العميد والقائد
السيد «أحمد» … برجاء الاتصال بي بمجرد سماعك لهذه الرسالة.
وبمجرد أن أنهى سماعه الرسالة المسجَّلة على البريد الصوتي، قام «أحمد» بالاتصال به:
أحمد: آلو.
طارق: أهلًا «أحمد».
أحمد: تأخرت عليك؟
طارق: لا … فقد اتصلت بك منذ قليلٍ على تليفونك المحمول ولم تُجِب!
أحمد: لقد كنتُ في حمام البخار، وهناك لا يمكنني اصطحاب أي أجهزة إلكترونية.
طارق: منذ متى لم نلتقِ؟
أحمد: أشعر أنه منذ فترة طويلة.
طارق: وأنا كذلك، ما رأيكَ أن نلتقي اليوم؟
أحمد: لا مانع عندي؛ فلستُ مرتبطًا بعملٍ في المساء.
طارق: إذن يجمعنا ركننا المفضَّل على نيل «الجزيرة».
أحمد: سأكون هناك في السابعة.
طارق: يسعدني ذلك أيها المحارب.
أحمد: وأنا أيضًا سيادة العميد.
وأثناء المكالمة، لم ينقطع الوخز من ساعة يده؛ لذا فقد أسرع بضغط أزرارٍ بها بعد أن أنهى المكالمة، فعرف أن مقرَّ «الهرم» يطلب منه الاتصال.
قام بطلب المقر، وأجابه ضابط الاتصال قائلًا: سيد «أحمد» … القائد العام يسأل عنك.
أحمد: مساء الخير حضرة الضابط!
ضابط الاتصال: أعتذر سيد «أحمد»، لأني لم ألقِ عليكَ تحية المساء … ولكني متوتر بعض الشيء.
أحمد: هل وقع حادث خطير؟!
الضابط: لا … ولكن عندما يكون القائد العام متوترًا … يصيبنا التوتر جميعًا!
ابتسم «أحمد»، وأشفق عليه؛ فهو يعرف كيف تكون حالة القائد «حسام» حين يضطلع بمهمة خطيرة، وأكمل حديثه معه قائلًا: لا عليكَ … أوصلني به.
الضابط: بمن سيد «أحمد»؟
أحمد: بالقائد «حسام» يا حضرة الضابط!
الضابط: هو لم يطلب أن تحادثه تليفونيًّا … إنه يريد أن يراك!
أحمد: وهل هو بالمقر الآن؟
الضابط: نعم … نعم … ويجلس في غرفة مكتبه.
أحمد: حسنًا … سأتصل به.
الضابط: كما تشاء، ولكن أرجو أن تبلغه بما أخبرتك به.
أحمد: سأفعل يا حضرة الضابط، ولا تخشَ شيئًا.
الضابط معذرة يا سيد «أحمد» ولكنك تعرف الأوامر.
أحمد: لا عليك … أوصلني به الآن.
وعلى مكتب القائد العام، ارتفع صوت الموسيقى من تليفونه المحمول … وبالنظر إلى شاشته عرف أن «أحمد» هو الذي يطلبه، فأسرع بفتح الخط.
وأجابه قائلًا: أين أنت أيها الشاب؟
أحمد: تحت أمرك أيها القائد.
القائد: هل أبلغك ضابط الاتصال؟
أحمد: وطلبت منه أن يوصلني بك، ثم آثرت أن أطلبك مباشرة.
القائد: هل أنت مشغول مساء اليوم؟
أحمد: لديَّ ميعاد في السابعة مع العميد «طارق».
القائد: هل اتصل بك؟
أحمد: نعم.
القائد: إذن ستعرف منه كل شيء.
أحمد: عن ماذا يا فندم؟
القائد: ستعرف منه، وعليك أن تتصل بي بعد أن تعود إلى المقر، ألن تعود؟
أحمد: بل سأبيت في الفندق.
القائد: عندما تفرغ أرجو أن تتصل بي.
أحمد: حسنًا.
القائد: أتمنَّى لكَ التوفيق.
أحمد: شكرًا.
أغلق التليفون، وأعاد تثبيته على حزام البنطلون … وعيناه شاردتان … وعقله يعمل في سرعة؛ فالأسئلة تتلاحق، وتزاحمها الأفكار والاستنتاجات.
ونظر في ساعته، إنها لا تزال الخامسة، وميعاده مع «طارق» في السابعة … فهل سيقوى على الانتظار ساعتَين ليجيب على هذه الأسئلة.
وخطر بذهنه أن يتصل ﺑ «إلهام»، ويسألها؛ فقد يكون لديها بعض المعلومات عن هذا الموضوع الذي دفع العميد «طارق» للاتصال به، وطلب مقابلته، وكذلك القائد «حسام» … ولكنه تراجع خشية ألَّا يكون مسموحًا بخروج أسرار هذه الاتصالات، خارج دائرتهم هو والقائد والعميد.
ورأى أن يشغل نفسه بشيء آخر حتى ميعاد السابعة، وتذكر أنه لم يتناول طعام الغداء بعد … وخطر له أن يتناوله في نفس المكان الذي سيقابل فيه العميد «طارق».
فغادر الفندق إلى الجراج المُلحَق به، ثم منه إلى شارع «النيل» مستقِلًّا سيارته «اللاندكروزر» وهو يغمغم محادثًا سيارته قائلًا: يا لكِ من سيارة محظوظة … فرغم أنكِ سيارة دفع رباعي وُضِعت للصحراء والطرق الوعرة إلا أنك الآن تسيرين على طريقٍ كالحرير، يلفُّك هواء عذب كماء النيل الذي تسيرين على ضِفته، وتطالع عيونك أجمل ما في الشرق من مواقع، أليس لي حقٌّ في أنك سيارة محظوظة … آه لو تعرفين يا سيارتي كم أحب هذه البلد التي أنجبتني، وكم تمنَّيت أنها قد أنجبتك … وسيأتي هذا اليوم الذي أركب فيه سيارة من صُنع «مصر» وإبداع أبناء «مصر».
وكأنما فهمت السيارة ما يقول … فقد قلَّت سرعتها، وتوقَّف محركها عن الدوران … مما أثار دهشته فعلَا صوتُه ضاحكًا، وهو يقول لها: أعدك إن حدث ذلك فلن أستغني عنكِ، ولكن لا داعي لإحراجي ونحن في منتصف الطريق.
ولم تقدِّر «اللاندكروزر» ظروفَه، ولم تضعف أمام توسُّلاته … فتوقَّف بها على جانب الطريق، ونزل يفتح غطاء المحرك … باحثًا عن عطبٍ أصابها، فلم يجد.
ولم يعُد أمامه غير عقل السيارة المفكِّر؛ فقد يكون السبب خللًا في البرنامج المنظِّم لعمل أجهزة السيارة.
وسمع صوتًا يقول له: قد يكون العطب صغيرًا، ولكن وقتك لا يسمح بالبحث عنه. فردَّ دون أن يلتفت إلى مصدره قائلًا: وهل لديك اقتراح؟
الصوت: ليس أمامك إلا التاكسي.
أحمد: اكتشاف مذهل … عبقري.
الصوت: هل أعتبرها سخرية؟
لم يُجِب «أحمد»، بل انشغل في البحث عن العطب، فحادثه الصوت مرة ثانية قائلًا: ما دام اقتراح التاكسي لا يعجبك … سأعرض عليك اقتراحًا آخر.
فقال «أحمد» في نفاد صبر: قُله.
الصوت: أن تأتي معي في سيارتي!
وعندما التفتَ ليرى صاحب الصوت، صاح قائلًا: العميد «طارق»!