الخاتمة
في مايو (أيار) عام ٢٠٠٨ أعلنت شركة كندية صغيرة تدعى كامبريان هاوس عن بيع جزء كبير من أصولها لشركة رأس مال المخاطرة سبنسر تراسك. وعلى الرغم من أن شركة كامبريان هاوس ستستمر في العمل بوصفها شركة مزودة لبرمجيات تعهيد الأعمال للجماهير، فقد انتهى وجودها بوصفها مجتمع تعهيد أعمال للجماهير. لم تكن هذه الأخبار من الضخامة بحيث تتصدر الصحف العالمية، إلا أنها أثرت بشدة على أساتذة الجامعات والمدونين والشركات التي تتبعت عن كثب تطور تعهيد الأعمال للجماهير؛ إذ كانت شركة كامبريان هاوس أول شركة تطلق على نفسها صراحة شركة تعهيد أعمال للجماهير. عندما انطلقت الشركة في ربيع عام ٢٠٠٦، انجذب آلاف الأشخاص إلى دعوتها: «تفكر في الأمر؛ فيختبره الجمهور ويبنيه؛ وتبيعه أنت.» ما الذي لا يستطيع الجمهور فعله؟ كما اتضح، كان الجمهور بارعًا في التفكير والاختبار، لكنه أقل اهتمامًا بالمكون البنيوي لنموذج شركة كامبريان هاوس. يقول مايكل سيكروسكي مؤسس الشركة عند وقت البيع ملاحظًا: «إن الجزء الخاص بحكمة الجماهير في شركة كامبريان هاوس نجح للغاية، لكننا لم نستطع الحصول على مشاركة الجماهير.»
وفي وقت إرسال هذا الكتاب للطبع كان هناك جدل كبير حول هل فشل شركة كامبريان هاوس يرمز إلى فشل تعهيد الأعمال للجماهير. أعتقد أن هذا سؤال معقول، لا أملك له سوى إجابة من كلمة واحدة: جوجل. لا يستخدم محرك جوجل البحثي أساسًا شكلًا من أشكال تعهيد الأعمال للجماهير لتنظيم النتائج فحسب، لكن شركة جوجل أصبحت تعتمد على مدخلات الجماهير لكل شيء بدءًا من برنامج جوجل إيرث إلى تصنيف الصور المرئية. وعندما أرادت الشركة عملاق البرمجيات تطوير تطبيقات نظام أندرويد، ذهبت إلى الجمهور، وأعلنت أنها ستقدم ١٠ مليون دولار جوائز للمطورين الذين يتقدمون بأفضل الأفكار. استجاب الجمهور، كعادته، بأعداد ضخمة، وأرسل المطورون مما يزيد عن سبعين دولة ١٧٨٨ مشاركة. من الواضح أن شركة جوجل لا تشك في كفاءة تعهيد الأعمال للجماهير.
لكن هذا لا يعني أن تعهيد الأعمال للجماهير أمر يسير، فهو يشكل منهجًا جديدًا كليةً في صنع الأشياء، ولا تزال الظاهرة في طور البداية. لم أُفاجأ عندما حولت شركة كامبريان هاوس تركيزها بعيدًا عن أن تطلب من الجمهور إنشاء منتجات برمجية، وفي حين أن أعدادًا من شركات تعهيد الأعمال للجماهير انطلقت أثناء وضع هذا الكتاب، لن أُفاجأ عند رؤية العديد منها يفشل أيضًا. سيتذكر أي صحفي ناقش الازدهار التكنولوجي الكبير في أواخر التسعينيات المعدل الهائل للانهيار التدريجي الذي أتبع ذلك.
وعمومًا، تناولت تعهيد الأعمال للجماهير بوصفي صحفيًّا لا بوصفي مؤيدًا له. مع ذلك، في غضون عامين من البحث، ظهرت العديد من المبادئ الأساسية. وقد اختصرت تلك المبادئ في عشر قواعد لتعهيد الأعمال للجماهير. وهذه القواعد ليست شاملة أو محصنة من النقد لكنها تقدم خارطة طريق بسيطة لمساعدة القارئ في فهم هذا الحقل الجديد من حقول المعرفة.
