنه من الصواب أن تشاركني مصيري.»
«إني لأجرؤ على قول إن هذه حكمة منك. إذا ما تركتها هنا، فقد يأخذونها رهينة. ديك، يمكنك أن تركب القارب الشهري المتجه إلى أيسلندا الذي سيبحر الأسبوع القادم من ليث، وأفضل أن تصحب جوردي هاميلتون معك. سألحق بكما لاحقًا. وتأكد من أن العصابة ستهب لملاحقتنا بضراوة بمجرد أن يكتشفوا ما نخطط له. وسيكون ليفرلو وفوسي وماري وبيتر جون وباربارا والطفل في أمان.»
سمعت بيتر جون يزمجر. كان جالسًا يستمع إلى حديثنا بعينين مفتوحتين عن آخرهما. ثم قال راجيًا: «ألن يمكنني الذهاب أيضًا؟»
مسَّ تعبير وجهه المثير للشفقة قلبي، ولكني قلت له: «لا يا بني. أنت صغير جدًّا، ولست مجبرًا على المشاركة. ونحن في غنًى عمَن يكون عالة علينا.»
وهنا صاح هارالدسن منفعلًا: «ولكني لن أسمح بذلك. عليَّ أن ألاقي مصيري، أيًّا كان، وكذلك ابنتي. ولكني لن أسمح لكم بأن تعرضوا أنفسكم للخطر من أجلي. لقد كنتم أكثر من التقيت نُبلًا وكرمًا، ولكن انتهت مهمتكم، فقد أعدتموني إلى رشدي وجعلتموني رجلًا مجددًا. أنا ذاهب إلى وطني لأقاتل معركتي حتى نهايتها وسيقف معي بعض من أبناء وطني. أما أنتم يا أصدقائي، فستبقون في بيوتكم، وحمدًا لله الذي أنعم عليكم بالسلام.»
قلت: «لن أفعل ما تقول. لقد وعدت والدك بأن أساندك، ولن أنقض وعدي له أبدًا. كما أني أزداد بدانة وكسلًا، أحتاج إلى خسارة بعض الوزن. ولن يمكنك ثنيي عن ذلك لو دفعت لي كل ملايينك. ماذا عنك يا لومبارد؟»
أجابني قائلًا: «أنا معك. لقد أقسمت القسم نفسه، وأحتاج إلى بعض الحركة لتحث كبدي على العمل. لقد أنهيت جميع شئوني لشهر أو شهرين قادمين، فقد كنت بصدد الذهاب في عطلة طويلة على أية حال. وبيريل لن تعترض. إنها مهتمة بهذا الأمر مثلي تمامًا.»
كنت أتحدث بحماسة، رغم أن قلبي كان يرتجف. كنت واثقًا من أن ماري لن تعترض، فهي لم تنبس ببنت شفةٍ أثناء عملية «الرهائن الثلاثة»، ولكني كنت أعلم أنها ستكون قلقة جدًّا. لم أكن أخشى عليها وبيتر جون لأننا سننقل أرض المعركة لمسافة ألف ميل بعيدًا عنهما، ولكني كنت أستشرف أيامًا عصيبة سيعيشها أحب الناس إلى قلبي.
حدق بنا هارالدسن وعيناه مغرورقتان بالدموع. ثم قبض على كتفَي لومبارد، الذي كان أقربنا منه، وعانقه بقوة، وبدا لنا وكأن دبًا يعانقه. تمكنت من تفادي عناق مماثل، ولكنه قبض على يدي يرجها بقوة مصافحًا.
وقال بصوتٍ متهدج: «لم أكن أعلم أن مثل هذا الشرف لا يزال موجودًا في العالم. سأصبح الآن شجاعًا مقدامًا لأن أصدقائي يحيطون بي من كل جانب.»
ثم التفت إلى ساندي الذي يُكِنُّ له إعجابًا كبيرًا حتى هذه اللحظة.
«أما أنت يا لورد كلانرويدن، فلا يسعني أن أطلب منك شيئًا. فأنت لم تقطع على نفسك عهدًا، كما أنك رجل عظيم ذو قيمة كبيرة في بلدك. كما أنك ستترك خلفك زوجة شابة وطفلًا صغيرًا. أنا أصر على أن تبقى في بيتك؛ فمغامرتنا هذه — وأؤكد لك — ستكون عصيبة جدًّا. كما أعتقد أنها ستكون شديدة الخطورة.»
رد عليه ساندي قائلًا: «نعم، أعلم ذلك. وتعلمه باربارا أيضًا، وستكون هي أول من يشجعني على الاستمرار. لدي مصلحة في هذا الأمر أكبر من مصلحتك. أعطني بعض البيرة يا ديك وسأخبركم قصة.»
