الرصاصة الملوثة!
لم يتمالك «عثمان» نفسه من الضحك بصوتٍ عالٍ على ما فعله «أحمد» بأفراد العصابة … مما أثار حنق زعيمهم.
ولولا رؤيته لسيارتهم تقف على الرصيف المقابل لهم … لما ترك الأمر يمر دون عتاب.
وقد دفع ما فعله «أحمد» بالجميع إلى أن يعيدوا حساباتهم.
وكان أولهم «رود» الذي بدأ يشك أن ما فعلته به «ريما» غير حقيقي … وبدأ يشعر أنه وقع ضحية لعبة ذكية ماهرة.
فقال له «عثمان»: نعم معقول جدًّا.
فنظر له في دهشة وتساؤلٍ، ثم قال له: لماذا لا تدعني وشأني؟
عثمان: لأنه ليس شأنك وحدك.
وشعر «الزعيم» بما يدور بينهما، فسألهما قائلًا: عمَّ تتحدثان؟
رود: هل هناك قنبلة في حجم بطارية الساعة؟
الزعيم: نعم، هل هذا ما كنتما تتحدثان عنه؟
عثمان: نعم.
رود: اتركا هذا الرجل يموت … وإلا متنا جميعًا.
فصرخ فيه «الزعيم» قائلًا: اصمت.
وانزعج «عثمان» عندما سمع ذلك، فسأله قائلًا: ماذا تقصد بأن تتركوه يموت … هل في أيديكم علاج له؟
الزعيم: نعم … فرجلكم محموم بسبب تلوث «بكتيري» للرصاصة … لا بسبب الجرح الذي سبَّبته الرصاصة.
عثمان: والعلاج لديكم أنتم فقط؟
رود: إنها بكتيريا مُخلَّقة في المعامل، وغير معروفة للأوساط العلمية.
كانت «إلهام» تتابع كل ما يُقال عن طريق الأجهزة التي يحملها «رود»، وتمنَّت في هذه اللحظة أن يعقد «عثمان» مع الرجل صفقة لإنقاذ «محمد هانئ».
ولم تنتظر «إلهام» طويلًا … فقد سمعت «عثمان» يفاوض زعيم العصابة لإتمام هذه الصفقة.
ولم يكن له مطلبٌ غير تسليمه التنازل عن براءة الاختراع، على أن يوثق هذا التنازل داخليًّا وخارجيًّا.
وطلب منه «عثمان» أن يستخدم تليفونه المحمول، للاتصال بالمسئولين، وإبلاغهم نتيجة مفاوضاتهم.
وتلقَّى «أحمد» اتصاله، وطلب منه إبلاغهم بانتظار النتيجة في خلال نصف ساعة.
وكان رقم «صفر» قد انتهى لتوِّه من اجتماع هام في قيادة المنظمة، عندما تلقَّى اتصال «أحمد» … فحيَّاه مرحِّبًا، وأبلغه بعودته للعمل … وبانتهاء المناقشات لصالحه … وباعتراف الجميع بكفاءته وأمانته.
فشكره على استحياء، ثم حكى له ما حدث، فطلب منه رقم «صفر» أن يبلغوهم موافقتهم، وسيقوم هو بإبلاغ «محمد هانئ».
وارتاحت «إلهام» كثيرًا لهذه النتيجة عندما أبلغتها بها كذلك «ريما»، أما «عثمان» فكان يعرف جيدًا الخطة التي تُحاك للإيقاع بهؤلاء اللصوص القتلة.
لذا فإنه عندما عرف من «أحمد» بموافقة رقم «صفر»، تنبَّه إلى أنها إذن لهم لإنهاء هذه العملية بأقل خسارة.
حتى أفراد العصابة ارتاحوا كثيرًا لهذه النتيجة، وبالذات «رود»، الذي شعر بأن هذا الاتصال هو النهاية لمعاناته … والمنقِذ لحياته.
