السيارة الصاعقة

علت في شارع «النيل» صرخات فرامل السيارات، وقرقعة اصطدام مقدمة بعضها بمؤخرة الأخرى … واختلط كل ذلك بصوت آلات التنبيه لتحث السيارات على التحرُّك.

إلا أن «إلهام» التي كانت قد غادرت سيارتها، لم تلتفت لكل ذلك …

بل سارت لتبحث بين السيارات المتوقفة خلفها عن السيارة التي كادت تصدمها … فلم تجدها.

بل وجدت غابة من الأذرع، تخرج من شبابيك السيارات، وتلوِّح لها في عصبية أثارت أعصابها.

فعادت مسرعة إلى السيارة، وانطلقت بها في قفزة مجنونة.

وانحرفت عند أول منحنًى، وهي تقول ﻟ «عثمان»: اتصل ﺑ «أحمد»، وأخبره أن ميعادنا قد تأجل، وسنتصل به مرة ثانية.

ريما: ألن نذهب إليه؟

إلهام: يجب أولًا أن نصل إلى «الصاعقة» التي انقضَّت علينا من حيث لا ندري، وكادت تُفقِدنا حياتنا.

ريما: أتظنين أنها مدبَّرة؟

إلهام: أنا لا أظن … أنا واثقة.

ريما: ومَن الذي له مصلحة في قتلنا؟

وكان «عثمان» قد انتهى من مكالمة «أحمد»، عندما سمع سؤال «ريما».

فأجابها قائلًا: الذي له مصلحة في قتلنا … هو الذي رآني وأنا أدخل غرفة العناية المركزة التي ينام فيها «محمد هانئ» وتتبَّعني.

إلهام: وسيحاولون التخلص من كل ما يحيط بهذا الشاب … أو يحميه.

عثمان: ولكن البحث عنهم الآن، لن يؤدي إلى نتيجة.

وعلا صوتُ فرامل السيارة، وهي تنحرف مرةً أخرى في منحنياتٍ متتالية، ووسط ضجيج الفرامل صاحت «ريما» وهي تترنَّح في السيارة: ها هي «الصاعقة».

جحظت عينا «إلهام»، وتشنَّجت قدمها على بدَّال السرعة، وتشتَّتت يداها بعجلة القيادة، وصاحت في «ريما» و«عثمان» قائلة: اربطا أحزمة الأمان … لكن السيارة اختفت مرة أخرى كالبرق.

إلا أن المنفذ الوحيد لخروجها من المنطقة بهذه السرعة، كانت تعرفه «إلهام» … وهو جراج بأسفل عمارة ضخمة … يصل ما بين شارعَين.

ولم تتردد لحظة واحدة بل انطلقت تعبره بنفس سرعتها.

وما إن خرجت منه حتى لمحت مؤخرة السيارة، قبل أن تختفي في أحد الشوارع الجانبية.

ولحسن حظها … أنها كانت تحفظ كل شوارع «جاردن سيتي».

لذا … فقد دارت بالسيارة حول المكان … لتقابل السيارة «الصاعقة» في آخر الشارع.

وانزعج سائقها وهو يرى السيارة التي تطارده من الخلف.

وقد أصبحت في مواجهته … فصعد بعصبية فوق الرصيف ليتفادى اصطدامه بها.

ولكنه لم يستطع التحكُّم في سيارته … فانقلبت.

ورأى «عثمان» شرارة أحدثها احتكاك جسمها بالرصيف.

فصاح في «إلهام» قائلًا: ابتعدي عنها بسرعة … فستنفجر.

وشاهد الشياطين، وهم يعودون بالسيارة للخلف … انفجار خزان الوقود واشتعال السيارة.

وعندما نزلوا ومعهم أنبوبة إطفاء الحريق، لم يكونوا وحدهم.

بل كان كثير من أصحاب السيارات، ممسكًا بأنبوبته، محاولًا إطفاء السيارة وإنقاذ ما بها.

وقد كان ذلك أملهم هو أيضًا … إلا أنهم لم يتمكَّنوا من الحصول إلا على جثَّتين متفحِّمتَين.

خيبة أمل كبيرة أصابتهم، فعادوا إلى سياراتهم منهزمين.

وقبل أن يغادروا المكان … كانت سيارة شرطة قد حضرت وخلفها سيارة مطافئ، ومن الجهة الأخرى من الطريق سيارة إسعاف.

ورأت «إلهام» أنهم أصبحوا يقفون بين قوسَين … ولا مخرج لهم من هذا المكان، إلا بانصراف إحدى هذه السيارات.

ولم ينتظر «عثمان» اقتراحها، بل مدَّ ذراعه من شباك السيارة، ووضع الإشارة الضوئية الحمراء فوق سقفها، وأطلق سارينة التنبيه.

فأسرعت سيارة الشرطة بالابتعاد، لتفتح لهم طريقًا للمرور.

وقبل أن يغادروا المكان … أشار لهم الضابط، فأوقفت «إلهام» السيارة، ومدَّت يدها له بالشارة الأمنية. فحيَّاهم، ورجاهم أن يزوروه في مكتبه، في الوقت الذي يرونه مناسبًا لتسجيل أقوالهم كشهودٍ للحادث، فأبدى الثلاثة ترحيبهم بتقديم العون المطلوب.

وفي الطريق إلى فندق «كونراد» حيث يقيم «أحمد»، قامت «ريما» بمحادثته تليفونيًّا … وأخبرته أنهم في الطريق إليه.

فقال لهم مازحًا: أرجو أن تعتذروا مرة ثانية.

ريما: ألَا تريد رؤيتنا؟

أحمد: على الأقل ليس الآن.

ريما: سأبلغ «إلهام» بذلك.

أحمد: أبلغيها أن تؤجِّل هذا اللقاء … إن لم يكن ملحًّا.

وما إن أبلغتها بما قاله، حتى أخذت منها التليفون.

وحادثته قائلة: تترك المقر وتقيم في الفندق … والآن لا تريد لقاءنا، ما الأمر؟

أحمد: أنتم مَن ألغى لقاءكم معي.

إلهام: لقد هُوجِمنا.

اعتدل «أحمد» في جلسته، ثم اندفع يسألها قائلًا: هُوجِمتم ممن؟

إلهام: لا نعرف حتى الآن.

أحمد: كيف؟

إلهام: ستعرف عندما نلتقي.

أحمد: وهل زرتم «محمد هانئ»؟

إلهام: نعم … وأعتقد أن زيارته كانت السبب.

أحمد: إن نشرة الأخبار تنقل حادث احتراق سيارة، يقولون إنها كانت تطارد سيارة أخرى «فضية»، في شوارع «جاردن سيتي».

إلهام: بل كنا مطارديها.

أحمد: إلَّا أنها هاجمتكم؟

إلهام: نعم.

أحمد: «إلهام» إنكم مطلوبون في مديرية الأمن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