(١) انتقاء النموذج المناسب
لا يمثل تعهيد الأعمال للجماهير استراتيجية واحدة، بل هو مصطلح شامل تندرج تحته مجموعة كبيرة التنوع من المناهج التي تشترك في سمة واحدة واضحة وهي أنها تعتمد جميعها على مشاركة ما من جانب الجمهور. إلا أن طبيعة هذه المشاركات من الممكن أن تختلف بشدة. قبل إطلاق أي مبادرة لتعهيد الأعمال للجماهير، تتمثل الخطوة الأولى في تحديد الهدف الأساسي الخاص بك: هل تريد استغلال أفضل العملاء لديك لمساعدتك في تصميم منتج جديد؟ هل تحاول إنشاء نظام لمدونين محليين؟ أم هل تحاول العثور على رسام بإمكانه إعادة تصميم الشعار الخاص بك؟ ستساعدك الإجابة على هذه التساؤلات في تحديد أي نموذج لتعهيد الأعمال للجماهير عليك تطبيقه. هناك أربع فئات أساسية لتعهيد الأعمال للجماهير، وقد خصصت القسم الثاني لفحص كل منها بالتفصيل، لكن بإيجاز هي كما يلي:
(١-١) الذكاء الجماعي أو حكمة الجماهير
إن المبدأ الرئيسي الذي يدفع تعهيد الأعمال للجماهير هو أن المجموعات تملك معرفة أكثر من الأفراد، وتكمن البراعة في توفير الظروف التي ستعبر فيها هذه المجموعات عن معرفتها. تستغل أسواق التوقعات — على غرار أسواق أيوا الإلكترونية وشركات الابتكار المفتوح على غرار إنوسنتف — هذا الذكاء الجماعي من خلال إنشاء شبكات ضخمة ومتنوعة من الأشخاص الذين غالبًا ما يتمتعون بمعرفة فريدة من شأنها حل مشكلات صعبة أو إعداد توقعات شديدة الدقة. أحد الأشكال البسيطة للذكاء الجماعي هو صندوق الاقتراحات، الذي تطور إلى مستويات جديدة من التعقيد على يد شركات مثل ديل وآي بي إم في صورة «منتديات الأفكار». (راجع الفصلين الخامس والسادس)
(١-٢) إبداعات الجمهور
كذا يتمتع الجمهور بقدر عظيم من الطاقة الإبداعية؛ فقد عهدت الشركات بنجاح إلى الجماهير بمهام من بينها تصوير الإعلانات التلفزيونية، والترجمة، وإعادة تصميم مكونات صوتية. (راجع الفصل السابع)
(١-٣) التصويت الجماهيري
تستخدم هذه الفئة من تعهيد الأعمال للجماهير آراء الجمهور لتنظيم كميات هائلة من المعلومات، وتستخدم عمومًا لفرز الكم الهائل من الإسهامات التي غالبًا ما تتبع دعوة مفتوحة لتعهيد الأعمال للجماهير. إلا أن الجمهور ليس مضطرًا «للتصويت» عن قصد على شيء للتعبير عن تفضيلاته. وتستخدم جوجل الجمهور في تنظيم نتائج البحث، وتستخدم شركات النشر الإلكتروني الجماهير لإظهار أي المقالات هي الأكثر شعبية بين القراء. (راجع الفصل الثامن)
(١-٤) التمويل الجماهيري
يستغل التمويل الجماهيري الموارد الجماعية للجمهور، مما يتيح لمجموعات كبيرة من الأشخاص فرصة التحول بعيدًا عن البنوك وغيرها من المؤسسات مصدر التمويل. تسمح شركة الإنتاج الموسيقي الثورية سيلاباند للناس بشراء أسهم في الفرق الموسيقية التي يضمها الموقع الإلكتروني. وعندما يشتري عدد كاف من «المتحمسين»، تنتج سيلاباند ألبوم الفرقة. (راجع الفصل التاسع)
•••
بضعة تنبيهات: من الجدير بالملاحظة أن مشروعات تعهيد الأعمال للجماهير الناجحة غالبًا ما تستخدم مزيجًا من هذه المناهج، والحقيقة تستخدم شركة تصميم التي شيرتات، ثريدلس، المناهج جميعها بما يثير الجدل. ومن ثم هناك أشكال مختلفة حتى في نطاق هذه التصنيفات العامة. يجب أن تكون الآليات الفعلية لأي مبادرة فردية في تآلف مع الاحتياجات الخاصة للجمهور.
