الصفقة!
كانت هذه أول مرة يعرف فيها «عثمان» شيئًا عن جهاز التتبُّع الموصَّل على شبكة التليفون المحمول.
وشرح له «أحمد» الجهاز، قائلًا: إن هذا الجهاز له اشتراك كأي تليفون … ومسجَّل على الخدمة.
وهو يُصدِر تردُّدات مثل التي يُصدِرها أي تليفون محمول، لكنه لا يُصدِر غيرها، وذلك لكي يمكننا اختصار أجهزته وتقليص حجمه.
عثمان: وهذه الترددات تعبِّر عن رقم تليفونك أنت أليس كذلك؟
أحمد: بلى … ولكن نستبدل التليفون بجهاز تتبُّع للإشارات.
عثمان: وكلما طلبت أنت رقمه …
أحمد: يُصدِر إشارات تستقبلها محطات تقوية التليفون المحمول.
عثمان: وعن طريقها، وعن طريق جهاز التتبُّع، تصلون إليه.
أحمد: لقد فهمت الموضوع جيدًا.
عثمان: هذا يعني أنه لن يفلت منك؟
فضحك «أحمد» ضحكة الواثق ثم قال: أتمنى ذلك.
وبعد أن غادر كوبري «الجلاء»، وأمام فندق «الشيراتون»، لمح «الدولفين الفضي» في سكونٍ مغلقة زجاج النوافذ، وإذا بالموسيقى تنبعث من تليفونه المحمول، وعرف من شاشته أن «إلهام» تطلبه.
أحمد: أين أنت الآن؟
إلهام: ماذا فعلتم أنتم؟
أحمد: إننا ما زلنا في نفس المكان … تحيط بنا سيارات الشرطة.
إلهام: ألم يُحضِر لك «عثمان» البنزين؟
أحمد: لم يحضر بعد، أين أنتِ؟
إلهام: نجلس في لوبي فندق «الشيراتون»؟
أحمد: هل يمكن أن تحضري الآن؟
إلهام: بالطبع.
ضحك «أحمد» وهو يسأل «عثمان» إن كان لديه نسخة من مفاتيح أبواب «الدولفين»، في الوقت الذي حثَّت «إلهام» «ريما» على سرعة الانتهاء من الشاي.
وعندما فتحت باب السيارة، ألقت بنفسها خلف عجلة القيادة … ومن الناحية الأخرى ألقت «ريما» بنفسها على الكرسي المجاور لها، وقبل أن تتحرك … التصقت فُوهة مسدس برقبتها … وسمعت صوتًا أجش ذا لكنة أجنبية، يقول لها: أنت مختطَفة.
وقبل أن تلتفت إليه، حذَّرها من ذلك هي و«ريما» التي نظرت لها بطرف عينَيها فوجدتها هادئة تمامًا.
وابتسمت في ثقة، وهي تقول في نفاد صبر: وماذا بعد … هل سنظل واقفين هكذا؟
فقال لها في دهشة: عندما تتحرك السيارة «اللاندكروزر» الواقفة على الجانب الآخر، تحركي خلفها، وعندما سمعت اسم السيارة، شعرت بغصة في حلقها، وقالت له: أهي الأخرى مختطَفة؟
وقبل أن يجيبها … كانت قد ألقت نظرة عليها، وعرفت أنها سيارة «أحمد».
فأعادت عليه السؤال مرة ثانية قائلة: لم تُجبني … أهي مختطَفة؟
الرجل: لا تتكلمي مرة أخرى إلا عندما أطلب منك.
إلهام: لقد تحركت، هل أتبعها؟
الرجل: نعم.
انطلقت «اللاندكروزر»، ومن خلفها «الدولفين الفضي» تتبعها عن بُعد … وأثارت دهشة «إلهام» رغبة الرجل في أن يقترب من السيارة، فقالت له: لو اقتربت بنا منهم سيلاحظوننا!
فقال الرجل: إذن من يقود هذه السيارة من رجالك؟
إلهام: قلتَ لي من قبل الزمي الصمت.