ملأت كوبه وأشعل هو غليونه بعناية جمة. ثم نظر إلينا الواحد تلو الآخر، كان لومبارد محمر الوجه ومتحمسًا، وكنتُ متهيِّبًا بسبب المنحى الذي آلت إليه الأمور، وشحب وجه بيتر جون فجأة، وكان هارالدسن يقف محيطًا بنا مثل قرصان نوردي. وفي نهاية المطاف التقت عيناه بعينَي هارالدسن، وأوحت إليه قوة خفية فيهما بأن يسحب كرسيًّا ويجلس منتصبًا كما لو كان طالبًا يجلس في غرفة مدير مدرسته.
قال ساندي: «منذ ثلاثة أيام، ذهبت في رحلة قصيرة عبر قناة المانش. ثم طرت إلى جنيف، ومن هناك ركبت سيارة وقُدتها إلى وسط وديان مقاطعة سافوي. وصلت في المساء إلى قلعة صغيرة عتيقة تقع عاليًا وسط الجبال. وفي ضوء الغروب، تمكنت من رؤية وتد أبيض اللون يشير نحو السماء شرقًا، كنت أعلم أنه جبل مون بلان. قضيت ليلتي هناك، وكان مُضيفي هو دينجرافيل.»
تعجبنا جميعًا، فقد بدت تلك أكثر مخاطرة جنونية قد يُقدِم عليها أحد.
تابع ساندي حديثه قائلًا: «لم يكن ثمة خطر محدق بي. كنت واثقًا في مُضيفي تمام الثقة. فهو سليل عائلة تعود إلى عصور الحملات الصليبية، ثم عركتهم الحياة حتى هزمتهم. كانت هذه القلعة الصغيرة هي كل ما تبقى لرجل كان أسلافه يملكون في الماضي نصف سافوا العليا. دينجرافيل رجلٌ عاطفي إلى حدٍّ ما، وتلك القلعة التي تقع على قمة التل هي أعز شيء في العالم على قلبه. اكتشفت ذلك عنه، ولا داعي لذكر كيف اكتشفته، ولم أكن أخشى أن يدس لي السم في القهوة. إنه وغد، ولكن لا تزال في نفسه بقايا من شرف.
حسنًا، لقد قضينا أمسية مسلية معًا. لم أحاول أن أفاوضه على شيء، ولكننا تبادلنا التحية قبل بدء المعركة، كما يُقال. كنت أريد أن أكتشف حالته المزاجية بعدما تعافى وأن أكتشف إلى أي مدى يريد أن يصل. واكتشفت كل ذلك بعد هذه الأمسية. إنه سيواصل حتى النهاية. سيسلب هارالدسن كل ما يملك، وربما يذيق تروث وبارالتي من نفس الكأس أثناء ذلك. ولكنه لا يفعل ذلك بدافع الجشع فقط. كان من الممكن أن نشتريه بمبلغ ضخم فيما مضى، ولكن ليس الآن، ليس بعدما عرف بمشاركتي. أصبح يعتبرني عدوه الأبدي. لم تعد الخصومة الرئيسية بين هارالدسن والعصابة، بل بيني ودينجرافيل. لقد تحداني، وقبلت التحدي.»
لا شك في أن ساندي رأى تعبير الامتعاض على وجهي، لأنه استطرد في حديثه.
قال: «لم يكن ثمة سبيلٌ آخر يا ديك. لم أفعل ذلك بدافع الغرور. قد يجوب العالم من شرقه لغربه متفاخرًا بأنه هزمني، ولم أكن لأولي ذلك اهتمامًا. أنا مسرورٌ جدًّا لأنه يسعى للعثور على طريقه إلى الجحيم. ولكن الأمر لا يتعلق بذلك فقط. إن هذا الرجل هو ما تبقى من مهمتي في أوليفا، وحتى يتم القضاء عليه، فإن مهمتي لم تكتمل. لا يمكنني أن أترك مهمة دون إتمامها. لا يمكنني أن أترك هذا الشيطان في صورة إنسان يجوب العالم حرًّا طليقًا. ولو تهربت من تحديه، لم أكن لأتمكن من النوم في فراشي قرير العين مرة أخرى.»
ارتسم على وجه ساندي ذلك التعبير الذي رأيته مرة أو مرتين من قبل على ذلك التل الصغير في إيرزيروم، وفي مكتبة مدينا في شارع هيل، وكنت أعلم أن جدالي معه سيكون بمثابة الجدال مع جدار أصم. كان وجهه يبتسم، ولكن كانت عيناه جادتين.
أكمل ساندي حديثه قائلًا: «ودعني دينجرافيل صباح اليوم التالي وضياء الفجر الجبلي يغمرنا. وقال: «من الرائع العيش في هذا العالم. إلى اللقاء. أتمنى ألا يمر وقت طويل حتى لقائنا القادم.» حسنًا، سأسرع الخطى في اتجاه هذا اللقاء. سألتقيه على جزيرتك يا هارالدسن، وأعتقد أن أحدنا فقط هو من سيغادرها حيًّا.»