(٢) انتقاء الجمهور المناسب
إليك النبأ السار: يتألف الجمهور — الأشخاص الذين لديهم اتصال بالإنترنت حول العالم — مما يزيد عن مليار شخص، والعدد في ازدياد سريع. وقد قال ألفيوس بنجهام، مؤسس شركة إنوسنتِف لتعهيد أعمال البحث والتطوير للجماهير، إن الحجم المثالي لقاعدة من يُسْتَخْدَمُون لأغراض تعهيد الأعمال للجماهير هو تقريبًا خمسة آلاف شخص، وهذا يعني أنه إذا كان بإمكانك جذب واحد في المائة من الجمهور على الأقل، فسيكون لديك ضعف عدد المساهمين الذي تحتاجه على ما يبدو. والآن إليك النبأ السيئ: لا بد أن يكونوا الأشخاص المناسبين. هذا المبدأ وثيق الصلة بانتقاء النموذج المناسب لتعهيد الأعمال للجماهير؛ فإذا كنت تؤسس خدمة يتسنى للفرق الرياضية من خلالها استغلال أفضل المديرين بلعبة «فانتازي بيسبول» من أجل مجموع حكمتهم، فحتى إذا استعنت بعشرة آلاف عالم لن يقدموا لك خدمة كبيرة في هذا الصدد. صغ رسالتك بحرفية وفقًا لغاياتك ثم بثها عبر الوسائل المناسبة.
(٣) قدم الحوافز المناسبة
يتحرك الجمهور بطرق غامضة، وجذب الجماهير أسهل كثيرًا من الحفاظ عليه. ومع بضع استثناءات، فإن العنصر الأهم في المحاولة الناجحة لتعهيد الأعمال للجماهير هو مجتمع نابض بالنشاط ويتمتع بحس الالتزام. ويتطلب حث الناس على الاشتراك فهمًا لما يحفزهم للمشاركة في المقام الأول؛ فكل من المجد الشخصي ووجود فرصة للتفاعل مع نظراء من ذوي الميول المشتركة وفرصة تطوير المهارات أو ببساطة تعلم شيء جديد يلعب دورًا في ذلك. ولا تسقط من حساباتك الدور الذي يلعبه المال أيضًا. ومن بين الموضوعات الرئيسية التي ظهرت في العديد من الحوارات التي أجريتها من أجل هذا الكتاب هو أن الناس يحتاجون أن يشعروا بأن هناك مكافأة لما يبذلونه من جهد، حتى وإن كان المال المذكور ضئيلًا. إن مسألة الحوافز تختلف أيضًا وفقًا للجهة التي تقوم بتعهيد الأعمال للجماهير؛ فقد يتبرع الناس مجانًا بالمعرفة والعمل لمصلحة مؤسسة غير ربحية، لكنهم يشعرون بندم على إنفاق طاقتهم لمصلحة شركة ناشئة تقوم على رأس المال المخاطر. بعبارة أخرى، إذا كنت تنوي استخدام الجمهور لتحقيق مكاسب، فأحرى بك التفكير في إنشاء شكل ما من أشكال مشاركة الإيرادات مع المشاركين، فالجمهور يتمتع بالفطنة، وإذا شعروا بالخداع، فسينصرفون جميعًا عنك ولن يعودوا مرة أخرى أبدًا، وسيكتبون في المدونات عن تجربتهم السلبية عند مغادرتهم.