وفي المرآة الجانبية … لمحت السيارة التي أطلقت عليهم الرصاص … تتبعهم عن بُعدٍ … فحار تفكيرها، ولم تجد تفسيرًا لما يحدث.
وسمعت صوت موسيقى خلفها، أعقبها نكتة خفيفة.
ثم صوت الرجل يقول: آلو … ماذا تقول؟ سياراتنا ظهرت … أين هي؟
وفي المرآة رأته يلتفت خلفه في فزعٍ … وكانت بالنسبة لها فرصة لكي تتخلص منه.
إلا أنها رأت أن تتمهَّل لتعرف إلى أين يقودها هذا الرجل والآخرون.
وأرادت أن تثير أعصابه أكثر لتشل تفكيره، فقالت له: هل أنت خائف من شيء؟
فنظر لها في المرآة في استخفافٍ.
فأكملت خطتها قائلة: إن سيارتكم مختطَفة، أليس كذلك؟
فلم يتمالك نفسه، وقال لها: إذن أنت معهم.
إلهام: مع مَن؟
وشعر أنه أخطأ، فقال لها: انظري أمامك، والزمي الصمت.
وعرفت «إلهام» وكذلك «ريما» أن سيارة «أحمد» قد اختُطفَت، أما «أحمد» فهو في سيارة رجال العصابة، ولكن هل هو و«عثمان» سويًّا، أم أن أحدهما مقبوض عليه؟
ومرة أخرى التفتَ الرجل إلى الخلف، ليتابع سيارتهم المختطَفة، ووجدتها «إلهام» فرصة، فسدَّدت له لكمة قاسية في فكِّه، ولحقته «ريما» بضربة سيف يدها في رقبته … فسقط في أرضية السيارة.
فقفزت «ريما» إلى الكنبة الخلفية، وفتَّشته تفتيشًا دقيقًا … وجرَّدته من سلاحه.
ثم نزعت ربطة عنقه، وقيَّدت بها يديه خلف ظهره … وقبل أن تقيِّد قدميه، سمعت الموسيقى تصدر من تليفونه المحمول، فقالت ﻟ «إلهام»: وما العمل يا «إلهام».
إلهام: أيقظيه بسرعة.
وبين حاجبَيه ضغطت بشدة … ففتح عينَين شديدتَي الاحمرار … ونظر للمسدس في يدَيهما في فزعٍ … فقالت له: رد على التليفون، وكُن طبيعيًّا وإلا …
وسحبت أمان المسدس … فصرخ الرجل قائلًا: سأفعل ما تشائين.
وضغط زر الاستقبال، ثم قال: آلو … لا، وكيف أنام؟ لقد كنت مشغولًا فقط بالسيارة التي تتبعنا.
ثم ابتسم في مرارة، وهو يقول: أتخلص منهما؟ كيف؟
ودفعته «ريما» في كتفه ليُبدي موافقته … فقال لهم: حسنًا … حسنًا … سوف أفعل.
وانفجرت الفتاتان في الضحك، بعد إغلاق الخط.
وقالت له «إلهام»: ما رأيك أن تنفِّذ ما أمروك به؟
فقال الرجل في دهشة: كيف؟
إلهام: سنطلق سراحك … وتعود لتقول لهم إنك تخلَّصتَ منا.
«ريما»: لا … لا … لن يفعل … بل سيخون اتفاقنا.
الرجل: لا … لا … أقسم لكما إني سأنفِّذ ما تقولان.
إلهام: ليس بيننا وبينك قسم، الاتفاق الذي سنعقده معك، سنضع شروطه بأنفسنا.
وهنا ضحكت «ريما» وهي تقول: سنضعها بشكلٍ جيدٍ.
الرجل: أوافق.
إلهام: أتوافق دون أن تعرف شروطنا؟
الرجل: أيًّا ما كانت سأقبلها.
فأخرجت «ريما» بعض الأجهزة … وقالت له: هذه شروطنا.
ونظر لها الرجل نظرة بلهاء، ثم قال في تساؤل: لا أفهم.
إلهام: سوف نزرع هذه الشروط في جسمك.
فصرخ في فزعٍ قائلًا: لا.