المافيا مرة أخرى!

اتصل موظف الاستقبال بغرفة «أحمد» … وأبلغه بوجود زائرين … وعندما عرف من هم … غادر غرفته مسرعًا، وكما قال … استقلَّ أول أسانسير متوجهًا إلى اللوبي.

فقالت له «ريما»: وهل حجزت للعودة؟

أحمد: على نفس الأسانسير؟

ريما: نعم.

أحمد: لا … فقد تركت الحجز مفتوحًا.

فنظرت له «إلهام» في ريبة … قبل أن تسأله قائلة: إنك في حالة مرحٍ مريب!

ما مصدر سعادتك؟!

أحمد: هل المفروض أن أكون مكتئبًا لرؤيتكم؟!

ريما: ما حكاية المدعو «محمد هانئ»؟

أحمد: وما حكاية المطاردة؟

إلهام: وما حكاية العميد «طارق»؟

وهنا انفجر «عثمان» ضاحكًا، قبل أن يقول لهم: وما هي حكايتكم أنتم الثلاثة؟

فنظروا له، ولم يتمالكوا أنفسهم من الضحك.

وكأن الضحك قد قلَّل حدة توترهم.

فقد نظر «أحمد» لهم مليًّا، ثم قال في رقة بالغة: لقد افتقدتكم جدًّا.

فتأمَّلته «إلهام» كثيرًا قبل أن تسأله قائلة: وما سبب وجودك هنا؟

فنظر إلى الأرض، ثم أخذ نفسًا عميقًا، وقال: أنا مستبعد لحين انتهاء التحقيق.

عثمان: التحقيق في ماذا؟

أحمد: إنني متهم باتخاذ قرارات فردية، كانت ستعرضكم للخطر.

ريما: كانت ستعرضنا؟!

فعقَّبت «إلهام» في استنكارٍ قائلة: ولكنها لم تعرضنا للخطر … بدليل نجاح كل المهام السابقة.

أحمد: يقولون إنه ليس مقياسًا، والمفروض ألَّا أتخذ قرارًا دون الرجوع إلى قيادتي المباشرة.

إلهام: تقصد الزعيم رقم «صفر»؟

أحمد: طبعًا.

عثمان: وما رأي رقم «صفر»؟

أحمد: هناك مناقشات حامية بينه الآن، وبين أعضاء القيادة العامة.

وعرفت أن القيادة العُليا في انتظار النتيجة.

عثمان: وهل رقم «صفر» راجعك في شيء؟

أحمد: لا … بل إنه راضٍ عن أدائنا جدًّا.

ريما: وما رأيه فيما يحدث؟

أحمد: لقد قال لي إن كل تطور يعقبه نقاش طويل؛ لكي يفهمه الآخرون.

إلهام: أي أنك لست هنا برغبتك؟

فنظر لها بتحدٍّ، وقال لها باسمًا: بل برغبتي.

عثمان: دعنا من مأساتك الآن … ماذا قال لك العميد «طارق»؟

أحمد: لنذهب لإحضار سيارتي من طريق «الكورنيش»، وسأحكي لكم في الطريق.

وبعد أن وقف استعدادًا لمغادرة المكان، عاد للجلوس مرة أخرى، وهو يرى ضحكات «ريما» و«إلهام»، فقال لهما مندهشًا: ماذا يضحككما؟

ريما: لا شيء … لا شيء … هيا بنا.

أحمد: لن ننصرف من هنا حتى أعرف علام تضحكون؟

ورأى «عثمان» أن يعالج الموقف، فقال له: سأقول لك أنا.

وقبل أن يعرف منه شيئًا، كانت «ريما» قد استدعت الجرسون … وطلبت منه قائمة العشاء.

واتسعت عينا «أحمد» ونظر لها في فزع، فوضعت يدها على فمها لتداري ضحكاتها.

فعالج الأمر سريعًا، وقال للجرسون: من فضلك لحم مشوي لأربعة أفراد.

الجرسون: «ستيك» فقط؟

ريما: ومكرونة.

عثمان: نعم لنا نحن الأربعة أيضًا.

الجرسون: شيء آخر؟

أحمد: لا … شكرًا لك.

انصرف الجرسون، فنظر لهم «أحمد» وهو يضحك، ويقول همسًا: ألا تعرفون أني موقوف؟

فقلَّده «عثمان»، وقال هامسًا: نعرف أنك موقوف … لا بخيل.

لقد كان عشاءً رائعًا، هذا ما اجتمع عليه الشياطين، وهم في طريقهم إلى حيث تقف سيارة «أحمد».

غير أن «عثمان» خرج عن الإجماع قائلًا له: الرائع أن تحكي لنا قصة «محمد هانئ»، ولماذا كان يريدك العميد «طارق»؟

أحمد: تعرفون أن لكل اختراع قيمتَين.

عثمان: ومن أين سنعرف، هل تعرفين أنتِ يا «إلهام»؟

هزَّت «إلهام» رأسها نافية ذلك بقولها: لا أعرف!

عثمان: ولا أنتِ يا «ريما»؟

ريما: لا أعرف، ودَع «أحمد» يكمل كلامه دون مقاطعة.

أحمد: للاختراع قيمة عملية، وقيمة اقتصادية.

إلهام: القيمة العملية تتحدد في عُمق الفائدة التي سيجنيها الناس من ورائه.

ريما: والقيمة الاقتصادية يحددها مقدار انتشار هذا الاختراع.

عثمان: المسألة تحتاج لتوضيح.

أحمد: سأضرب لكم مثلًا … تعرفون أن «السرطان» من أخطر أمراض العصر، وأكثرها انتشارًا، واكتشاف علاج له، أو اختراع جهاز قادر على تدميره داخل الجسم، يُعتبَر قيمة عملية كبيرة … ولكن انتشاره سيكون في حدود مرضى «السرطان».

أما اختراع جهاز منزلي حديث مثلًا يوفر من وقت ربة البيت، ويجعل الحياة أسهل وأكثر أمنًا، ويكون في متناول كل الناس، فإن قيمته الاقتصادية تكون كبيرة؛ لأنه لن يقتصر استخدامه على شريحة واحدة … بل سيستفيد منه كل الناس … مرضى وأصحاء، ولن يتوقف استخدامه بعد شفاء المريض.

ريما: تقصد أنه عمليًّا أقل قيمة، ولكن اقتصاديًّا أكبر قيمة؟

أحمد: نعم.

إلهام: أنا أعتقد أن القيمة العملية لأي اختراعٍ هو أن يحتاجه كل الناس في كل مكان على الأرض.

أحمد: أتفق معك … وهذا ما فعله «محمد هانئ».

إلهام: اختراع جهاز يحتاجه كل الناس في كل مكان على الأرض؟

أحمد: نعم.

ريما: وليس له بديل يُغني عنه؟

أحمد: ليس له بديل.

عثمان: شيء رائع، ولكن ما المشكلة؟

أحمد: الموضوع تسرَّب إلى عصابات المافيا.

ريما: وهم مَن حاولوا قتله؟

أحمد: نعم.

إلهام: لماذا؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