(٤) لست بحاجة إلى فصل الموظفين عن العمل
يبدو الأمر سهلًا: لماذا أدفع لموظف ما لتأدية وظيفة سينفذها الجمهور مجانًا؟ هناك الكثير من الأسباب، كما اكتشف إتش جيه هاينز عندما «دعا الشعب الأمريكي لتصميم الإعلان التجاري القادم لهاينز كاتشب» عام ٢٠٠٧. أمضت الشركة شهورًا في التخطيط لحملتها، ناهيك عن النفقات الهائلة للترويج للمسابقة، ثم اضطرت إلى الاستعانة بشركة دعاية خارجية فقط لمراجعة القدر الهائل من الإعلانات المرسلة التي أتبعت المسابقة، والتي صنف أغلبيتها كإعلانات سلبية، لانتهاكها حقوق النشر أو ببساطة لكونها سيئة. المفارقة أن الأحاديث السيئة حول شركة هاينز كثرت بمنتديات الموقع الخاص بالشركة حيث تعرضت للاتهام بكونها متراخية وتحاول الحصول على عمالة رخيصة. مرت مجلة بادجت ترافل بتجربة مماثلة عندما ملأت عدد يونيو (حزيران) عام ٢٠٠٨ بمحتويات شارك بها القراء فقط. وكتب إريك توركيلز المحرر بالمجلة في إحدى المدونات في وقت لاحق: «قد يسأل شخصٌ من حين لآخر: هل كنا نصدر عددًا يُنشئه القراء لأنه أرخص أو أسهل؟ لتوضيح الأمر تمامًا: لم يكن صنع هذا العدد أرخص ولا أسهل.» هذا لا يعني أن كلتا المحاولتين باءتا بالفشل، فقد تميزت الإعلانات الفائزة (إلى جانب الإعلانات الخمسة التي احتلت المراكز الثانية) بالمهارة والفاعلية، كما ذكرت مجلة بادجت ترافلر أنها ستصدر عددًا من إنشاء القراء عام ٢٠٠٩، وكتب توركيلز: «لأنه في المستقبل، سواء أحببت ذلك أم مقته، سيكون دور المحرر هو إدارة محادثة وليس تقديم مونولوج.»
(٥) حماقة الجماهير، أو مبدأ الموجه المعطاء
عندما أطلقنا المشروع الصحفي المعتمد على تعهيد الأعمال للجماهير، «المهمة صفر»، فكرنا في أننا سنضع الإشعار ونترك الجمهور ينظم نفسه داخل صالة تحرير تطوعية فعالة. لكن هيهات! قد يكون الناس متحمسين وقادرين على تطبيق مستوى معين من التنظيم الذاتي وفقًا لمصالحهم وقدراتهم، لكنهم يحتاجون أيضًا إلى التوجيه والإرشاد وإلى شخص للإجابة عن أسئلتهم. لم يحقق المشروع نجاحًا إلى أن عينا طاقمًا إداريًّا لأداء هذه المهام (على الرغم من أن هذا الطاقم تكون من متطوعين اختارهم الجمهور).
أحد أكثر النقاط التي يساء فهمها بشأن تعهيد الأعمال للجماهير أن الجمهور يعمل بصورة منفصلة. في الواقع إن أنجح مشروعات تعهيد الأعمال للجماهير هي ثمار تعاون قوي بين الجمهور والأفراد الذين يقومون بالتوجيه، والذين يُطْلَقُ عليهم «الموجهون المِعْطاءون» في مشروعات برمجيات المصدر المفتوح. كتب عالم الكمبيوتر جارون لينيَر مقالًا بمجلة إيدج الإلكترونية، ردًّا على التوجه نحو المشروعات الجماعية على غرار ويكيبديا في الجيل الثاني للويب، تحت عنوان: «الماوية الرقمية»، ومع أنني لا أشاركه وجهة نظره التشككية في قدرات الجمهور، فقد أشار إلى بضع نقاط رائعة: «إن كل مثال صادق أعرفه على الذكاء الجماعي يُظهر أيضًا كيف أن هذا العقل الجماعي خضع لتوجيه أو إلهام أفراد ذوي نوايا حسنة. ركز هؤلاء الأشخاص العقل الجمعي نحو الهدف وفي بعض الحالات أيضًا صححوا بعضًا من أخطاء التفكير الشائعة.» بعبارة أخرى، لا بد أن يلعب شخص ما دور الحاكم، كما فعل لينوس تورفالدز في حالة المشروع مفتوح المصدر: لينكس. فالمجتمعات تحتاج إلى قادة.