وعندما وقفت بهم السيارة في جراج مستشفى «قصر العيني»، طلبوا من «عثمان» الاتصال بقيادته للسماح لهم بدخول غرفة «محمد هانئ».
فطلبوا منه سؤالهم عن الدواء الذي وعدوا به … فرفضوا تسليمه إلا بعد انتهاء الإجراءات، فامتثلوا لطلباتهم، وصعد «الزعيم» وحده تاركًا «عثمان» في حوزة رجاله بالسيارة.
وفي غرفة المخترِع المصاب، كان يجتمع مندوب عن وزارة العدل، ومندوب عن وزارة الخارجية، ومسئول من مصلحة الشهر العقاري؛ حيث قام الأخير بكتابة عقد التنازل، وراجعه مندوب وزارة العدل، ثم أخرج الجميع أختامهم؛ وقاموا بالتوقيع والختم على عقد التنازل … بعد أن وقَّع المخترِع.
ولم يتبقَّ غير أن يسلِّمهم الدواء، غير أنه رفض أن يحدث ذلك إلا بعد أن يغادر المكان … ووعدهم بأنه سيرسله مع «عثمان».
وظن «أحمد» أن في الأمر خدعة، وقد تكون قصة التلوث البكتيري هذه خدعة، مثل خدعة انفجار السيارة التي لم تنفجر.
إلا أن الأطباء المعالجين أكدوا له أن الجرح ملوث ببكتيريا … وأنهم لم يستطيعوا تحديد نوعها حتى الآن.
فلم يجدوا مفرًّا من التسليم بشروطه، وتركوه يرحل ومعه كل شيء.
وثار كل الموجودين في الغرفة حول المريض؛ واتهموا جهاز الأمن بالتقصير، وبالعجز عن حماية ثروة «مصر» العلمية.
فمن قبل كان لنا العذر حين قُتِل «مصطفى مشرفة» و«يحيى المشد» عالِما الذرة النابغان، وغيرهما الكثير، وعذرنا أن مقتلهم كان بعيدًا عن عيون الأمن.
أما الآن فرجال الأمن يحمون السارق والقاتل.
وحزن «أحمد» كثيرًا لتعجُّلهم في الحكم على ما يحدث، وسُرَّ كثيرًا في نفس الوقت، لمشاعر الخوف على مستقبل هذا الوطن.
وطال انتظارهم ﻟ «عثمان» ومعه أمبولة الدواء التي وعدهم بها زعيم المافيا … فلم يحضر لا «عثمان»، ولا الدواء.
وبكل مشاعر القلق … التفَّ الأطباء المعالجون للمخترِع حول «أحمد» يسألونه عن الحل، فقال واحد منهم: إن أهم بنود الصفقة لم يُنفَّذ.
وقال آخر: ألم تعقدوا الصفقة من أجل إنقاذ هذا الرجل؟
وقال غيره: لا تجعلوني أشعر أن هناك اتفاقًا سريًّا تم بعيدًا عنا.
أحمد: سأحتمل اللوم، والتوبيخ على التقصير أو العجز … أما التشكيك في الذمة وحب هذا الوطن فلا … وما لا تعلمونه … أن ما قمنا به هو حماية له ولحقِّه في اختراعه.
الطبيب: كيف، وكل من هنا شهدوا على عقد التنازل؟
طبيب آخر: وموظفو وزارتَي العدل والداخلية وقَّعوا ووثَّقوا.
أحمد: دعوا لنا الأمور، ولن تندموا في النهاية.
ونظر له الجميع في شكٍّ أحرجه، ولم ينقذه من هذا الإحراج … غير موسيقى تليفونه المحمول.
كان «عثمان» هو المتحدث، وكان الجميع يتابع قسمات وجه «أحمد» وهو يستمع في إنصاتٍ، دون أن ينطق بكلمة، إلى أن قال لهم: المافيا لم تنفِّذ اتفاقها.