الخدعة!
أصاب الفزع «عثمان» عندما رأى «رود»، مطلَق الصراح … وشعر أنه لن يرى «إلهام» و«ريما» مرة أخرى.
وقد أكد له ذلك ما حكاه «رود» بنفسه، وكيف أنه قام بإطلاق النار على الفتاتَين، وترك السيارة دائرة … ولم يغادر المكان، إلا بعد أن رآها تسقط من أعلى كوبري «أكتوبر».
وانهارت أعصابه أكثر عندما سمع هذا الكلام من جهاز الراديو، ضمن نشرة الأنباء … ولم يكن وحده المنزعج، بل أصاب الانزعاج «رود» أيضًا، في الوقت الذي ظهر فيه على أفراد العصابة الرضا عمَّا تم.
وتأمَّل «عثمان» وجوههم جيدًا، حتى استطاع الوصول إلى أقرب تصوُّر لما تم بين «رود» والفتاتَين.
وغمغم في نفسه قائلًا: يا لَبراعتكما، إنكما محترفتان.
وكاد «رود» يُجَن مما سمع من أنباء؛ فهو أكثر الموجودين علمًا بما تم.
ثم علا صوته قائلًا بصوتٍ غير مفهوم: هل قتلتهما حقًّا؟
وقد كان «عثمان» قريبًا منه جدًّا، وهو الوحيد الذي سمعه، فأجابه قائلًا: لا … لا … أنت لم تقتلهما.
فقال «رود» باندفاعٍ، وبصوتٍ مسموع: أليس كذلك؟
فالتفت إليه مَن حوله في دهشة.
وسأله أحدهم قائلًا: ما بك «رود»؟
رود: لا شيء … لا شيء!
شعر «عثمان» بخطورة «رود» عندما لمح السوار الذي يلف معصمه، وعرف بالخطة التي رسمتها «إلهام»، وعرف أيضًا دوره فيها.
في الوقت الذي انتاب فيه أفراد العصابة القلق، من حالة «رود»، إلا أنهم، ولحسن حظ الشياطين، لم يلتفتوا إلى السوار الذي يلبسه.
وكما قالت له «إلهام» ظل يتحدث بلا انقطاع.
حتى قال له أحدهم: رأسك يا «رود» لن يحتمل كل هذا الضجيج.
رود: إن رأسي يؤلمني جدًّا يا «زعيم».
الزعيم: سأريحك منه حالًا … فلستُ مرتاحًا لكَ.
توترت أعصاب «إلهام» وهي تسمع، على الطرف الآخر، القرار الذي وصل إليه «الزعيم»؛ فقد يدفع ذلك «رود» إلى أن يحكي كل شيء لينقذ نفسه.
غير أن «رود» لم يكترث لذلك، وكأنه قد تعوَّد تهديده له.
ورأى «عثمان» أن يشغلهم عنه؛ فهو ورقة رابحة ستحدد نهاية هذه المهمة.
فقال لهم: ماذا ستفعلون بي؟
فنظروا له مليًّا، دون أن يجيبوه بكلمة واحدة، ثم انصرفوا عنه إلى تجميع أجزاء أسلحة آلية.
فقال لهم مرة أخرى: هل تستعدون لمعركة؟
الزعيم: ليست معركة … إنها عملية تصفية.
وفجأة سمع الجميع صوتًا صادرًا من تابلوه السيارة، يقول: ستنفجر بعد عشر دقائق … السيارة مجهَّزة للانفجار ذاتيًّا … وتكرر هذا النداء بصورة مستفزة، وأصاب الهلع «رود»، وأخذ يصرخ طالبًا منهم أن يُنزِلوه من السيارة.
ولاحظ «عثمان» على وجه زعيمهم أنه ينوي التخلُّص منه، فأخذ يهدِّئ من روعه … غير أن «الزعيم» أمر بوقف السيارة … ثم قال له: انزل.
وفتح «رود» الباب، وأخرج ساقه من السيارة … في الوقت الذي أخرج فيه «الزعيم» مسدسه، وسحب أمانه.
وقرر «عثمان» التدخُّل إنقاذًا له ولمخطط «إلهام»؛ فدفعه دفعة قوية أطاحت به خارج السيارة … فثارت ثائرة «الزعيم».
وطوَّح كفَّه في صفعة قوية … على وجه «عثمان» أفقدته صوابه، وكاد يدخل معه في معركة … إن لم يحسمها سلاحه … فستكون النتيجة، بلا جدالٍ، في صالح «عثمان».
ولكن صوت العقل انتصر في النهاية … فكلٌّ منهما يحتاج للآخر.
ﻓ «الزعيم» يحتاج ﻟ «عثمان» لإخراج «محمد هانئ» من المستشفى، وتهريبه خارج البلاد كما قال لمعاونيه.
و«عثمان» يحتاج للزعيم، ومن معه، للوصول لباقي الشبكة وتأمين «محمد هانئ» تمامًا.
وأمر «الزعيم» رجاله بإعادة «رود» مرة أخرى … فقفز الجالس بجواره من السيارة، وما إن لمح «رود» حتى حاول الفرار، غير أنه قفز ﮐ «الفهد» في خطوات رشيقة، أثارت إعجاب «عثمان».
وتسمَّرت قدما «رود» في الأرض؛ فقد شعر أنه مقبوض عليه لا محالة.
فصرخ فيهم قائلًا: ألم تسمع يا «زعيم»؟ السيارة ستنفجر.
لم يحرك زعيمهم ساكنًا … وترك المهمة للمكلَّف بها … والذي كان جديرًا بأدائها فقد عاد ومعه «رود».
وتحركت السيارة مرة أخرى … وعلا الصوت الصادر من التابلوه يكرر التحذير، وفي كل نداء تقل المهلة التي تسبق الانفجار، حتى أصبحت خمسَ دقائق؛ فانقطع صوت التهديد … وحلَّ مكانه صوت إشاراتٍ صوتية متتابِعة … أخذت ترتفع مع مرور الوقت.
ورغمًا عنهم تعلَّقت عيونهم جميعًا بساعة السيارة تتابع الوقت المتبقي، وعندما اقتربت المهلة على الانتهاء، وضع «الزعيم» قيدًا حديديًّا في يد «عثمان»، وأمر الجميع بالقفز من السيارة، والانبطاح على الأرض بعيدًا عنها مسافة كافية … وفي الميعاد المحدَّد كان صفير إشارات التحذير يصم الآذان … وكانت مقاعد السيارة خالية.
وعندما اتصلت الإشارة في صفير حادٍّ طويل … انبطح أفراد العصابة جميعهم، ومعهم «عثمان»، على الأرض.
ومرَّت لحظاتٌ قصيرة شعروا أنها طويلة كالدهر … قبل أن يرتج المكان على أثر صوت انفجارٍ شديد … جعلهم جميعًا يُغلقون عيونهم، ويضعون أصابعهم في آذانهم.
وظلُّوا على هذا الحال لدقائق، ثم رفعوا رءوسهم يستطلعون ما أصبحت عليه السيارة؛ فلم يجدوا إلا سيارتهم تقف بدلًا منها.
وعلى أثر صياح «رود» … نظر الجميع إلى ما يشير إليه بسبابته.
فرأَوا عن بُعد «اللاندكروزر»، ويد «أحمد» تخرج منها، ليشير لهم مودعًا.