(٦) الحفاظ على البساطة وتقسيم المشروع
عندما يتعلق الأمر بتعهيد الأعمال للجماهير، تكون أي مهمة جديرة بالتنفيذ جديرة أيضًا بالتقسيم إلى أصغر عناصر ممكنة. يشير العالم والكاتب القانوني يوشاي بنكلر في كتابه، ثروة الشبكات، إلى هذا الأمر ﺑ «قابلية التقسيم إلى وحدات»، والتي يعرفها على أنها «خاصية بالمشروع تصف المدى الذي يمكن أن يُقَسَّمَ به المشروع إلى وحدات أصغر … يمكن أن تُنْتَج بطريقة منفصلة قبل أن تجمع في كيان واحد.» إن الحاجة إلى فعل هذا الأمر ليست لأن أفراد الجمهور أغبياء، بل لأنهم مشغولون. كتب بنكلر يقول: «في حين أنه تُوزع القدرة الإبداعية والقرار بصورة عامة بين عدد من السكان، لا يوزع الوقت المتاح والاهتمام.» إن هذا يحاكي الطريقة التي يعمل بها الأشخاص على الويب فعلًا؛ فعلى سبيل المثال: قد تكون رسالة بمدونة قصيرةً في صورة رابط أو طويلةً في صورة كتاب.
طُبِّقَ هذا المبدأ الأساسي على مجموعة واسعة من تطبيقات تعهيد الأعمال للجماهير، إذ أخذ العاملون ببرنامج كليك وركرز التابع لوكالة ناسا مهمة قياس المنخفضات الأرضية وقسموها إلى مهام تستغرق خمس ثوان. هذا يسمح للمشاركين تحليل القليل أو الكثير من المنخفضات الأرضية بقدر ما يسمح الوقت والاهتمام. يمكن لزائري موقع ثريدلس التصويت على الكم الذي يرغبونه من التي شيرتات، أو إذا سمح الوقت، إعداد تصميم خاص بهم. أما بموقع آي ستوك فوتو، فبمقدور الناس بذل مجهود ضئيل كتحميل صورة أو اثنتين على الموقع، أو الاضطلاع بدور «المراقب» الذي يقتضي تخصيص ما يصل إلى أربعين ساعة أسبوعيًّا لفحص الصور التي يقوم المساهمون بتحميلها لضمان أنها تفي بالمعايير الأساسية للجودة ولا تنتهك حقوق النشر.
من المهم أيضًا الإبقاء على بساطة «طبيعة» المهام. ونقول مجددًا إن هذا لا يرجع إلى أن الجمهور يتصف بالحماقة، بل لأنه متنوع. عندما سئل مؤسس ويكيبديا، جيمي ويلز، عن سبب نجاح الموسوعة الإلكترونية، أجاب إن هذا يعود إلى أن كل من يساهمون في كتابتها يعرفون تمامًا معنى المقالة الموسوعية. ومن خلال إضفاء الوضوح والبساطة على دعوتك — العثور على أفضل رامي في لعبة البيسبول بدوري الدرجة الثانية أو ترجمة هذه الفقرة إلى اللغة الفرنسية — ترتفع بشدة احتمالات أن يرغب شخص ما في المشاركة.
(٧) تذكر قانون سترجيون
نظرًا للحجم المحتمل للجمهور (الذي يشمل، نظريًّا بأي حال، ما يزيد عن مليار شخص لديه اتصال بالإنترنت)، يمكن أن تكون الاستجابة لدعوة مفتوحة للمشاركة هائلة، ولكن معظم المرسلات الناتجة عن الدعوة — كما يمكن أن تبرهن على ذلك شركة هاينز أو شبكة كارنت أو الكثير من الأشخاص الآخرين المذكورين في هذا الكتاب — ستخفق في الوفاء بالمعيار المرغوب فيه من الجودة، هذا إذا أردنا التعبير بصيغة مهذبة. ينص قانون سترجيون (الذي سمي هكذا تيمنًا بكاتب قصص الخيال العلمي ثيودور سترجيون) على أن تسعين في المائة من كل شيء سيكون عديم الفائدة، بينما رأى عدد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم من أجل هذا الكتاب أن هذا تقدير منخفض للغاية.
لقد ذكرت أن الزيادة السريعة في الوسائل التكنولوجية — بكافة أشكالها هائلة العدد — أدت إلى زيادة في مخزون المعرفة والقدرة والميول بين عامة الناس، لكن هذا التطور المرحب به سيستغرق أعوامًا لِيُطَبَّقَ بصورة كاملة. وحتى بعد ذلك، سأبقى معتقدًا أن الموهبة الحقيقية ستظل سلعة نادرة. تكمن المزايا الرئيسية لتعهيد الأعمال للجماهير في تقديم نافذة لم تكن موجودة في السابق لهذه الموهبة، ويكمن التحدي في العثور عليها، وهذا هو موضوع القاعدة التالية.
(٨) تذكر قاعدة العشرة في المائة، الترياق لقانون سترجيون
يقدم لنا تعهيد الأعمال للجماهير هديتين ثمينتين؛ فأولًا: يقدم ملاذًا يمكننا في إطاره ممارسة هواياتنا التي لا نملك لها أهلية أو قدرة، وثانيًا: يدفن بقسوة — وربما برحمة — ثمار تلك المغامرات حيث لا يشهدها سوى القليل على الأرجح. إذا كان هناك سحر حقيقي في تعهيد الأعمال للجماهير، فهو يكمن في قدرة الجماهير على تصحيح ميلها نحو إغداق الشبكات بوفرة كبيرة من الأعمال رديئة الجودة. بعبارة أخرى، إذا وجدت نفسك مغرقًا بالمرسلات، لا تزعج نفسك بفحصها بنفسك، اسلك المسار النفعي والديمقراطي الذي يسمح للجمهور بالبحث عن أفضل وأثمن الأشياء.
(٩) المجتمع الإلكتروني دائمًا على حق
فكر في هذه القاعدة بوصفها جزءًا تكميليًّا لمبدأ الموجه المِعطاء. لا شك أن المجتمعات تحتاج إلى حاكم (إلى جانب مساعدة مادية ودعم عاطفي وعقلاني، وأحيانًا مسئول انضباط)، لكن في النهاية، كما أشار يوشاي بنكلر في سياق الحديث عن لينوس تورفالدز، فإن سلطة الموجه أخلاقية وإقناعية، وليست مطلقة. بإمكانك محاولة توجيه المجتمع، لكن في النهاية سينتهي بك الحال وأنت تتبعه.
(١٠) لا تسأل ماذا يمكن أن يقدم لك الجمهور بل سل ما يمكنك تقديمه للجمهور
ادخرت هذه القاعدة للنهاية لأنني إذا كان بإمكاني ترك القارئ بفكرة واحدة في ذهنه فستكون هذه القاعدة: يعمل تعهيد الأعمال للجماهير على أفضل نحو عندما يقدم فرد أو شركة للجمهور شيئًا يرغبه. هناك طريقة أخرى للنظر إلى هذا الأمر، وهي أن تعهيد الأعمال للجماهير الناجح ينطوي على إشباع الحاجات الإنسانية التي تأتي في قمة هرم ماسلو. ينجذب الناس إلى المشاركة لأن احتياجًا نفسيًّا أو اجتماعيًّا أو عاطفيًّا يُشْبَعُ بهذه المشاركة، وعندما لا يوجد ما يُشْبِعُ هذا الاحتياج، لا يشتركون.
ما يعنيه هذا الأمر للشركات هو أنه لا بد من تغيير التفكير الذي يدخل بطبيعة الحال في نطاق علاقات الموظف. لو أن آي ستوك فوتو تعاملت مع بنية المجتمع الإلكتروني من خلال محاولة إنشاء قوى عاملة من المصورين الهواة بأجر منخفض، لباءت بالفشل. ولكن بدلًا من ذلك، شرع ليفنجستون في إنشاء ملاذ على الويب يمكن فيه للهواة المتحمسين مشاركة الصور ونقد أعمال بعضهم بعضًا، بل وتحقيق مكسب مادي أيضًا.